الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 240 ] 829 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة القاعد متربعا ، هل هي مكروهة أم لا ؟

5233 - حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني ، قال : حدثنا شريك ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد ، عن مولى للسائب ، عن السائب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - : صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم غير متربع " .

[ ص: 241 ] ففي هذا الحديث ما يدل على نقص صلاة القاعد متربعا عن [ ص: 242 ] صلاة غيره قاعدا غير متربع ، فكان هذا الحديث عندنا ممن لا يحتج بمثله ; لأن مولى السائب المذكور في إسناده لا يدرى من هو ، ولأن إبراهيم بن المهاجر ليس بالقوي في روايته .

فقال قائل : فقد روي عن ابن مسعود في كراهة التربع في الصلاة .

فذكر ما قد حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني ، قال : حدثنا الخصيب بن ناصح ، قال : أخبرنا عبد العزيز بن مسلم القسملي ، عن حصين ، عن الهيثم بن شهاب ، قال : قال عبد الله : لأن أجلس على رضفتين ، أحب إلي من أن أتربع في الصلاة .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله - عز وجل وعونه - : أنه لا حجة له في هذا ; لأنه قد يحتمل أن يكون ذلك على التربع الذي لم يبح للمصلي في صلاته ، وهو التربع في القعود للتشهد .

ثم نظرنا هل روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة متربعا غير الحديث الذي بدأنا بذكره في هذا الباب . ؟

5234 - فوجدنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس قد حدثنا ، قال : [ ص: 243 ] حدثنا هارون بن عبد الله .

5235 - ووجدنا أحمد بن شعيب قد حدثنا ، قال : أخبرني هارون بن عبد الله ، ثم اجتمعا فقالا : قال : حدثنا أبو داود الحفري ، عن حفص - قال إسحاق : وهو ابن غياث - عن حميد - قال إسحاق وهو الطويل - عن عبد الله بن شقيق ، عن عائشة ، قالت : رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى متربعا .

قال أبو جعفر : فكان هذا الحديث صحيح الإسناد غير مطعون في أحد من رواته ، فهو أولى من حديث مولى السائب الذي لا يدرى من هو . ؟

وقد وجدنا عن أم سلمة وأم الدرداء في ذلك مما قد حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا يوسف بن عدي ، قال : [ ص: 244 ] حدثنا عباد بن عباد المهلبي ، عن عاصم وهشام بن حسان ، عن الحسن ، عن أمه : أنها رأت أم سلمة تصلي متربعة من رمد كان بها .

وما قد حدثنا فهد ، قال : حدثنا إسماعيل بن الوليد القعقاعي ، قال : حدثنا هانئ بن عبد الرحمن ، قال : حدثني إبراهيم بن أبي عبلة ، قال : رأيت أم الدرداء تصلي متربعة .

وكان هذا المذهب في هذا الباب بالقياس أولى ; لأنا قد رأينا الإيماء في الصلاة قد خولف فيه بين الإيماء للركوع وبين الإيماء للسجود ، ويجعل أحدهما أخفض من الآخر ; لأن كل واحد منهما بدل لشيء غير ما الآخر بدل منه .

وكان مثل ذلك القعود البدل من القيام في الصلاة ، يكون خلاف القعود الذي هو من الصلاة خلاف ذلك ، وهو القعود للتشهد .

وفيما ذكرنا من هذا يتثبت ما كان أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد ، [ ص: 245 ] يقولونه في ذلك من أمرهم من عجز عن القيام في الصلاة الذي يبيح له عجزه أن يصلي قاعدا ، أنه يصلي متربعا بدلا من القيام الذي يقومه إذا كان عليه قادرا ، وخلاف ما يقول زفر في ذلك : إن قعوده الذي يكون منه فيها بدلا من قيامه الذي قد عجز عنه كقعوده فيها لتشهده فيها والله - عز وجل - نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية