الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون

                                                                                                                                                                                                إن كنا : هي المخففة من الثقيلة، واللام هي الفارقة بينها وبين النافية، وهم: الملائكة، والمسيح، ومن عبدوه من دون الله من أولي العقل، وقيل: الأصنام ينطقها الله -عز وجل- فتشافههم بذلك مكان الشفاعة التي زعموها وعلقوا بها أطماعهم، هنالك : في ذلك المقام وفي ذلك الموقف، أوفي ذلك الوقت على استعارة اسم المكان للزمان، تبلو كل نفس : تختبر وتذوق، ما أسلفت : من العمل فتعرف كيف هو، أقبيح أم حسن; أنافع أم ضار; أمقبول أم مردود ؟ كما يختبر الرجل الشيء ويتعرفه ليكتنه حاله; ومنه قوله تعالى: يوم تبلى السرائر [الطارق: 9]، وعن عاصم : "نبلو كل نفس" بالنون ونصب "كل"، أي: نختبرها باختبار ما أسلفت من العمل، فنفرق حالها بمعرفة حال عملها; إن كان حسنا فهي سعيدة، وإن كان سيئا فهي شقية، والمعنى: نفعل بها فعل الخابر، كقوله تعالى: ليبلوكم أيكم أحسن عملا [الملك:2]، ويجوز أن يراد نصيب بالبلاء، وهو العذاب: كل نفس عاصية بسبب ما أسلفت من الشر، وقرئ: "تتلو" أي: تتبع ما أسلفت; لأن عمله هو الذي يهديه إلى طريق الجنة أو إلى طريق النار، أو تقرأ في صحيفتها ما قدمت من خير أو شر، مولاهم الحق : ربهم الصادق ربوبيته; لأنهم كانوا يتولون ما ليس لربوبيته حقيقة، أو الذي يتولى حسابهم وثوابهم، العدل الذي لا يظلم أحدا، وقرئ: "الحق" بالفتح على تأكيد قوله: ردوا إلى الله ; كقولك: هذا عبد الله الحق لا الباطل، أو على المدح; كقولك: الحمد لله أهل الحمد، وضل عنهم ما كانوا يفترون : وضاع عنهم ما كانوا يدعون أنهم شركاء لله، أو بطل عنهم ما كانوا يختلقون من الكذب وشفاعة الآلهة .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية