الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام وإذ قال الله يقول قال الله وإذ ها هنا صلة المائدة أصلها مفعولة كعيشة راضية وتطليقة بائنة والمعنى ميد بها صاحبها من خير يقال مادني يميدني وقال ابن عباس متوفيك مميتك

                                                                                                                                                                                                        4347 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب قال البحيرة التي يمنع درها للطواغيت فلا يحلبها أحد من الناس والسائبة كانوا يسيبونها لآلهتهم لا يحمل عليها شيء قال وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار كان أول من سيب السوائب والوصيلة الناقة البكر تبكر في أول نتاج الإبل ثم تثني بعد بأنثى وكانوا يسيبونها لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بالأخرى ليس بينهما ذكر والحام فحل الإبل يضرب الضراب المعدود فإذا قضى ضرابه ودعوه للطواغيت وأعفوه من الحمل فلم يحمل عليه شيء وسموه الحامي و قال لي أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري سمعت سعيدا قال يخبره بهذا قال وقال أبو هريرة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ورواه ابن الهاد عن ابن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 133 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 133 ] قوله : باب ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام أي ما حرم ، ولم يرد حقيقة الجعل لأن الكل خلقه وتقديره ، ولكن المراد بيان ابتداعهم ما صنعوه من ذلك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وإذ قال الله ، يقول قال الله ، وإذ هاهنا صلة ) كذا ثبت هذا وما بعده هنا ، وليس بخاص به وهو على ما قدمنا من ترتيب بعض الرواة ، وهذا الكلام ذكره أبو عبيدة في قوله تعالى وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم قال مجازه يقول الله ، وإذ من حروف الزوائد ، وكذلك قوله وإذ علمتك أي وعلمتك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( المائدة أصلها مفعولة كعيشة راضية وتطليقة بائنة ، والمعنى ميد بها صاحبها من خير يقال مادني يميدني ) قال ابن التين : هو قول أبي عبيدة ، وقال غيره : هي من ماد يمتد إذا تحرك ، وقيل من ماد يمتد إذا أطعم . قال ابن التين : وقوله : تطليقة بائنة غير واضح إلا أن يريد أن الزوج أبان المرأة بها ، وإلا فالظاهر أنها فرقت بين الزوجين فهي فاعل على بابها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال ابن عباس : متوفيك : مميتك ) هكذا ثبت هذا هنا ، وهذه اللفظة إنما هـي في سورة آل عمران ، فكأن بعض الرواة ظنها من سورة المائدة فكتبها فيها ، أو ذكرها المصنف هنا لمناسبة قوله في هذه السورة فلما توفيتني كنت أنت الرقيب ثم ذكر المصنف حديث ابن شهاب عن سعيد بن المسيب في تفسير البحيرة والسائبة ، والاختلاف في وقفه ورفعه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( البحيرة التي يمنع درها للطواغيت ) وهي الأصنام ، فلا يحلبها أحد من الناس ، والبحيرة فعيلة بمعنى مفعولة ، وهي التي بحرت أذنها أي حرمت . قال أبو عبيدة : جعلها قوم من الشاة خاصة إذا ولدت خمسة أبطن بحروا أذنها أي شقوها وتركت فلا يمسها أحد . وقال آخرون : بل البحيرة الناقة كذلك ، وخلوا عنها فلم تركب ولم يضربها فحل ، وأما قوله " فلا يحلبها أحد من الناس " فهكذا أطلق نفي الحلب ، وكلام أبي عبيدة يدل على أن المنفي إنما هو الشرب الخاص ، قال أبو عبيدة : كانوا يحرمون وبرها ولحمها وظهرها ولبنها على النساء ويحلون ذلك للرجال ، وما ولدت فهو بمنزلتها ، وإن ماتت اشترك الرجال والنساء في أكل لحمها . وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال : البحيرة من الإبل كانت الناقة إذا نتجت خمس بطون فإن كان الخامس ذكرا كان للرجال دون النساء ، وإن كانت أنثى بتكت أذنها ثم أرسلت فلم يجزوا لها وبرا ولم يشربوا لها لبنا ولم يركبوا لها ظهرا ، وإن تكن ميتة فهم فيه شركاء الرجال والنساء . ونقل أهل اللغة في تفسير البحيرة هيئات أخرى تزيد بما ذكرت على العشر . وهي فعيلة بمعنى مفعولة ، والبحر شق الأذن ، كان ذلك علامة لها .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 134 ] قوله : ( والسائبة كانوا يسيبونها لآلهتهم فلا يحمل عليها شيء ) قال أبو عبيدة : كانت السائبة من جميع الأنعام ، وتكون من النذور للأصنام فتسيب فلا تحبس عن مرعى ولا عن ماء ولا يركبها أحد ، قال : وقيل السائبة لا تكون إلا من الإبل ، كان الرجل ينذر إن برئ من مرضه أو قدم من سفره ليسيبن بعيرا ، وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال : السائبة كانوا يسيبون بعض إبلهم فلا تمنع حوضا أن تشرب فيه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال : وقال أبو هريرة : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : رأيت عمرو بن عامر الخزاعي إلخ ) هكذا وقع في الرواية إيراد القدر المرفوع من الحديث في أثناء الموقوف ، وسأبين ما فيه بعد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( والوصيلة الناقة البكر تبكر في أول نتاج الإبل بأنثى ، ثم تثني بعد بأنثى ) هكذا أورده متصلا بالحديث المرفوع ، وهو يوهم أنه من جملة المرفوع ، وليس كذلك ، بل هو بقية تفسير سعيد بن المسيب ، والمرفوع من الحديث إنما هو ذكر عمرو بن عامر فقط ، وتفسير البحيرة وسائر الأربعة المذكورة في الآية عن سعيد بن المسيب ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه بهذا الإسناد مثل رواية الباب ، إلا أنه بعد إيراد المرفوع قال " وقال ابن المسيب : والوصيلة الناقة إلخ " فأوضح أن التفسير جميعه موقوف ، وهذا هو المعتمد ، وهكذا أخرجه ابن مردويه من طريق يحيى بن سعيد وعبيد الله بن زياد عن ابن شهاب مفصلا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أن وصلت ) أي من أجل . وقال أبو عبيدة : كانت السائبة مهما ولدته فهو بمنزلة أمها إلى ستة أولاد ، فإن ولدت السابع أنثيين تركتا فلم تذبحا ، وإن ولدت ذكرا ذبح وأكله الرجال دون النساء ، وكذا إذا ولدت ذكرين ، وإن أتت بتوأم ذكر وأنثى سموا الذكر وصيلة فلا يذبح لأجل أخته ، وهذا كله إن لم تلد ميتا ، فإن ولدت بعد البطن السابع ميتا أكله النساء دون الرجال . وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال : الوصيلة : الشاة كانت إذا ولدت سبعة فإن كان السابع ذكرا ذبح وأكل وإن كان أنثى تركت وإن كان ذكرا وأنثى قالوا : وصلت أخاها فترك ولم يذبح .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( والحام فحل الإبل يضرب الضراب المعدود إلخ ) وكلام أبي عبيدة يدل على أن الحام إنما يكون من ولد السائبة . وقال أيضا : كانوا إذا ضرب فحل من ولد البحيرة فهو عندهم حام ، وقال أيضا : الحام من فحول الإبل خاصة إذا نتجوا منه عشرة أبطن قالوا : قد حمى ظهره ، فأحموا ظهره ووبره وكل شيء منه فلم يركب ولم يطرق ، وعرف بهذا بيان العدد المبهم في رواية سعيد . وقيل الحام فحل الإبل إذا ركب ولد ولده ، قال الشاعر : حماها أبو قابوس في غير ملكه كما قد حمى أولاد أولاده الفحلا

                                                                                                                                                                                                        وقال الفراء : اختلف في السائبة فقيل كان الرجل يسيب من ماله ما شاء يذهب به إلى السدنة وهم الذين يقومون على الأصنام . وقيل : السائبة الناقة إذا ولدت عشرة أبطن كلهن إناث سيبت فلم تركب ولم يجز لها وبر ولم يشرب لها لبن ، وإذا ولدت بنتها بحرت أي شقت أذنها ، فالبحيرة ابنة السائبة وهي بمنزلة أمها ، والوصيلة من الشاة إذا ولدت سبعة أبطن إذا ولدت في آخرها ذكرا وأنثى قيل وصلت أخاها فلا تشرب النساء لبن الأم وتشربه الرجال وجرت مجرى السائبة إلا في هذا ، وأما الحام فهو فحل الإبل كان إذا لقح ولد ولده قيل حمى ظهره فلا يركب ولا يجز له وبر ولا يمنع من مرعى .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 135 ] قوله : ( وقال لي أبو اليمان ) عند غير أبي ذر " وقال أبو اليمان " بغير مجاورة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( سمعت سعيدا يخبره بهذا قال : وقال أبو هريرة سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه ) هكذا للأكثر يخبر بصيغة الفعل المضارع من الخبر متصل بهاء الضمير ، ووقع لأبي ذر عن الحموي والمستملي بحيرة بفتح الموحدة وكسر المهملة ، وكأنه أشار إلى تفسير البحيرة وغيرها كما في رواية إبراهيم بن سعد ، وأن المرفوع منه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر عمرو بن عامر حسب ، وهذا هو المعتمد ، فإن المصنف أخرجه في مناقب قريش قال حدثنا أبو اليمان أنبأنا شعيب عن الزهري سمعت سعيد بن المسيب قال : البحيرة التي يمنع درها إلخ ، لكنه أورده باختصار قال وقال أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأيت عمرو بن عامر إلخ .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ورواه ابن الهاد عن ابن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم ) أما طريق ابن الهاد فأخرجها ابن مردويه من طريق خالد بن حميد المهري عن ابن الهاد - وهو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي - بهذا الإسناد ، ولفظ المتن رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار وكان أول من سيب السوائب ، والسائبة التي كانت تسيب فلا يحمل عليها شيء إلى آخر التفسير المذكور ، وقد أخرجه أبو عوانة وابن أبي عاصم في " الأوائل " والبيهقي والطبراني من طريق عن الليث عن ابن الهاد بالمرفوع فقط ، وظهر أن في رواية خالد بن حميد إدراجا وأن التفسير من كلام سعيد بن المسيب والله أعلم . قوله في المرفوع " وهو أول من سيب السوائب " زاد في رواية أبي صالح عن أبي هريرة عند مسلم " وبحر البحيرة وغير دين إسماعيل " وروى عبد الرزاق عن معمر عن يزيد بن أسلم مرسلا " أول من سيب السوائب عمرو بن لحي ، وأول من بحر البحائر رجل من بني مدلج جدع أذن ناقته وحرم شرب ألبانها " والأول أصح ، والله أعلم . ثم ذكر المصنف حديث عائشة رأيت جهنم يحطم بعضها بعضا ، ورأيت عمرا يجر قصبه في النار ، وهو أول من سيب السوائب هكذا وقع هنا مختصرا ، وتقدم في أبواب العمل في الصلاة من وجه آخر عن يونس عن زيد مطولا وأوله خسفت الشمس ، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقرأ سورة طويلة الحديث وفيه لقد رأيت في مقامي هذا كل شيء وفيه القدر المذكور هنا ، وأورده في أبواب الكسوف من وجه آخر عن يونس بدون الزيادة ، وكذا من طريق عقيل عن الزهري ، وقد تقدم بيان نسب عمرو الخزاعي في مناقب قريش ، وكذا بيان كيفية تغييره لملة إبراهيم - عليه السلام - ونصبه الأصنام وغير ذلك




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية