الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما أمره بدعاء من أعرض عنه ومجاهرته - أمره بحفظ من تبعه وملاطفته ، فقال : ولا تطرد الذين يدعون وهم الفقراء من المسلمين ربهم أي : المحسن إليه عكس ما عليه الكفار في دعاء من لا يملك لهم ضرا ولا نفعا; ثم بين من حالهم من الملازمة ما يقتضي الإخلاص ، فقال : بالغداة والعشي أي : في طرفي النهار مطلقا [ ص: 127 ] أو بصلاتيهما أو يكون كناية عن الدوام; ثم أتبع ذلك نتيجته فقال معبرا عن الذات بالوجه ؛ لأنه أشرف - على ما نتعارفه - وتذكره يوجب التعظيم ويورث الخجل من التقصير : يريدون وجهه أي : لأنه لو كان رياء لاضمحل على طول الزمان وتناوب الحدثان باختلاف الشأن .

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان أكابر المشركين وأغنياؤهم قد وعدوه - صلى الله عليه وسلم - الاتباع إن طرد من تبعه ممن يأنفون من مجالستهم ، وزهدوه فيهم بفقرهم وبأنهم غير مخلصين في اتباعه ؛ إنما دعاهم إلى ذلك الحاجة - بين له تعالى أنه لا حظ له في طردهم ولا في اتباع أولئك بهذا الطريق إلا من جهة الدنيا التي هو مبعوث للتنفير عنها ، فقال معللا لما مضى أو مستأنفا : ما عليك قدم الأهم عنده وهو تحمله من حسابهم وأغرق في النفي فقال : من شيء أي : ليس لك إلا ظاهرهم ، وليس عليك شيء من حسابهم ، حتى تعاملهم بما يستحقون في الباطن من الطرد إن كانوا غير مخلصين وما من حسابك قدم أهم ما إليه أيضا عليهم من شيء أي : وليس عليهم شيء من حسابك فتخشى أن يحيفوا عليك فيه على تقدير غشهم ، أو ليس عليك من رزقهم [ ص: 128 ] شيء فيثقلوا به عليك ، وما من رزقك عليهم من شيء فيضعفوا عنه لفقرهم ، بل الرازق لك ولهم الله; ثم أجاب النفي مسببا عنه فقال : فتطردهم أي 0 : فتسبب عن أحد الشيئين طردك لهم ليقبل عليك الأغنياء فلا يكلفوك ما كان أولئك يكلفونك ، وإن كلفتهم ما كان أولئك عاجزين عنه أطاقوه ; والحاصل أنه يجوز أن يكون معنى جملتي ما عليك من حسابهم - إلى آخرهما راجعا إلى آية الكهف

                                                                                                                                                                                                                                      ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا فيكون المعنى ناظرا إلى الرزق ، يعني : أن دعاءك إلى الله إنما مداره الأمر الأخروي ، فليس شيء من رزق هؤلاء عليك حتى تستنفر بهم وترغب في الأغنياء ، ولا شيء من رزقك عليهم فيعجزوا عنه ، وفي اللفظ من كلام أهل اللغة ما يقبل هذا المعنى; قال صاحب القاموس وغيره : الحساب : الكافي ، ومنه عطاء حسابا وحسب فلان فلانا : أطعمه وسقاه حتى شبع وروي . وقال أبو عبيد الهروي : يقال : أعطيته فأحسبته ، أي : أعطيته الكفاية حتى قال : حسبي ، وقوله : " يرزق من يشاء بغير حساب " أي : بغير تقتير وتضييق ، وفي حديث سماك : ما حسبوا ضيفهم ، [ ص: 129 ] أي : ما أكرموه ، وقال ابن فارس في المجمل : وأحسبته : أعطيته ما يرضيه ، وحسبته أيضا ، وأحسبني الشيء : كفاني .

                                                                                                                                                                                                                                      ولما نهاه عن طردهم مبينا أنه ضرر لغير فائدة ، سبب عن هذا النهي قوله فتكون من الظالمين أي : بوضعك الشيء في غير محله ، فإن طردك هؤلاء ليس سببا لإيمان أولئك ، وليس هدايتهم إلا إلينا ، وقد طلبوا منا فيك لما فتناهم بتخصيصك بالرسالة ما لم يخف عليك من قولهم : لولا أنـزل عليه ملك ونحوه مما أرادوا به الصرف عنك ، فكما لم نقبلهم فيك فلا تقبلهم أنت في أوليائنا ، فإنا فتناهم بك حتى سألوا فيك ما سألوا وتمنوا [ما تمنوا]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية