الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            [ ص: 3 ] { من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين } " حديث شريف " بسم الله الرحمن الرحيم باب قاطع الطريق أي أحكامهم ، وقطعه هو البروز لأخذ مال أو لقتل أو إرهاب مكابرة اعتمادا على الشوكة مع البعد عن الغوث كما سيأتي .

                                                                                                                            والأصل فيه قوله تعالى { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله } الآية ، قال جمهور العلماء : إنما نزلت في قطاع الطريق لا في الكفار ، واحتجوا له بقوله تعالى { إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم } الآية ، إذ المراد التوبة عن قطع الطريق ولو كان المراد الكفار لكانت توبتهم بإسلامهم ، وهو دافع للعقوبة قبل القدرة وبعدها ( هو مسلم ) لا حربي لعدم التزامه أحكامنا ولا معاهد ومؤمن ، أما الذمي فيثبت له حكم قطع الطريق كما قاله ابن المنذر في الإشراف وصرح به الشافعي .

                                                                                                                            قال الزركشي : وهو قضية إطلاق الأصحاب فإنهم لم يشترطوا [ ص: 4 ] الإسلام ا هـ .

                                                                                                                            ويمكن أن يقال إنه مخصوص بغير الذمي أو أن جميع أحكام قطاع الطريق لا تتأتى فيهم ، أو أنه خرج بقوله مسلم الكافر وفيه تفصيل ، وهو أنه إن كان ذميا ثبت له حكم قطع الطريق أو حربيا أو معاهدا أو مؤمنا فلا ، والمفهوم إذا كان فيه تفصيل لا يرد ( مكلف ) أو سكران مختار ولو قنا وامرأة فلا عقوبة على صبي ومجنون ومكره ، وإن ضمنوا النفس والمال ( له شوكة ) أي قوة وقدرة ولو واحدا يغلب جمعا ، وقد تعرض للنفس أو البضع أو المال مجاهرا ( لا مختلسون يتعرضون لآخر قافلة يعتمدون الهرب ) لانتفاء الشوكة فحكمهم قودا أو ضمانا كغيرهم ، والفرق عسر دفع ذي الشوكة بغير السلطان فغلظت عقوبته ردعا له ، بخلاف نحو المختلس ( والذين يغلبون شرذمة بقوتهم قطاع في حقهم ) لاعتمادهم على الشوكة بالنسبة إليهم ( لا لقافلة عظيمة ) إذ لا قوة لهم بالنسبة إليهم فالشوكة أمر نسبي ، فلو فقدت بالنسبة لجمع يقاومونهم ، لكن استسلموا لهم حتى أخذوهم لم يكونوا قطاعا ، وإن كانوا ضامنين لما أخذوه ; لأن ما فعلوه لا يصدر عن شوكتهم بل عن تفريط القافلة ( وحيث يلحق غوث ) لو استغاثوا ( ليس بقطاع ) بل منتهبون ( وفقد الغوث يكون للبعد ) عن العمران أو السلطان ( أو الضعف ) بأهل العمران أو بالسلطان أو بغيرهما ، كأن دخل جمع دارا وشهروا السلاح ومنعوا أهلها من الاستغاثة فهم قطاع في حقهم ، وإن كان السلطان موجودا قويا ( وقد يغلبون والحالة هذه ) أي وقد ضعف السلطان أو بعد هو وأعوانه ( في بلد ) [ ص: 5 ] لعدم من يقاومهم من أهلها ( فهم قطاع ) كالذين بالصحراء وأولى لعظم جراءتهم

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            [ ص: 3 ] باب قاطع الطريق لعل الحكمة في تعقيبه لما قبله مشاركته للسرقة في أخذ مال الغير ووجوب القطع في بعض أحواله ( قوله : أي أحكامهم ) أشار به إلى أن الإضافة في القاطع للجنس ، فتصدق بالتعدد هو المراد ( قوله : وقطعه ) أي الطريق ، وقوله هو : أي شرعا ( قوله : أو إرهاب ) أي خوف ( قوله : مع البعد عن الغوث ) أي ولو حكما كما لو دخلوا دارا ومنعوا أهلها الاستغاثة ( قوله : ولا معاهد ) عطفه على الحربي بناء على أن المراد به من لا عهد له ولا أمان ، وعليه فالذمي قسيم الحربي ، وما عطف عليه ، ومن أدخل المعاهد والمؤمن في الحربي أراد به ما عدا الذمي ، ولعل وجهه أن كلا من المعاهد والمؤمن لما كان إنما يبقى مدة معينة كان عهده كلا عهد ( قوله : أما الذمي ) قسيم قوله لا حربي إلخ [ ص: 4 ] قوله : وهو ) أي ثبوت قطع الطريق للذمي قضية إطلاق إلخ ( قوله : إنه مخصوص بغير الذمي ) أي فليس له حكمهم ( قوله : أو سكران مختار ) زيادته على المتن إنما يحتاج إليها إذا قلنا المكره مكلف وهو ما صححه ابن السبكي في غير جمع الجوامع ، والذي في متن جمع الجوامع أنه غير مكلف وعبارته : والصواب امتناع تكليف الغافل والملجأ وكذا المكره على الصحيح .

                                                                                                                            ( قوله : وقدرة ) عطف تفسير ( قوله : أو البضع ) لم يجعلوا فيما يأتي للمتعرض للبضع حكما يختص به من حيث كونه قاطع طريق ، وعليه فحكمه كغير قاطع الطريق ، ( قوله : بل عن تفريط القافلة ) أي ويصدق القاطع في دعوى التفريط ( قوله أو السلطان ) لعل الوجه التعبير بالواو ، وكذا قوله الآتي أو السلطان ، وتصحيح أو أن المراد أن الموجود أحد الأمرين فقط ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            وقوله أو أن : أي هو أن إلخ ( قوله : ومنعوا أهلها ) ومن ذلك هؤلاء الذين يأتون للسرقة المسمون بالمنسر في زمننا فهم قطاع .

                                                                                                                            قال في المصباح : والمنسر فيه لغتان مثل مسجد ومقود خيل من المائة إلى المائتين .

                                                                                                                            وقال الفارابي : جماعة من الخيل ، ويقال المنسر : الجيش [ ص: 5 ] لا يمر بشيء إلا اقتلعه



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 3 ] كتاب قاطع الطريق ( قوله : أي أحكامه ) قد يقال : الأولى حذفه لأن الكتاب ليس مقصورا على ذكر الأحكام بل فيه بيان حقيقته ومحترزاته بل هو الذي صدر به المصنف ، وليس هذا التفسير في التحفة ، وفي نسخة : أي أحكامهم بضمير الجمع ، ووجهها أن قاطع اسم جنس مضاف كعبد البلد ( قوله : مع البعد عن الغوث ) انظر هل يشمل هذا ما يأتي فيمن دخل دار أحد ومنعه الاستغاثة ( قوله لعدم التزامه أحكامنا ) كان ينبغي تأخيره عن المعاهد والمؤمن ( قوله : كما قاله ابن المنذر إلخ ) عبارة والد الشارح في حواشي شرح الروض : وقال ابن المنذر في الإشراف : قال [ ص: 4 ] الشافعي وأبو ثور : وإذا قطع أهل الذمة على المسلمين حدوا حد المسلمين ، قال الزركشي إلخ ( قوله : إنه مخصوص ) أي قول المصنف مسلم يعني مفهومه وهو يرجع إلى الجواب الثالث الآتي ( قوله أو أن جميع أحكام قطاع الطريق لا تتأتى فيهم ) كأنه يشير إلى ما يأتي من غسله وتكفينه والصلاة عليه إذا قتل ( قوله : وقد تعرض ) مراده به تتميم حد قاطع الطريق ( قوله : للنفس أو البضع أو المال ) هلا قال أو للإرهاب ، وانظر المتعرض للبضع فقط هل له حكم يخصه أو هو داخل في التعرض للنفس ، فإن كان داخلا فلم نص عليه ( قوله : عن العمران أو السلطان ) قال ابن قاسم : لعل الوجه التعبير بالواو ، وكذا قوله الآتي أو بالسلطان أو أن المراد أن الموجود أحد الأمرين فقط ا هـ ( قوله ومنعوا أهلها من الاستغاثة ) هذا قد يخرج اللصوص المسمين بالمناسر إذا جاهروا ولم [ ص: 5 ] يمنعوا الاستغاثة




                                                                                                                            الخدمات العلمية