الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا

                                                                                                                                                                                                                                        (73 ) يذكر تعالى منته على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وحفظه له من أعدائه الحريصين على فتنته بكل طريق، فقال: وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا أي: قد كادوا لك أمرا لم يدركوه، وتحيلوا لك على أن تفتري على الله غير الذي أنزلنا إليك، فتجيء بما يوافق أهواءهم، وتدع ما أنزل الله إليك.

                                                                                                                                                                                                                                        وإذا لو فعلت ما يهوون لاتخذوك خليلا أي حبيبا صفيا، أعز عليهم من أحبابهم، لما جبلك الله عليه من مكارم الأخلاق، ومحاسن الآداب، المحببة للقريب والبعيد، والصديق والعدو، ولكن لتعلم أنهم لم يعادوك وينابذوك العداوة، إلا للحق الذي جئت به لا لذاتك، كما قال الله تعالى قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون

                                                                                                                                                                                                                                        (74 ) ( و ) مع هذا " لولا أن ثبتناك " على الحق، وامتننا عليك بعدم الإجابة [ ص: 933 ] لداعيهم، لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا من كثرة المعالجة، ومحبتك لهدايتهم.

                                                                                                                                                                                                                                        (75 إذا لو ركنت إليهم بما يهوون لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات أي لأصبناك بعذاب مضاعف في الدنيا والآخرة ، وذلك لكمال نعمة الله عليك ، وكمال معرفتك.

                                                                                                                                                                                                                                        ثم لا تجد لك علينا نصيرا ينقذك مما يحل بك من العذاب، ولكن الله تعالى عصمك من أسباب الشر ومن الشر، فثبتك وهداك الصراط المستقيم، ولم تركن إليهم بوجه من الوجوه، فله عليك أتم نعمة وأبلغ منحة.

                                                                                                                                                                                                                                        (76 - 77 وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها أي: من بغضهم لمقامك بين أظهرهم، قد كادوا أن يخرجوك من الأرض، ويجلوك منها ، ولو فعلوا ذلك، لم يلبثوا بعدك فيها إلا قليلا حتى تحل بهم العقوبة، كما هي سنة الله التي لا تحول ولا تبدل في جميع الأمم، كل أمة كذبت رسولها وأخرجته؛ عاجلها الله بالعقوبة ، ولما مكر به الذين كفروا وأخرجوه، لم يلبثوا إلا قليلا حتى أوقع الله بهم ببدر، وقتل صناديدهم، وفض بيضتهم، فله الحمد.

                                                                                                                                                                                                                                        وفي هذه الآيات دليل على شدة افتقار العبد إلى تثبيت الله إياه، وأنه ينبغي له أن لا يزال متملقا لربه، أن يثبته على الإيمان، ساعيا في كل سبب موصل إلى ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أكمل الخلق، قال الله له: ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا فكيف بغيره؟!

                                                                                                                                                                                                                                        وفيها : تذكير الله لرسوله منته عليه، وعصمته من الشر، فدل ذلك على أن الله يحب من عباده أن يتفطنوا لإنعامه عليهم -عند وجود أسباب الشر - بالعصمة منه، والثبات على الإيمان.

                                                                                                                                                                                                                                        وفيها: أنه بحسب علو مرتبة العبد، وتواتر النعم عليه من الله يعظم إثمه، ويتضاعف جرمه، إذا فعل ما يلام عليه، لأن الله ذكر رسوله لو فعل - وحاشاه من ذلك - بقوله: إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا .

                                                                                                                                                                                                                                        وفيها: أن الله إذا أراد إهلاك أمة، تضاعف جرمها، وعظم وكبر، فيحق عليها القول من الله فيوقع بها العقاب، كما هي سنته في الأمم إذا أخرجوا رسولهم.

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 934 ]

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية