الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                      كشاف القناع عن متن الإقناع

                                                                                                                      البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      باب دية الأعضاء ومنافعها جمع منفعة اسم مصدر من نفعني كذا نفعا ضدا لضر ( من أتلف ما في الإنسان منه شيء واحد ) كالأنف والذكر ( ففيه دية نفسه ) أي نفس المتلف منه ذلك الشيء ذكرا كان أو أنثى مسلما أو كافرا على ما سبق تفصيله لما روى عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { وفي الذكر الدية } رواه أحمد والنسائي ولفظه له .

                                                                                                                      ( و ) من أتلف ( ما فيه ) أي الإنسان ( منه شيئان ) كالعينين والأذنين ( ففيهما الدية وفي أحدهما نصفها ) أي نصف دية ذلك الإنسان لحديث عمرو بن حزم .

                                                                                                                      ( و ) من أتلف ( ما فيه ) أي الإنسان ( ثلاثة أشياء ) كالأنف يشتمل على المنخرين والحاجز بينهما ( ففيها الدية وفي كل واحد منها ثلثها و ) من أتلف ( ما فيه ) في الإنسان ( منه أربعة أشياء ) كالأجفان ( ففيه الدية وفي كل واحد منها ربعها ) أي الدية قياسا على ما سبق وما فيه منه خمسة أشياء كالمذاق الخمس ففيها الدية وفي إحداها خمسها ( وما فيه منه عشرة أشياء ) كأصابع اليدين وأصابع الرجلين ( ففيها الدية وفي كل واحد منها عشرها ) ويأتي تفصيل ذلك ( ففي العينين الدية ) إذا أذهبهما من ذكر أو أنثى أو خنثى مسلم أو كافر على ما تقدم بيانه في الديات ( ولو مع حول ) بالعينين أو أحدهما ( وعمش ) بهما أو بأحدهما ( ومرض ) كذلك ( وبياض لا ينقص البصر ) .

                                                                                                                      وسواء كانا ( من كبير أو صغير ) لعموم حديث عمرو بن حزم ( وفي إحداهما ) أي العينين ( نصفها ) أي الدية ( لكن إن كان بهما ) أي العينين ( أو بإحداهما بياض ينقص البصر نقص منها ) أي الدية ( بقدره ) أي بقدر نقص البصر لأنه المقصود منهما ( وفي ذهاب البصر الدية ) إجماعا ( وفي ذهاب بصر [ ص: 35 ] إحداهما نصفها ) لأن ما وجب في جميع الشيء وجب في بعضه بقدره كإتلاف المال ( فإن ذهب ) البصر ( بالجناية على رأسه ) أي المجني عليه وجبت الدية ( أو ) ذهب البصر بالجناية على ( عينه ) وجبت الدية ( أو ) ذهب البصر ( بمداواة الجناية وجبت الدية ) لذهابه بجنايته أو أثرها ( فإن ذهب ) البصر ( ثم عاد لم تجب ) الدية لتبين أن لا ذهاب ( وإن كان ) المجني عليه ( قد أخذها ) أي الدية ( ردها ) لتبين أن أخذها بغير حق .

                                                                                                                      ( وإن ذهب بصره ) أي المجني عليه ( أو ) ذهب ( سمعه فقال عدلان من أهل الخبرة ) بالطب ( لا يرجى عوده ) أي بصره أو سمعه ( وجبت ) الدية لذلك ( وإن قالا ) أي العدلان من أهل الخبرة ( يرجى عوده إلى مدة عيناها انتظر ) الذاهب ( إليها ) أي إلى مضي تلك المدة ( ولم يعط ) المجني عليه ( الدية حتى تنقضي المدة ) التي عيناها ( فإن بلغها ) بأن مضت المدة ( ولم يعد ) ما ذهب وجبت الدية لليأس ( أو مات ) المجني عليه ( قبل مضيها وجبت الدية ) لما ذهب لليأس من عوده .

                                                                                                                      ( وإن قلع أجنبي ) أي غير الجاني على البصر أولا ( عينيه ) التي أذهب الأول بصرها ( في المدة ) التي عينها العدلان لعودة بصرها ( استقرت على الأول الدية أو القصاص ) لليأس من عود بصرها .

                                                                                                                      ( و ) وجب ( على الثاني حكومة ) لقلع العين التي لا بصر لها ( وإن قال الأول : عاد ضوءها ) فسقط عني دية بصرها ( وأنكر الثاني ) عوده ( فقول المنكر مع يمينه ) لأن الأصل عدم العود ( وإن صدق المجني عليه الأول ) على عود بصرها ( سقط حقه عنه ) أي عن الأول ، لاعترافه ببراءته ( ولم يقبل قوله ) أي المجني عليه ( على الثاني ) بلا بينة فلا شيء عليه سوى الحكومة لأنه منكر لما زاد .

                                                                                                                      ( وإن قال أهل الخبرة يرجى عوده ) أي ما ذهب من بصر أو سمع أو نحوهما ( لكن لا نعرف له مدة ، وجبت الدية أو القصاص ) لئلا يلزم عليه تأخير حق المجني عليه إلى ما لا نهاية له ( وإن اختلف في ذهابه ) أي البصر ( رجع إلى ) قول ( عدلين من أهل الخبرة ) بذلك لإمكان إقامة البينة به ( فإن لم يوجد أهل خبرة أو تعذر معرفة ذلك ) أي الذاهب مع وجود أهل الخبرة ( اعتبر ) أي امتحن ( بأن يوقف في عين الشمس ويقرب الشيء من عينه في أوقات غفلته فإن طرف ) وحركها ( وخاف من الذي تخوف به فهو كاذب ) لأن ذلك دليل إبصاره لأن طبع الآدمي الحذر على عينيه ( وإلا ) أي وإن لم يطرف ولم يخف ( حكم له ) بيمينه لعلمنا بأنه لا يبصر بها .

                                                                                                                      ( وكذلك الحكم في السمع والشم والسن ) إذا رجي عودها في مدة تقولها [ ص: 36 ] أهل الخبرة لم تؤخذ ديتها قبل مضيها ثم على ما سبق من التفصيل في البصر .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية