الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 121 ] القرمانية

جواب فتيا في لبس النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 122 ] بسم الله الرحمن الرحيم

رب أعن يا كريم

ما يقول أئمة الدين علماء المسلمين في رجلين تكلما في لبس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي آلته، وفي آلة حربه، مثل: الحياصة التي تحزم في الوسط، والسيف، والتركاش -وهي الكنانة- والقوس، والنشاب، والجمال، والبغال، والخيل، والغنم.

وملابسه من القماش مثل: الجوشن، والخف، والمهماز، وغيره من آلة الحرب، هل كان يتخذ ذلك؟ وهل كان يجمع من ذلك شيئا كثيرا؟ وفي لباسه أصحابه أيضا، وما يباح ويحرم من ذلك، من الذهب والفضة والحرير؟


الحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.

الحمد لله رب العالمين.

كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخذ السيف، والرمح، والقوس، والكنانة التي هي الجعبة للنشاب، وهي من جلود.

وكان يلبس على رأسه البيضة -التي هي الخوذة-، والمغفر. وعلى بدنه الدرع، التي يقال لها: السردية والزردية. [ ص: 124 ]

ويلبس القميص، والجبة، والفروج، الذي هو نحو القباء، والفرجية، ولبس القباء أيضا.

ولبس في السفر جبة ضيقة الكمين، ولبس الإزار والرداء، واشترى رجل سراويل، وكانوا يلبسون السراويلات أيضا بإذنه.

وكان يلبس الخفين، ويمسح عليهما، ويلبس النعال التي تسمى: التواسم.

وكان يركب الخيل والإبل والحمير، وركب البغلة أيضا، وكان يركب الفرس تارة عريا، وتارة مسرجا، ويطرده، وكان يردف خلفه، وتارة يردف خلفه وقدامه، فيكونون ثلاثة على دابة.

وكان يتخذ الغنم أيضا.

وكان له الرقيق أيضا.

ولم يكن يجتمع في ملكه في الوقت الواحد من هذه الأمور شيء كثير، بل لما مات لم يكن عنده من ذلك إلا شيء يسير. خلف درعه وكانت مرهونة عند يهودي على ثلاثين وسقا من شعير ابتاعها لأهله.

وفي « صحيح البخاري» عن عمرو بن الحارث -ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخي جويرية بنت الحارث- قال: « ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 125 ] عند موته دينارا ولا درهما، ولا عبدا ولا أمة، ولا شيئا إلا بغلته البيضاء، وسلاحه، وأرضا جعلها صدقة».

وفي « صحيح مسلم» عن عائشة قالت: « ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما، ولا شاة، ولا بعيرا، ولا أوصى بشيء».

وعن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات ودرعه رهن عند يهودي بثلاثين -وروي: بعشرين- صاعا من شعير، أخذه لأهله.

رواه أهل السنن، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

وفي « الصحيحين» عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما إلى أجل، ورهنه درعا له من حديد.

وكذلك في « البخاري» عن أنس بن مالك قال: قد رهن النبي صلى الله عليه وسلم درعه بشعير.

فهذه الأحاديث تبين أنه حين الموت لم يكن عنده خيل، ولا إبل، ولا غنم، ولا رقيق، وإنما ترك البغلة والسلاح، وبعض السلاح مرهون، ولكن ملك هذه الأمور في أوقات متفرقة. [ ص: 126 ]

والمعروف أنه كان يكون عنده الواحد من ذلك، فيكون له فرس واحد، وناقة واحدة.

ولم يملك من البغال إلا بغلة واحدة، أهداها له بعض الملوك. ولم تكن البغال مشهورة بأرض العرب. بل لما أهديت له البغلة، قيل له: ألا ننزي الخيل على الحمر؟ فقال: « إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون».

التالي السابق


الخدمات العلمية