الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 39 ] 83 - باب بيان مشكل احتمال السبب الذي نزلت فيه ليس لك من الأمر شيء

567 - حدثنا بكار ، حدثنا حسين بن مهدي ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح حين رفع رأسه من الركوع قال : ربنا ولك الحمد ، في الركعة الآخرة ، ثم قال : اللهم العن فلانا وفلانا ، يدعو على ناس من المنافقين ، قال فأنزل الله : ليس لك من الأمر شيء الآية .

568 - حدثنا عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم ، حدثنا [ ص: 40 ] جدي سعيد ، حدثني يحيى بن أيوب ، حدثني محمد بن عجلان ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : كان رسول الله عليه السلام يدعو على رجال من المشركين يسميهم بأسمائهم حتى أنزل الله عليه : ليس لك من الأمر شيء الآية .

569 - حدثنا ابن أبي داود ، حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ، حدثنا سلمة بن رجاء ، حدثنا محمد بن إسحاق ، عن عبد الرحمن بن الحارث ، عن عبد الله بن كعب ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال : كان النبي عليه السلام إذا رفع رأسه من الركعة الآخرة قال : اللهم نج الوليد بن الوليد ، وسلمة بن هشام ، وعياش بن أبي ربيعة ، والمستضعفين من المؤمنين ، اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف ، اللهم العن لحيان ورعلا وذكوان وعصية عصت الله ورسوله ، فأنزل الله : [ ص: 41 ] ليس لك من الأمر شيء قال : فما دعا رسول الله عليه السلام بدعاء على أحد .

570 - حدثنا محمد بن خزيمة ، حدثنا حجاج بن منهال ، حدثنا حماد بن سلمة ، [ ص: 42 ] وحدثنا عبد الله بن محمد بن خشيش البصري أبو الحسن ، حدثنا القعنبي ، حدثنا حماد بن سلمة ، ثم اجتمعا فقالا : عن ثابت ، عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد وشج ، فجعل يسلت الدم عن وجهه ويقول : كيف يفلح قوم شجوا وجه نبيهم وكسروا رباعيته وهو يدعوهم ، فأنزل الله : ليس لك من الأمر شيء .

571 - حدثنا أبو شريح محمد بن زكريا بن يحيى وابن أبي مريم قالا : حدثنا الفريابي ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن حميد ، عن أنس قال : لما كان يوم أحد كسرت رباعيته وشج في وجهه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يمسح الدم عن وجهه : كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم ، وهو يدعوهم إلى ربهم ؟ فأنزل الله : ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون .

[ ص: 43 ] فتأملنا هذه الآثار وكشفناها لنقف على الأولى منها بما نزلت فيه هذه الآية من المعنيين المذكورين فيها ، فاحتمل أن يكون نزولها في وقت واحد يراد بها السببان المذكوران في هذه الآثار ، فوجدنا ذلك بعيدا في القلوب ؛ لأن غزوة أحد كانت في سنة ثلاث ، وفتح مكة كان في سنة ثمان ، ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم كان لمن دعا له في صلاته قبل فتح مكة ، فبعيد في القلوب أن يكون السببان اللذان قيل : إن هذه الآية نزلت في كل واحد منهما كان نزولها فيهما جميعا .

واحتمل أن يكون نزولها كان مرتين ، مرة في السبب الذي ذكر عبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر : أن نزولها كان فيه ، ومرة في السبب الذي ذكر أنس أن نزولها فيه ، فدخل على ذلك ما نفاه ؛ لأنه لو كان ذلك كذلك لكانت موجودة في القرآن في موضعين كما وجدت : يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم الآية في موضعين ، أحدهما : في سورة براءة ( 73 ) والآخر : في سورة التحريم ( 9 ) ، ولما لم يكن ذلك كذلك في الآية المتلوة في هذه الآثار ، بطل هذا الاحتمال أيضا .

واحتمل أن يكون نزلت قرآنا لواحد من السببين المذكورين في هذه الآثار ، والله أعلم بذلك السبب أيهما هو ؟ ثم أنزلت بعد ذلك للسبب الآخر لا على أنها قرآن لاحق لما نزل فيه من القرآن ، ولكن على [ ص: 44 ] إعلام الله تعالى نبيه عليه السلام بها أنه ليس له من الأمر شيء ، وأن الأمور إلى الله تعالى وحده ، يتوب على من يشاء ويعذب من يشاء ، ولم نجد من الاحتمالات لما في هذه الآثار أحسن من هذا الاحتمال ، فهو أولاها عندنا بما قيل في احتمال نزول الآية المتلوة فيها بها ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية