الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين

                                                                                                                                                                                                                                      وكذلك فتنا بعضهم ببعض استئناف مبين لما نشأ عنه ما سبق من النهي ، وذلك إشارة إلى مصدر ما بعده من الفعل ، الذي هو عبارة عن تقديمه تعالى لفقراء المؤمنين في أمر الدين بتوفيقهم للإيمان ، [ ص: 140 ] مع ما هم عليه في أمر الدنيا من كمال سوء الحال ، وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو درجته المشار إليه ، وبعد منزلته في الكمال .

                                                                                                                                                                                                                                      والكاف مقحمة لتأكيد ما أفاده اسم الإشارة من الفخامة ، ومحلها في الأصل النصب على أنه نعت لمصدر مؤكد محذوف ، والتقدير : فتنا بعضهم ببعض فتونا كائنا مثل ذلك الفتون ، ثم قدم على الفعل لإفادة القصر المفيد لعدم القصور فقط ، واعتبرت الكاف مقحمة ، فصار نفس المصدر المؤكد لا نعتا له ، والمعنى : ذلك الفتون الكامل البديع فتنا ; أي : ابتلينا بعض الناس ببعضهم لا فتونا غيره ، حيث قدمنا الآخرين في أمر الدين على الأولين المتقدمين عليهم في أمر الدنيا تقدما كليا .

                                                                                                                                                                                                                                      واللام في قوله تعالى : ليقولوا للعاقبة ; أي : ليقول البعض الأولين مشيرين إلى الآخرين ، محقرين لهم نظرا إلى ما بينهما من التفاوت الفاحش الدنيوي ، وتعاميا عما هو مناط التفضيل حقيقة .

                                                                                                                                                                                                                                      أهؤلاء من الله عليهم من بيننا بأن وفقهم لإصابة الحق ، ولما يسعدهم عنده تعالى من دوننا ، ونحن المقدمون والرؤساء ، وهم العبيد والفقراء ، وغرضهم بذلك إنكار وقوع المن رأسا ، على طريقة قولهم : لو كان خيرا ما سبقونا إليه ، لا تحقير الممنون عليهم مع الاعتراف بوقوعه بطريق الاعتراض عليه تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : أليس الله بأعلم بالشاكرين رد لقولهم ذلك وإبطال له ، وإشارة إلى أن مدار استحقاق الإنعام معرفة شأن النعمة ، والاعتراف بحق المنعم ، والاستفهام لتقرير علمه البالغ بذلك ; أي : أليس الله بأعلم بالشاكرين لنعمه ، حتى تستبعدوا إنعامه عليهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وفيه من الإشارة إلى أن أولئك الضعفاء عارفون بحق نعم الله تعالى في تنزيل القرآن ، والتوفيق للإيمان ، شاكرون له تعالى على ذلك ، مع التعريض بأن القائلين بمعزل من ذلك كله ما لا يخفى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية