الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 297 ] 842 - باب بيان مشكل ما اختلف الناس فيه من أسنان الدية من الإبل الواجبة في القتل الخطأ ، ما هي ؟ بما قد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك

حدثنا أبو القاسم هشام بن محمد بن قرة بن أبي خليفة الرعيني ، قال : حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي ، قال : 5284 - حدثنا عبد الملك بن مروان الرقي ، قال : حدثنا أبو معاوية الضرير ، عن الحجاج - يعني ابن أرطاة - عن زيد بن جبير ، عن خشف بن مالك ، عن عبد الله بن مسعود : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل الدية في الخطإ أخماسا .

[ ص: 298 ]

5285 - وحدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا أبو كامل فضيل بن الحسين الجحدري ، قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد ، قال : حدثني الحجاج ، عن زيد بن جبير ، عن خشف بن مالك الطائي ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - : في دية الخطإ عشرون جذعة ، وعشرون حقة ، وعشرون ابنة لبون ، وعشرون ابنة مخاض ، وعشرون ابن مخاض ذكور .

[ ص: 299 ]

5286 - وحدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا عيسى بن إبراهيم البركي ، قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد ، قال : حدثنا الحجاج ، قال : حدثني زيد بن جبير الجشمي ، عن خشف بن مالك الطائي ، قال : سمعت ابن مسعود ، يقول : قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دية الخطإ عشرون حقة ، وعشرون جذعة ، وعشرون ابنة لبون ، وعشرون ابنة مخاض ، وعشرون ابن لبون ذكر .

قال : وهذا الذي في حديث ابن أبي داود هذا من ابن لبون ذكر مكان ابن مخاض ذكر في حديث يزيد ، فإن الصواب فيه عندنا - والله أعلم - ما في حديث يزيد ; لأنه لا اختلاف بين أهل العلم : أن قول ابن مسعود كان في الدية في الخطأ كذلك ، وهذا باب من الفقه أهل العلم مختلفون فيه ، فطائفة منهم تذهب في ذلك إلى القول الذي صححنا عليه حديث ابن مسعود هذا ، وممن كان يذهب إلى ذلك : أبو حنيفة ، وأصحابه .

وطائفة منهم كانت تذهب في ذلك إلى أنها أخماس أيضا ، وتجعل مكان بني مخاض بني لبون على ما في حديث ابن أبي داود الذي ذكرنا ، وممن ذهب منهم إلى ذلك : مالك بن أنس ، ورووا ذلك عن سليمان بن يسار ، ولم يتجاوزوه به إلى أحد فوقه من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قد حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني [ ص: 300 ] مخرمة بن بكير ، عن أبيه ، عن سليمان بن يسار كما ذكرناه عنه.

وكان ما ذهب إليه أبو حنيفة وأصحابه أولى في ذلك عندنا ; لأن بني المخاض دون بني اللبون ، فكان الأولى بنا أن لا نوجب في ذلك شيئا إلا ما قد أحطنا علما بوجوبه ، وقد أحطنا علما بوجوب السن الأدنى ، ولم نحط علما بوجوب السن الأعلى .

وقد كنا ذكرنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما قد تقدم منا في كتابنا هذا في الدية المغلظة الواجبة في شبه العمد : أنها مائة من الإبل ، منها أربعون خلفة في بطونها أولادها ، وكانت السنون الباقية منها في قول كل من يذهب إلى هذا القول ، منها : ثلاثون حقة ، وثلاثون جذعة ، ولما ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها ما قد ذكرنا ثبوته عنه فيها كان رسول الله هو الحجة ، ولم يسع أحدا خلاف ما قد ثبت عنه في شيء من الأشياء ، وكان شبه العمد أغلظ من الخطإ ; لأن فيه العمد إلى القتل ، والخطأ ليس فيه شيء من ذلك ، فوجب بذلك أن يكون الذي يجب من الدية في الخطأ أخف من الذي يجب من الدية في شبه العمد ، فإذا كان الذي يجب في شبه العمد من الإبل الحقاق والجذاع والخلفات منها ، كان الذي يجب في الخطإ أخف منها من ذلك ، وهو ما قد رويناه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه ، وكان بنو المخاض دون بني اللبون ، فوجب أن يكون الواجب في ذلك ما قد اختلف فيه من بني المخاض ، ومن بني اللبون في الدية في الخطإ هو بنو المخاض لا بنو اللبون ; لأنا نعلم أن بني المخاض دون بني اللبون فوجب بذلك [ ص: 301 ] أن يكون الواجب من ذلك هو المجتمع على وجوب مقداره ، لا المختلف في وجوب مقداره ; لأن الأموال محظورة حتى يعلم الوجوبات فيها ، وفيما ذكرنا ما قد دل أن الدية الواجبة في الخطأ عشرون حقة ، وعشرون جذعة ، وعشرون ابنة مخاض ، وعشرون ابن لبون ، وعشرون بنو مخاض ، وأن الدية الواجبة في شبه العمد هي ثلاثون حقة ، وثلاثون جذعة ، وأربعون ما بين ثنية إلى بازل خلافا كلها ، وهكذا كان محمد بن الحسن يذهب إليه في هذين الديتين جميعا ، ويخالف أبا حنيفة وأبا يوسف فيما كانا يذهبان إليه في الدية في شبه العمد أنها أرباع : خمس وعشرون حقة ، وخمس وعشرون جذعة ، وخمس وعشرون ابنة مخاض ، وخمس وعشرون ابنة لبون ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية