الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم إنه كان بعباده خبيرا بصيرا

                                                                                                                                                                                                                                        (89 - 93 ) يقول تعالى: ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل أي: نوعنا فيه المواعظ والأمثال، وثنينا فيه المعاني التي يضطر إليها العباد، لأجل أن [ ص: 938 ] يتذكروا ويتقوا، فلم يتذكر إلا القليل منهم، الذين سبقت لهم من الله سابقة السعادة، وأعانهم الله بتوفيقه، وأما أكثر الناس فأبوا إلا كفورا لهذه النعمة التي هي أكبر من جميع النعم، وجعلوا يتعنتون عليه آيات غير آياته، يخترعونها من تلقاء أنفسهم الظالمة الجاهلة.

                                                                                                                                                                                                                                        فيقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أتى بهذا القرآن المشتمل على كل برهان وآية: لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أي: أنهارا جارية.

                                                                                                                                                                                                                                        أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتستغني بها عن المشي في الأسواق والذهاب والمجيء.

                                                                                                                                                                                                                                        أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أي: قطعا من العذاب، أو تأتي بالله والملائكة قبيلا أي: جميعا، أو مقابلة ومعاينة، يشهدون لك بما جئت به.

                                                                                                                                                                                                                                        أو يكون لك بيت من زخرف أي: مزخرف بالذهب وغيره أو ترقى في السماء رقيا حسيا، ( و ) مع هذا فلن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه .

                                                                                                                                                                                                                                        ولما كانت هذه تعنتات وتعجيزات; وكلام أسفه الناس وأظلمهم، المتضمنة لرد الحق وسوء الأدب مع الله، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي يأتي بالآيات، أمره الله أن ينزهه فقال: قل سبحان ربي عما تقولون علوا كبيرا، وسبحانه أن تكون أحكامه وآياته تابعة لأهوائهم الفاسدة، وآرائهم الضالة. هل كنت إلا بشرا رسولا ليس بيده شيء من الأمر.

                                                                                                                                                                                                                                        (94 ) وهذا السبب الذي منع أكثر الناس من الإيمان، حيث كانت الرسل التي ترسل إليهم من جنسهم بشرا؛ وهذا من رحمته بهم، أن أرسل إليهم بشرا منهم، فإنهم لا يطيقون التلقي من الملائكة.

                                                                                                                                                                                                                                        (95 ) فلو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين يثبتون على رؤية الملائكة والتلقي عنهم; لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا ليمكنهم التلقي عنه.

                                                                                                                                                                                                                                        (96 قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم إنه كان بعباده خبيرا بصيرا فمن شهادته لرسوله ما أيده به من المعجزات، وما أنزل عليه من الآيات، ونصره على من عاداه وناوأه؛ فلو تقول عليه بعض الأقاويل، لأخذ منه باليمين، ثم لقطع منه الوتين، فإنه خبير بصير، لا تخفى عليه من أحوال العباد خافية.

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 939 ]

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية