الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 309 ]

844 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما قرأه لما تعار من الليل مما رواه ابن عباس عنه من سورة ( آل عمران )

5289 - حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا يحيى بن صالح الوحاظي ، قال : حدثنا سليمان بن بلال ، قال : حدثنا شريك بن أبي نمر - يعني شريك بن عبد الله بن أبي نمر - : أن كريبا مولى ابن عباس ، أخبره أنه سمع ابن عباس ، يقول : بت ليلة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما انصرف من العشاء الآخرة انصرفت معه ، فلما دخل البيت ركع ركعتين خفيفتين ، ركوعهما مثل سجودهما ، وسجودهما مثل قيامهما ، وذلك في الشتاء ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحجرة ، وأنا في البيت ، قال : فقلت : والله لأرمقن الليلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولأنظرن كيف صلاته ، قال : فاضطجع مكانه في مصلاه حتى سمعت غطيطه ، قال : ثم تعار ، فقام ، فنظر إلى السماء وفكر ، ثم قرأ الخمس الآيات من سورة آل عمران ، ثم أخذ سواكا ، فاستن ثم خرج فقضى حاجته ، ثم رجع إلى شن معلقة ، فصب على يده ثم توضأ ، ولم يوقظ أحدا ، ثم قام فصلى ركعتين ركوعهما مثل سجودهما ، وسجودهما مثل قيامهما ، قال : فأراه صلى مثل ما رقد ، قال : ثم اضطجع مكانه ، فرقد حتى سمعت [ ص: 310 ] غطيطه ، ثم صنع ذلك خمس مرار ، فصلى عشر ركعات ، ثم أوتر بواحدة ، وأتاه بلال ، فآذنه بالصبح ، فصلى ركعتي الفجر ، ثم خرج إلى الصبح .

قال أبو جعفر : ففي هذا الحديث أن الذي قرأه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سورة ( آل عمران ) خمس آيات منها ، وهي من آخرها ، وإن كان لم يذكر ذلك في هذا الحديث ، فإنه قد ذكره في حديث مالك الذي ذكرناه في الباب الثالث من كتابنا هذا عن مخرمة بن سليمان ، عن كريب ، أن ابن عباس ، أخبره : أنه بات عند ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام حتى إذا انتصف الليل أو بعده بقليل أو قبل بقليل ، استيقظ ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة ( آل عمران ) .

وذكرنا في ذلك الباب أيضا في حديث علي بن عبد الله بن العباس أنه قرأ : إن في خلق السماوات والأرض حتى ختم السورة .

فعقلنا بذلك أن الذي كان قرأه من سورة آل عمران مما ذكر في الحديث الذي ذكرناه في هذا الباب هو : إن في خلق السماوات والأرض [ ص: 311 ] إلى تمام الخمس الآيات منها ، وهو قوله - عز وجل - : إنك لا تخلف الميعاد .

فقال قائل : من أين جاء هذا الاختلاف ؟ فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله - عز وجل وعونه - : أن ذلك الاختلاف إنما جاء من قبل رواة هذه الأحاديث ممن دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان ما في الحديث الأول الذي رويناه في هذا الباب ، هو الذي يقع في القلوب أنه كان الذي قرأه رسول الله ; لأنه إنما قرأ ما قرأ التماس الدعاء والتفكر المذكورين في تلك الآيات ، وكان ما بعد الخمس الآيات المذكور ذلك فيها ليس من ذلك المعنى في شيء ، وإنما هو ذكر ما كان من الله - عز وجل - من استجابته للمذكورين في تلك الآيات ، ثم ما سوى ذلك من غير هذا المعنى إلى خاتمة السورة ، والله أعلم بحقيقة ما كان منه - عليه السلام - في ذلك ، وإياه نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية