الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم ) انتقال من الإخبار لحصر إنزال الكتاب على غيرهم ، وأنه لم ينزل عليهم إلى الإخبار بحكم على تقدير ، والكتاب يجوز أن يراد به الكتاب السابق ذكره ، ويجوز أن يراد الكتاب الذي تمنوا أن ينزل عليهم ، ومعنى ( أهدى منهم ) أرشد وأسرع اهتداء لكونه نزل علينا بلساننا ، فنحن نتفهمه ونتدبره وندرك [ ص: 258 ] ما تضمنه من غير إكداد فكر ولا تعلم لسان ، بخلاف الكتاب الذي أنزل على الطائفتين ، فإنه بغير لساننا ، فنحن لا نعرفه ولا نغفل عن دراسته ، أو ( أهدى منهم ) لكون اليهود والنصارى قد افترقت فرقا متباينة فلا نعرف الحق من الباطل .

( فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة ) هذا قطع لاعتذارهم بانحصار إنزال الكتاب على الطائفتين وبكونهم لم ينزل عليهم كتاب ، ولو نزل لكانوا أهدى من الطائفتين . والظاهر أن البينة هي القرآن وهو الحجة الواضحة الدالة النيرة ، حيث نزل عليهم بلسانهم وألزم العالم أحكامه وشريعته ، وإن الهدى والنور من صفات القرآن . وقيل : البينة الرسول ، قاله ابن عباس . ( بينة من ربكم ) أي : حجة وهو النبي - صلى الله عليه وسلم - والقرآن . وقيل : آيات الله التي أظهرها في كتابه وعلى لسان رسوله . وقيل : دين الله ، والهدى والنور على هذه الأقوال من صفات ما فسرت البينة به . والفاء في قوله : ( فقد جاءكم ) على ما قدره الزمخشري وغيره ، جواب شرط محذوف . قال الزمخشري : والمعنى إن صدقتم فيما كنتم تعدون من أنفسكم ( فقد جاءكم بينة من ربكم ) ، فحذف الشرط وهو من أحاسن الحذوف . انتهى . وقدره غيره : إن كنتم كما تزعمون إذا نزل عليكم كتاب تكونون أهدى من اليهود والنصارى ، ( فقد جاءكم ) . وأطبق المفسرون على أن الغرض بهذه الجملة إقامة الحجة على مشركي العرب وقطع احتجاجهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية