الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون ألا إن لله ما في السماوات والأرض ألا إن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون هو يحيي ويميت وإليه ترجعون

                                                                                                                                                                                                ظلمت : صفة لنفس على: ولو أن لكل نفس ظالمة، ما في الأرض : أي: ما في [ ص: 150 ] الدنيا اليوم من خزائنها، وأموالها، وجميع منافعها على كثرتها، لافتدت به : لجعلته فدية لها، يقال: فداه فافتدى، ويقال: افتداه -أيضا- بمعنى: فداه، وأسروا الندامة لما رأوا العذاب ; لأنهم بهتوا لرؤيتهم ما لم يحتسبوه ولم يخطر ببالهم، وعاينوا من شدة الأمر وتفاقمه ما سلبهم قواهم وبهرهم، فلم يطيقوا عنده بكاء، ولا صراخا، ولا ما يفعله الجازع، سوى إسرار الندم والحسرة في القلوب، كما ترى المقدم للصلب يثخنه ما دهمه من فظاعة الخطب، ويغلب حتى لا ينبس بكلمة، ويبقى جامدا مبهوتا، وقيل: أسر رؤساؤهم الندامة من سفالتهم الذين أضلوهم، حياء منهم وخوفا من توبيخهم، وقيل: أسروها أخلصوها، إما لأن إخفاءها إخلاصها، وإما من قولهم: سر الشيء، لخالصه، وفيه تهكم بهم وبأخطائهم وقت إخلاص الندامة، وقيل: أسروا الندامة: أظهروها، من قولهم: أسر الشيء وأشره إذا أظهره، وليس هناك تجلد، وقضي بينهم : أي بين الظالمين والمظلومين، دل على ذلك ذكر الظلم، ثم أتبع ذلك الإعلام بأن له الملك كله; وأنه المثيب المعاقب، وما وعده من الثواب والعقاب فهو حق، وهو القادر على الإحياء والإماتة، لا يقدر عليهما غيره، وإلى حسابه وجزائه المرجع، ليعلم أن الأمر كذلك، فيخاف ويرجئ، ولا يغتر به المغترون .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية