الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال - رحمه الله - : وإذا كانت الأرض بين رجلين فدفعها أحدهما إلى صاحبه مزارعة على أن يزرعها هذه السنة ببذره وبقره على أن الخارج بينهما نصفان فالمزارعة فاسدة ; لأن الدافع كأنه قال لصاحبه : ازرع نصيبك من الأرض ببذرك على أن الخارج كله لك ، وهذه مشهورة صحيحة ، أو قال : وازرع نصيبي ببذرك على أن الخارج كله لي وهذا فاسد ; لأنه دفع الأرض مزارعة بجميع الخارج وهي مطعونة عيسى - رحمه الله - وقد بيناها بالأمس ; فإن قيل لماذا لم يجعل كأنه قال : ازرع نصيبي ببذرك على أن الخارج بيننا نصفين ، وازرع نصيبك ببذرك على أن الخارج بيننا نصفين حتى تصح المزارعة في نصيب الدافع من الأرض ، قلنا : لأنه يكون ذلك منه [ ص: 28 ] انتهاب المعدوم وطمعا في غير مطمع ، وهو أن يشترط لنفسه جزءا بما أخرجه نصيب صاحبه من غير أن يكون منه أرض أو بذر أو عمل ، والعاقل لا يقصد ذلك بكلامه عادة ، فلذلك حملناه على الوجه الأول ، وأفسدنا المزارعة ، والخارج كله للزارع ; لأنه نماء بذره وعليه أجر مثل نصف الأرض لصاحبه ; لأنه استوفى منفعة نصيبه من الأرض بعقد فاسد ، ويطيب له نصف الخارج ; لأنه ربى نصف الزرع في أرض نفسه ، ولا فساد في ذلك النصف ويأخذ من النصف الآخر ما أنفق فيه وغرم ، ويتصدق بالفضل ; لأنه ربى زرعه في أرض الغير بسبب فاسد فيتصدق بالفضل ، ولو كان البذر من الدافع فالعقد فاسد ; لأنه يصير كأنه قال : ازرع نصيبي من الأرض ببذري على أن الخارج كله لي ، وهذه استعانة صحيحة لو اقتصر عليها ولكنه قال : وازرع نصيبك من الأرض ببذري على أن الخارج كله لك ، وهذا أيضا إقراض صحيح للبذر لو اقتصر عليه ولكن الجمع بينهما يظهر الفساد باعتبار أنه جعل بإزاء عمله في نصيب الدافع منفعة إقراض البذر إياه ، أو تمليك البذر منه هبة في مقدار ما يزرع به نصيب نفسه ، فلهذا فسد العقد ، والزرع كله للدافع ; لأن إقراض شيء من البذر غير منصوص عليه ، وإنما كنا نثبت التصحيح للعقد بينهما ، وليس فيه تصحيح العقد فلا يجعل مقرضا شيئا من البذر منه ، فلهذا كان الخارج كله لصاحب البذر ، وللعامل عليه أجر مثل عمله وأجر حصته من الأرض ; لأن منفعة حصته من الأرض ومنفعة عمله سلمت للدافع بعقد فاسد ، ويطيب له نصف الريع ; لأنه رباه في أرض نفسه ويأخذ من النصف الآخر نصف البذر وما غرم من أجر مثل نصف الأرض ونصف أجر مثل العامل ، ويتصدق بالفضل ; لأنه رباه في أرض غيره بسبب فاسد

التالي السابق


الخدمات العلمية