الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[ ص: 220 ] حرف الظاء - المعجمة

( ظهر أمر الله ) : بدا. وأظهره غيره: أبداه.

( ظلت عليه عاكفا ) : أصله ظللت فحذفت إحدى اللامين. والأصل في معنى ظل أقام بالنهار، ثم استعمل في الدؤوب على الشيء ليلا ونهارا. وهذا الخطاب من موسى للسامري على وجه التهديد. فظلت أعناقهم لها خاضعين : الأعناق: جمع عنق، وهي الجارحة المعروفة، وإنما جمع خاضعين جمع العقلاء، لأنه أضاف الأعناق إلى العقلاء، أو لأنه وصفها بفعل لا يكون إلا من العقلاء.

وقيل: الأعناق الرؤساء من الناس، شبهوا بالأعناق، كما يقال لهم رؤوس وصدور. وقيل: هم الجماعات من الناس، فلا يحتاج جمع خاضعين إلى تأويل.

( ظهير ) : معين.

( ظنين ) : والضمير للنبي - صلى الله عليه وسلم -، لكن من قرأ بالضاد. فمعناه بخيل، أي لا يبخل بأداء ما ألقي عليه من الغيب، وهو الوحي. ومن قرأ بالظاء، فمعناه متهم، أي لا يتهم على الوحي، بل هو أمين عليه. ورجح بعضهم هذه القراءة بأن الكفار لم ينسبوه - صلى الله عليه وسلم - إلى البخل بالوحي، بل اتهموه، فنفى عنه ذلك.

( يظهروه ) : ظهرت على الغيب: أي ارتفعت عليه. ومنه: فما اسطاعوا أن يظهروه . وأصله استطاعوا، حذفت التاء تخفيفا، وضمير يظهروه للسد. المعنى أن يأجوج ومأجوج لا يقدرون على الصعود على السد، لارتفاعه، ولا ينقبونه لقوته. [ ص: 221 ] ( ظن): له ثلاثة معان: التحقيق. وغلبة أحد الاعتقادين، والتهمة. ومنه: يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم .

قيل معنى الإثم هنا الكذب، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: الظن أكذب الحديث، لأنه قد لا يكون مطابقا للأمر. وقيل: إنما يكون إثما إذا تكلم به. وأما إذا لم يتكلم فهو في فسحة، لأنه لا يقدر على دفع الخواطر، واستدل بعضهم بهذه الآية على صحة سد الذرائع في الشرع، لأنه أمر باجتناب أكثر الإثم احترازا من الوقوع في البعض الذي هو إثم.

( ظمأ ) : عطش.

( ظلم): يقع في القرآن على ثلاثة معان: الكفر، والمعاصي، وظلم الناس، أي التعدي عليهم. والجور والسفه والظلم والتعدي بمعنى واحد، ولا يوصف سبحانه بها، لأنه لا راحم فوقه ولا زاجر، فأفعاله تعالى لا يقارنها نهي، وإنما يتصور ذلك في حقوقنا المقارنة النهي لأفعالنا المنهي عنها.

( ظلال ) : جمع ظلة، وهو ما علاك من فوق، فإن كان ذلك لأمر الله فلا إشكال، وإن كان لله فهو من المتشابه. والغمام: السحاب.

وقوله تعالى: فأخذهم عذاب يوم الظلة - فهي سحابة من نار أحرقت قوم شعيب، فأهلك الله مدين بالصيحة، وأهلك الأيكة بالظلة. فإن قلت: لم كرر الآية في الشعراء مع كل قصة؟

فالجواب أن ذلك أبلغ في الاعتبار، وأشد تنبيها للقلوب، وأيضا فإن كل قصة منها كلام قائم مستقل بنفسه، فختمت بما ختمت به صاحبتها.

فإن قلت: الظلل إنما تكون من فوق، فلم قال: ومن تحتهم ظلل ؟

فالجواب إنما سماها ظلة لمن تحتهم، لأن جهنم طبقات. [ ص: 222 ] وقيل إنما سماه ظلة لأنه يتلهب ويصعد من أسفلهم إلى فوقهم.

( ظلمات بعضها فوق بعض ): هذا تمثيل للكفار في حيرتهم وضلالهم، فالظلمات أعمال الكفار والبحر اللجي صدره، والموج جهله. والسحاب الغطاء الذي على قلبه.

وذهب بعضهم إلى أنه تمثيل بالجملة من غير مقابلة. وفي وصف هذه الظلمة بهذه الأوصاف مبالغة، كما أن في وصف النور المذكور قبلها مبالغة. وأما قوله تعالى - حكاية عن يونس عليه السلام: فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين - فهي ظلمة المشيمة، وظلمة الرحم، وظلمة البطن، وظلمة الليل، وظلمة البحر، ففي هذه الآية توحيد، ثم تنزيه، ثم اعتراف. وفيها ثلاث ظلمات، وثلاثة مفاتيح ظلمة، وثلاث هبات، وثلاثة علوم، وثلاثة أذكار. وقد وعد سبحانه بنجاة من قالها.

وروى أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يونس عليه السلام حين نادى في الظلمات ارتفع نداؤه إلى العرش، فقالت الملائكة: هذا صوت ضعيف، من موضع غربة فأغثه. فقال الله تعالى: قد أجبتكم فيه. قال تعالى: فاستجبنا له ونجيناه من الغم . وروي أن قارون سمعه، فقال: يا رب، ما هذا الصوت الغريب، فأخبر بذلك، فبكى رحمة عليه لرحمه منه، فخفف الله عنه العذاب .

تنبيه:

اجعل أيها العبد دار دنياك كبطن حوت يونس له، فلا تنس فيها ذكر مولاك، لعله ينقذك من بحر هواك، لأن يونس كان في ثلاثة غموم، فدعا مرة أنجاه الله منها، فكيف لا ينجيك أيها المحمدي إن دعوت به مرارا من غم القيامة، وغم العقاب والحساب. ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: ما من عبد دعا بهذا في مرضه إلا غفر الله له. وإذا تأملت قوله: لا إله إلا أنت - تفهم منه قرب مولانا منه [ ص: 223 ] مع بعد مكانه في قعر البحور. وقول نبينا ومولانا محمد - صلى الله عليه وسلم - ليلة الإسراء: لا إله إلا الله، فخاطبه بالغيبة مع قربه منه كان ذلك دليلا على أنه لا يقرب أحد منه إلا بتقريبه له، وهو معكم أين ما كنتم.

( ( ظلالهم بالغدو والآصال ) ) : معطوف على معنى السجود. والمعنى أن الظلال تسجد غدوة وعشية، وسجودها انقيادها لمشيئة الله. وقيل: سجودها فيها بالمشي.

( ظلال على الأرائك ) : جمع ظلة مثل قلة وقلال. وقرئ بالضم. والأرائك جمع أريكة، وهي السرير.

( ( ظل ممدود ) ) : أي دائم، لا تنسخه الشمس. قال - صلى الله عليه وسلم -: إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها. واقرءوا إن شئتم: وظل ممدود .

فإن قلت: قد قلتم: إن الجنة لا شمس فيها، فما معنى هذا الظل؟

فالجواب أنه على تقدير أن تكون هناك، وإنما ظلهم كما بين طلوع الشمس، فهي نورانية شعشعانية لا حر فيها ولا قر.

( ( ظل من يحموم ) ) : يعني أسود، وهو الدخان في قول الجمهور. وقيل: سرادق النار المحيط بأهله، فإنه يرتفع من كل جهة حتى يظلهم. وقيل: هو جبل في جهنم.

( ظل ذي ثلاث شعب ) ، يعني دخان جهنم يتشعب على ثلاث، فيقال للمكذبين حين يطلبون الظل الذي يرون المؤمنين مستظلين به في ظل العرش: انطلقوا، فلا يغنيهم شيئا، كما قال تعالى: لا ظليل ولا يغني من اللهب . فنفى عنهم أن يظلهم كما يظل العرش المؤمنين، ونفى أيضا أن يمنع عنهم.

( ظهريا ) : أي ما يطرح وراء الظهور، ولا يعبأ به، [ ص: 224 ] وهو منسوب إلى الظهر بتغيير النسب، وهذا من قول شعيب عليه السلام، لقومه حين قالوا له: ولولا رهطك لرجمناك - بالحجارة، أو بالسب. فقال لهم: يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا ، على وجه التوبيخ لهم.

فإن قلت: إنما وقع كلامهم فيه وفي رهطه، وأنهم هم الأعزة دونه، فكيف طابق جوابه كلامهم؟

فالجواب أن تهاونهم به - وهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تهاونهم بالله.

( ظن) أصلها الاعتقاد الراجح، كقوله: إن ظنا أن يقيما حدود الله . وقد تستعمل في اليقين، كقوله: الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم .

أخرج ابن أبي حاتم وغيره عن مجاهد، قال: كل ظن في القرآن يقين. وهذا مشكل بكثير من الآيات لم يستعمل فيها بمعنى اليقين، كالآية الأولى.

وقال الزركشي في البرهان: الفرق بينهما في القرآن ضابطان:

أحدهما أنه حيث وجد الظن محمودا مثابا عليه فهو اليقين. وحيث وجد مذموما متوعدا عليه بالعقاب فهو الشك.

والثاني أن كل ظن يتصل بعده أن الخفيفة فهو شك نحو: بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون . وكل ظن يتصل به أن المشددة فهو يقين، كقوله: إني ظننت أني ملاق حسابيه وظن أنه الفراق . وقرئ: وأيقن أنه الفراق.

والمعنى في ذلك أن المشددة للتأكيد، فدخلت على اليقين. والخفيفة بخلافها فدخلت في الشك، ولهذا دخلت الأولى في العلم، نحو: فاعلم أنه لا إله إلا الله وعلم أن فيكم ضعفا . [ ص: 225 ] والثانية في الحسبان، نحو: وحسبوا ألا تكون فتنة - ذكر ذلك الراغب في تفسيره.

وأورد على هذا الضابط: وظنوا أن لا ملجأ من الله .

وأجيب بأنها اتصلت بالاسم. وفي - الأمثلة السابقة اتصلت بالفعل، ذكره في البرهان، قال: فتمسك بهذا الضابط، فهو من أسرار القرآن.

وقال ابن الأنباري: قال ثعلب: العرب تجعل الظن علما وشكا وكذبا، فإن قامت براهين العلم فكانت أكثر من براهين الشك فالظن يقين، وإن اعتدلت براهين اليقين وبراهين الشك فالظن شك، وإن زادت براهين الشك على براهين اليقين فالظن كذب، قال الله: وإن هم إلا يظنون ، أي يكذبون.

التالي السابق


الخدمات العلمية