الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب قوله أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام

                                                                                                                                                                                                        4432 حدثنا عبدان حدثنا عبد الله أخبرنا يونس ح وحدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثنا يونس عن ابن شهاب قال ابن المسيب قال أبو هريرة أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به بإيلياء بقدحين من خمر ولبن فنظر إليهما فأخذ اللبن قال جبريل الحمد لله الذي هداك للفطرة لو أخذت الخمر غوت أمتك

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : وقضينا إلى بني إسرائيل أخبرناهم أنهم سيفسدون ، والقضاء على وجوه : وقضى ربك أمر ، ومنه الحكم إن ربك يقضي بينهم ، ومنه الخلق فقضاهن سبع سماوات خلقهن ) قال أبو عبيدة في قوله : وقضينا إلى بني إسرائيل أي أخبرناهم ، وفي قوله : وقضى ربك أي أمر ، وفي قوله : إن ربك يقضي بينهم أي يحكم ، وفي قوله : فقضاهن سبع سماوات أي خلقهن . وقد بين أبو عبيدة بعض الوجوه [ ص: 241 ] التي يرد بها لفظ القضاء وأغفل كثيرا منها ، واستوعبها إسماعيل بن أحمد النيسابوري في " كتاب الوجوه والنظائر " فقال لفظة ( قضى ) في الكتاب العزيز جاءت على خمسة عشر وجها : الفراغ فإذا قضيتم مناسككم والأمر إذا قضى أمرا والأجل فمنهم من قضى نحبه والفصل لقضي الأمر بيني وبينكم والمضي ليقضي الله أمرا كان مفعولا والهلاك لقضي إليهم أجلهم والوجوب لما قضي الأمر والإبرام في نفس يعقوب قضاها والإعلام وقضينا إلى بني إسرائيل والوصية وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه والموت فوكزه موسى فقضى عليه والنزول فلما قضينا عليه الموت والخلق فقضاهن سبع سماوات والفعل كلا لما يقض ما أمره يعني حقا لم يفعل ، والعهد إذ قضينا إلى موسى الأمر . وذكر غيره القدر المكتوب في اللوح المحفوظ كقوله : وكان أمرا مقضيا والفعل فاقض ما أنت قاض والوجوب إذ قضي الأمر أي وجب لهم العذاب والوفاء كفائت العبادة [1] والكفاية ولن يقضي عن أحد من بعدك انتهى . وبعض هذه الأوجه متداخل ، وأغفل أنه يرد بمعنى الانتهاء فلما قضى زيد منها وطرا وبمعنى الإتمام ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده وبمعنى كتب إذا قضى أمرا وبمعنى الأداء وهو ما ذكر بمعنى الفراغ ومنه قضى دينه . وتفسير وقضى ربك أن لا تعبدوا بمعنى وصى منقول من مصحف أبي بن كعب أخرجه الطبري ، وأخرجه أيضا من طريق قتادة قال : هي في مصحف ابن مسعود ووصى ، ومن طريق مجاهد في قوله : وقضى قال : وأوصى ومن طريق الضحاك أنه قرأ " ووصى " وقال : ألصقت الواو بالصاد فصارت قافا فقرئت وقضى ، كذا قال واستنكروه منه . وأما تفسيره بالأمر كما قال أبو عبيدة فوصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، ومن طريق الحسن وقتادة مثله ، وروى ابن أبي حاتم من طريق ضمرة عن الثوري قال : معناه أمر ولو قضى لمضى ، يعني لو حكم . وقال الأزهري : القضاء مرجعه إلى انقطاع الشيء وتمامه . ويمكن رد ما ورد من ذلك كله إليه . وقال الأزهري أيضا : كل ما أحكم عمله أو ختم أو أكمل أو وجب أو ألهم أو أنفذ أو مضى فقد قضى . وقال في قوله تعالى : وقضينا إلى بني إسرائيل أي أعلمناهم علما قاطعا ، انتهى . والقضاء يتعدى بنفسه ، وإنما تعدى بالحرف في قوله تعالى : وقضينا إلى بني إسرائيل لتضمنه معنى أوحينا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( نفيرا من ينفر معه ) قال أبو عبيدة في قوله : أكثر نفيرا قال : الذين ينفرون معه . وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة في قوله : وجعلناكم أكثر نفيرا أي عددا ، ومن طريق أسباط عن السدي مثله .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ميسورا لينا ) قال أبو عبيدة في قوله : فقل لهم قولا ميسورا أي لينا . وروى الطبري من طريق إبراهيم النخعي في قوله : فقل لهم قولا ميسورا أي لصام تعدهم [2] ومن طريق عكرمة قال : عدهم عدة حسنة . وروى ابن أبي حاتم من طريق محمد بن أبي موسى عن ابن عباس في قوله تعالى : فقل لهم قولا ميسورا قال : العدة . ومن طريق السدي قال : تقول نعم وكرامة ، وليس عندنا اليوم . ومن طريق الحسن : تقول : سيكون إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( خطئا إثما وهو اسم من خطئت ، والخطأ مفتوح مصدره من الإثم خطئت بمعنى أخطأت ) قال [ ص: 242 ] أبو عبيدة في قوله : كان خطئا كبيرا أي إثما ، وهو اسم من خطئت ، فإذا فتحته فهو مصدر ، قال الشاعر :

                                                                                                                                                                                                        دعيني إنما خطئي وصوبي علي وإنما أملكت مالي

                                                                                                                                                                                                        ثم قال : وخطئت وأخطأت لغتان ، وتقول العرب : خطئت إذا أذنبت عمدا ، وأخطأت إذا أذنبت على غير عمد ، واختار الطبري القراءة التي بكسر ثم سكون وهي المشهورة . ثم أسند عن مجاهد في قوله : ( خطئا ) قال : خطيئة ، قال : وهذا أولى لأنهم كانوا يقتلون أولادهم على عمد لا خطأ فنهوا عن ذلك ، وأما القراءة بالفتح فهي قراءة ابن ذكوان ، وقد أجابوا عن الاستبعاد الذي أشار إليه الطبري بأن معناها أن قتلهم - كان غير صواب ، تقول : أخطأ يخطئ خطأ إذا لم يصب ، وأما قول أبي عبيدة الذي تبعه فيه البخاري حيث قال : خطئت بمعنى أخطأت ففيه نظر ، فإن المعروف عند أهل اللغة أن خطئ بمعنى أثم ، وأخطأ إذا لم يتعمد أو إذا لم يصب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حصيرا محبسا محصرا ) أما محبسا فهو تفسير ابن عباس ، وصله ابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عنه في قوله : وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا قال : محبسا . وقال أبو عبيدة في قوله : ( حصيرا ) قال : محصرا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( تخرق تقطع ) قال أبو عبيدة في قوله تعالى : لن تخرق الأرض قال : لن تقطع .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وإذ هم نجوى ، مصدر من ناجيت فوصفهم بها ، والمعنى يتناجون ) كذا فيه ، وقال أبو عبيدة في قوله : إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى هو مصدر ناجيت ، أو اسم منها فوصف بها القوم ، كقولهم هم عذاب ، فجاءت نجوى في موضع متناجين انتهى . ويحتمل أن يكون على حذف مضاف أي وهم ذوو نجوى ، أو هو جمع نجي كقتيل وقتلى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( رفاتا حطاما ) قال أبو عبيدة في قوله : ( رفاتا ) أي حطاما أي عظاما محطمة ، وروى الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : أئذا كنا عظاما ورفاتا قال : ترابا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( واستفزز استخف ، بخيلك الفرسان ، والرجل والرجال والرجالة واحدها راجل ، مثل صاحب وصحب وتاجر وتجر ) هو كلام أبي عبيدة بنصه ، وتقدم شرحه في بدء الخلق وروى ابن أبي حاتم من طريق مجاهد في قوله : واستفزز قال استنزل .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حاصبا الريح العاصف ، والحاصب أيضا ما ترمي به الريح ، ومنه حصب جهنم يرمى به في جهنم وهم حصبها ; ويقال حصب في الأرض ذهب والحاصب مشتق من الحصباء الحجارة ) تقدم في صفة النار من بدء الخلق ، قال أبو عبيدة في قوله : أو يرسل عليكم حاصبا أي ريحا عاصفا تحصب ، ويكون الحاصب من الجليد أيضا قال الفرزدق :

                                                                                                                                                                                                        بحاصب كنديف القطن منثور

                                                                                                                                                                                                        وفي قوله : حصب جهنم كل شيء ألقيته في النار فقد حصبتها به ، وروى ابن أبي حاتم من طريق سعيد عن قتادة قال : أو يرسل عليكم حاصبا قال : حجارة من السماء ، ومن طريق السدي قال : راميا يرميكم بحجارة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( تارة أي مرة ، والجمع تير وتارات ) هو كلام أبي عبيدة أيضا ، وقوله : والجمع تير بكسر المثناة [ ص: 243 ] الفوقانية وفتح المثناة التحتانية ، وروى ابن أبي حاتم من طريق شعبة عن قتادة في تارة أخرى قال : مرة أخرى . قوله : ( لأحتنكن لأستأصلنهم ، يقال احتنك فلان ما عند فلان من علم استقصاه ) تقدم شرحه في بدء الخلق ، وروى سعيد بن منصور من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : لأحتنكن قال : لأحتوين قال : يعني شبه الزناق .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال ابن عباس : كل سلطان في القرآن فهو حجة ) وصله ابن عيينة في تفسيره عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس ، وهذا على شرط الصحيح ، ورواه الفريابي بإسناد آخر عن ابن عباس وزاد " وكل تسبيح في القرآن فهو صلاة " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ولي من الذل لم يحالف أحدا ) وروى الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : ولم يكن له ولي من الذل قال : لم يحالف أحدا .

                                                                                                                                                                                                        قوله باب قوله : أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام لم يختلف القراء في ( أسرى ) بخلاف قوله في قصة لوط ( فأسر ) فقرئت بالوجهين ، وفيه تعقب على من قال من أهل اللغة إن أسرى وسرى بمعنى واحد ، قال السهيلي : السرى من سريت إذا سرت ليلا يعني فهو لازم ، والإسراء يتعدى في المعنى لكن حذف مفعوله حتى ظن من ظن أنهما بمعنى واحد ، وإنما معنى أسرى بعبده ( جعل البراق يسري به كما تقول أمضيت كذا بمعنى جعلته يمضي ، لكن حسن حذف المفعول لقوة الدلالة عليه أو الاستغناء عن ذكره ، لأن المقصود بالذكر المصطفى لا الدابة التي سارت به . وأما قصة لوط فالمعنى سر بهم على ما يتحملون عليه من دابة ونحوها ، هذا معنى القراءة بالقطع ، ومعنى الوصل سر بهم ليلا ، ولم يأت مثل ذلك في الإسراء لأنه لا يجوز أن يقال سرى بعبده بوجه من الوجوه انتهى . والنفي الذي جزم به إنما هو من هذه الحيثية التي قصد فيها الإشارة إلى أنه سار ليلا على البراق ، وإلا فلو قال قائل : سرت بزيد بمعنى صاحبته لكان المعنى صحيحا ، حديث أبي هريرة " أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة أسري به بإيلياء بقدحين " [ ص: 244 ] وقد تقدم شرحه في السيرة النبوية ، ويأتي في الأشربة . وذكر فيه أيضا حديث جابر قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لما كذبتني قريش كذا للأكثر ، وللكشميهني كذبني بغير مثناة .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية