الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت إلى قوله عجبا صنعا عملا حولا تحولا قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا إمرا و نكرا داهية ينقض ينقاض كما تنقاض السن لتخذت واتخذت واحد رحما من الرحم وهي أشد مبالغة من الرحمة ونظن أنه من الرحيم وتدعى مكة أم رحم أي الرحمة تنزل بها

                                                                                                                                                                                                        4450 حدثني قتيبة بن سعيد قال حدثني سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس إن نوفا البكالي يزعم أن موسى بني إسرائيل ليس بموسى الخضر فقال كذب عدو الله حدثنا أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قام موسى خطيبا في بني إسرائيل فقيل له أي الناس أعلم قال أنا فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه وأوحى إليه بلى عبد من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك قال أي رب كيف السبيل إليه قال تأخذ حوتا في مكتل فحيثما فقدت الحوت فاتبعه قال فخرج موسى ومعه فتاه يوشع بن نون ومعهما الحوت حتى انتهيا إلى الصخرة فنزلا عندها قال فوضع موسى رأسه فنام قال سفيان وفي حديث غير عمرو قال وفي أصل الصخرة عين يقال لها الحياة لا يصيب من مائها شيء إلا حيي فأصاب الحوت من ماء تلك العين قال فتحرك وانسل من المكتل فدخل البحر فلما استيقظ موسى قال لفتاه آتنا غداءنا الآية قال ولم يجد النصب حتى جاوز ما أمر به قال له فتاه يوشع بن نون أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت الآية قال فرجعا يقصان في آثارهما فوجدا في البحر كالطاق ممر الحوت فكان لفتاه عجبا وللحوت سربا قال فلما انتهيا إلى الصخرة إذ هما برجل مسجى بثوب فسلم عليه موسى قال وأنى بأرضك السلام فقال أنا موسى قال موسى بني إسرائيل قال نعم قال هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا قال له الخضر يا موسى إنك على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه وأنا على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه قال بل أتبعك قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا فانطلقا يمشيان على الساحل فمرت بهم سفينة فعرف الخضر فحملوهم في سفينتهم بغير نول يقول بغير أجر فركبا السفينة قال ووقع عصفور على حرف السفينة فغمس منقاره في البحر فقال الخضر لموسى ما علمك وعلمي وعلم الخلائق في علم الله إلا مقدار ما غمس هذا العصفور منقاره قال فلم يفجأ موسى إذ عمد الخضر إلى قدوم فخرق السفينة فقال له موسى قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت الآية فانطلقا إذا هما بغلام يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر برأسه فقطعه قال له موسى أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا إلى قوله فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فقال بيده هكذا فأقامه فقال له موسى إنا دخلنا هذه القرية فلم يضيفونا ولم يطعمونا لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وددنا أن موسى صبر حتى يقص علينا من أمرهما قال وكان ابن عباس يقرأ وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا وأما الغلام فكان كافرا [ ص: 277 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 277 ] قوله : ( باب فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا - إلى قوله - قصصا ساق فيه قصة موسى عن قتيبة عن سفيان ، وقد نبهت على ما فيه من فائدة زائدة في الذي قبله . وقوله عن عمرو بن دينار تقدم قبل باب من رواية الحميدي عن سفيان حدثنا عمرو بن دينار ، وروى الترمذي من طريق علي ابن المديني قال : حججت حجة وليس لي همة إلا أن أسمع من سفيان الخبر في هذا الحديث ، حتى سمعته يقول : حدثنا عمرو وكان قبل ذلك يقوله بالعنعنة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ينقض ينقاض كما ينقاض السن ) كذا لأبي ذر ولغيره " الشيء " بمعجمة وتحتانية ، وهو قول أبي عبيدة قال في قوله : يريد أن ينقض أي يقع ، يقال انقضت الدار إذا انهدمت ، قال : وقرأه قوم ينقاض ينقلع من أصله كقولك انقاضت السن إذا انقلعت من أصلها ، وهذا يؤيد رواية أبي ذر ، وقراءة ينقاض مروية عن الزهري . واختلف في ضادها فقيل بالتشديد بوزن يحمار وهو أبلغ من ينقض ، وينقض بوزن يفعل من انقضاض الطائر إذا سقط إلى الأرض ، وقيل بالتخفيف وعليه ينطبق المعنى الذي ذكره أبو عبيدة . وعن علي أنه قرأ " ينقاص " بالمهملة ، وقال ابن خالويه : يقولون انقاصت السن إذا انشقت طولا ، وقيل إذا تصدعت كيف كان . وقال ابن فارس : قيل معناه كالذي بالمعجمة وقيل الشق طولا . وقال ابن دريد انقاض بالمعجمة انكسر ، وبالمهملة انصدع . وقرأ الأعمش تبعا لابن مسعود " يريد لينقض " بكسر اللام وضم التحتانية وفتح القاف وتخفيف الضاد من النقض .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( نكرا : داهية ) كذا فيه ، والذي عند أبي عبيدة في قوله : لقد جئت شيئا إمرا داهية ، ونكرا أي عظيما . واختلف في أيهما أبلغ فقيل إمرا أبلغ من نكرا لأنه قالها بسبب الخرق الذي يفضي إلى هلاك عدة أنفس وتلك بسبب نفس واحدة . وقيل نكرا أبلغ لكون الضرر فيها ناجزا بخلاف إمرا لكون الضرر فيها متوقعا . ويؤيد ذلك أنه قال في نكرا ألم أقل لك ولم يقلها في إمرا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لتخذت واتخذت واحد ) هو قول أبي عبيدة ، ووقع في رواية مسلم عن عمرو بن محمد عن سفيان في هذا الحديث : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأها لتخذت وهي قراءة أبي عمرو ، ورواية غيره لاتخذت .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( رحما من الرحم وهي أشد مبالغة من الرحمة ، ويظن أنه من الرحيم ، وتدعى مكة أم رحم أي الرحمة تنزل بها ) هو من كلام أبي عبيدة ، ووقع عنده مفرقا ، وقد تقدم في الحديث الذي قبله ، وحاصل كلامه أن [ ص: 278 ] رحما من الرحم التي هي القرابة ، وهي أبلغ من الرحمة التي هي رقة القلب لأنها تستلزمها غالبا من غير عكس ، وقوله : " ويظن " مبني للمجهول ، وقوله : " مشتق من الرحمة " أي التي اشتق منها الرحيم ، وقوله : " أم رحم " بضم الراء والسكون وذلك لتنزل الرحمة بها ، ففيه تقوية لما اختاره من أن الرحم من القرابة لا من الرقة .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية