الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 378 ] 854 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما يدل على الصور الذي ذكره الله في كتابه ما هو ؟

5342 - حدثنا أحمد بن أبي عمران ، قال : حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ، قال : حدثنا جرير بن عبد الحميد

5343 -
وحدثنا ابن أبي عمران أيضا ، قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن جعفر الوركاني ، قالا : حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن ، وأصغى سمعه ، وحنى جبهته ، ينتظر متى يؤمر بنفخ ، فينفخ ؟ " قالوا : يا رسول الله ، كيف نقول ؟ قال : " قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل ، على الله نتوكل .

[ ص: 379 ] قال أبو جعفر : ففي هذا الحديث أخذ أبو صالح إياه ، عن أبي سعيد .

5344 - وقد حدثناه أبو أمية ، قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن أبي شعيب الحراني ، قال : حدثنا موسى بن أعين ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثله .

[ ص: 380 ] قال : فكان في هذا الحديث : أخذ أبي صالح إياه عن أبي هريرة لا عن أبي سعيد .

5345 - وقد حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن أبي شعيب ، قال : حدثنا موسى بن أعين ، عن عمران - وهو البارقي - عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثله .

[ ص: 381 ]

5346 - وحدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عمار الدهني ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله .

ففي هذا الحديث : أخذ عطية إياه عن أبي سعيد .

5347 - وقد حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال : حدثنا أسد بن موسى ، قال : حدثنا أسباط بن محمد ، عن مطرف ، عن عطية ، عن ابن عباس في قوله - عز وجل - : فإذا نقر في الناقور قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - : كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن ؟ ... وذكر بقية الحديث .

[ ص: 382 ]

5348 - وحدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا أبو غسان - مالك بن إسماعيل - قال : حدثنا ذواد بن علبة ، عن عطية ، عن ابن عباس - قال أبو غسان ، وقال غيره : عن أبي سعيد - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - : كيف أنعم ؟ " ثم ذكر مثله .

ففيما رويناه أن الصور قرن ينفخ فيه .

5349 - وقد حدثنا أحمد بن داود بن موسى ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، قال : سمعت أبي ، قال : حدثنا أسلم - قال أبو جعفر : وهو العجلي - عن بشر بن شغاف ، حدثه عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أن أعرابيا سأله : ما الصور ؟ قال : قرن ينفخ فيه .

[ ص: 383 ] قال أبو جعفر : فوافق ما في هذا الحديث ما في الأحاديث التي رويناها قبله ، وتأملنا ما في كتاب الله - عز وجل - من ذكره - عز وجل - الصور فيه ، فوجدنا فيه قوله - عز وجل - في سورة يس ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون ، وكان في هذه الآية ما قد دل على أن النفخ في الصور ، أعاد إليهم أرواحهم حتى عادوا ينسلون بعدما قد كانوا موتى لا أرواح لهم ، فاحتمل أن يكون ما كان من النفخ في الصور سببا لعود أرواحهم إليهم حتى عادوا كذلك ، وهكذا يقول أهل الآثار .

فأما أهل اللغة ، منهم : أبو عبيدة معمر بن المثنى ، فكان يقول في ذلك : ما قد حدثنا ولاد النحوي ، قال : حدثنا المصادري ، عن أبي عبيدة يوم ينفخ في الصور ، قال جماعة : صورة ، مثل قولهم : سورة ، وسور ، قال العجاج

فرب ذي سرادق محجور سرت إليه في أعالي السور

ومنها سورة المجد : أعاليه .

قال جرير :

لما أتى خبر الزبير تواضعت     سور المدينة والجبال الخشع



[ ص: 384 ]

وما ذكره علي بن عبد العزيز في رواية الأثرم في هذا الكتاب : ونفخ في الصور ، جمع صورة ، فخرجت مخرج : بسرة ، وبسر ، لم تحمل على : ظلمة وظلم ، ولو كانت [كذلك] لقيلت : صور ، فخرجت الواو بالفتحة كسورة المدينة ، والجميع سور .

وما ذكره الفراء في كتابه في " معاني القرآن ومشكل إعرابه " ، قال : وقد يقال : إن الصور قرن ، ويقال : هو جمع الصور ينفخ في الصور في الموتى - والله أعلم - بصواب ذلك .

وفي الآية التي تلونا من سورة " يس " ما قد دل أنهم كانوا في أجداثهم لا أرواح في أبدانهم ، حتى أعاد الله إليها أرواحهم بما شاء أن يعيدها إليهم به ، وفي سورة النمل : ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين ، فكان في هذه الآية : أن ذلك النفخ في الصور كان وهم أحياء ، فماتوا بذلك ، وكذلك ما في سورة الزمر من قوله - عز وجل - : ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ، ثم قال - عز وجل - : ثم نفخ فيه أخرى ، فدل ذلك أن المنفوخ فيه شيء واحد لا أشياء مختلفة ، وفي ذلك ما قد دل على صواب ما قال أهل الآثار مما قد ذكرناه عنهم في هذا الباب ، وعاد ما قد تلونا من آي القرآن في هذا الباب في " الصور " ما استدللنا [ ص: 385 ] به في بعضها : أن الناس كانوا أمواتا حينئذ ، فردت إليهم أرواحهم بذلك ، وهو ما تلونا من ذلك من سورة " يس " ، وكان في بعضها ما قد دل أنهم كانوا أحياء فماتوا بذلك على ما تلونا من سورة " النمل " ، ومن سورة " الزمر " .

وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على المعنى الذي استدللنا عليه بما في هاتين السورتين .

5350 - كما حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، قال : حدثنا أبي ، قال : سمعت النعمان بن راشد ، يحدث عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تخيروني على موسى ، فإن الناس يصعقون يوم القيامة ، فأكون أول من يفيق ، فإذا موسى - صلى الله عليه وسلم - باطش بجانب العرش ، فلا أدري : أصعق فيمن كان صعق ، فأفاق قبلي ، أو كان فيمن استثنى الله - عز وجل . -

5351 - وكما حدثنا يزيد ، قال : وكما حدثنا يوسف بن يزيد ، قال : حدثنا حجاج بن إبراهيم ، قال : حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن [ ص: 386 ] محمد بن عمرو بن علقمة ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ينفخ في الصور ، فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ، ثم ينفخ فيه أخرى ، فأكون أول من يرفع رأسه ، فإذا موسى - صلى الله عليه وسلم - آخذ قائمة من قوائم العرش ، فلا أدري : أكان فيمن استثنى الله - عز وجل - أو رفع قبلي .

ففي هذين الحديثين : أن النفخ في الصور كان وهم أحياء ، فماتوا بذلك ، ثم أحياهم الله - عز وجل - بالنفخة الثانية فيه ، وكان فيما روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما قد دل على أن الصور هو القرن المذكور في هذه الآثار ، لا ما سواه مما قد ذكره من ذهب إلى أنه الصور ، والذي نرى والله أعلم ، حمل عليه ما ذكرنا من الصور هو على ما في الآية التي تلونا من سورة " يس " ; لأن المنفوخ فيهم حينئذ كانوا أمواتا ، فنفخ فيهم الروح ، وما في الاثنتين الأخريين على نفخ كان في الصور ، والناس أحياء فماتوا بذلك ، فذلك مستحيل أن يكون أريد به الصور ، والله أعلم بما أراد في ذلك مما أنزله في كتابه ، ومما قاله على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية