الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل في العصبات

العصبات النسبية ثلاثة عصبة بنفسه وعصبة بغيره وعصبة مع غيره ( يحوز العصبة بنفسه وهو كل ذكر ) فالأنثى لا تكون عصبة بنفسها بل بغيرها أو مع غيرها ( لم يدخل في نسبته إلى الميت أنثى ) فإن دخلت لم يكن عصبة كولد الأم [ ص: 774 ] فإنه ذو فرض وكأبي الأم وابن البنت فإنهما من ذوي الأرحام ( ما أبقت الفرائض ) أي جنسها ( وعند الانفراد يحوز جميع المال ) بجهة واحدة . ثم العصبات بأنفسهم أربعة أصناف جزء الميت ثم أصله ثم جزء أبيه ثم جزء جده ( ويقدم الأقرب فالأقرب منهم ) بهذا الترتيب فيقدم جزء الميت ( كالابن ثم ابنه وإن سفل ثم أصله الأب ويكون مع البنت ) بأكثر ( عصبة وذا سهم ) كما مر ( ثم الجد الصحيح ) وهو أبو الأب ( وإن علا ) وأما أبو الأم ففاسد من ذوي الأرحام ( ثم جزء أبيه الأخ ) لأبوين ( ثم ) لأب ثم ( ابنه ) لأبوين ثم لأب ( وإن سفل ) تأخير الإخوة عن الجد وإن علا قول أبي حنيفة وهو المختار للفتوى خلافا لهما وللشافعي .

[ ص: 775 ] قيل وعليه الفتوى ( ثم جزء جده العم ) لأبوين ثم لأب ثم ابنه لأبوين ثم لأب ( وإن سفل ثم عم الأب ثم ابنه ثم عم الجد ثم ابنه ) كذلك وإن سفلا فأسبابها أربعة : بنوة ثم أبوة ثم أخوة ثم عمومة ( و ) بعد ترجيحهم بقرب الدرجة ( يرجحون ) عند التفاوت بأبوين وأب كما مر ( بقوة القرابة فمن كان لأبوين ) من العصبات ولو أنثى كالشقيقة مع البنت تقدم على الأخ لأب ( مقدم على من كان لأب ) لقوله صلى الله عليه وسلم { إن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات } . والحاصل : أنه عند الاستواء في الدرجة يقدم ذو القرابتين وعند التفاوت فيها يقدم الأعلى

التالي السابق


فصل في العصبات

قال في المغرب : العصبة قرابة الرجل لأبيه وكأنها جمع عاصب ، وإن لم يسمع به ، من عصبوا به إذا أحاطوا حوله ثم سمي بها الواحد والجمع والمذكر والمؤنث للغلبة وقالوا في مصدرها العصوبة ، والذكر يعصب المرأة أي يجعلها عصبة ا هـ فالعصبات جمع الجمع كالجمالات أو جمع المفرد على جعل العصبة اسما تأمل ( قوله : وعصبة بغيره وعصبة مع غيره ) سيأتي بيان الفرق بينهما ( قوله : فالأنثى لا تكون عصبة بنفسها إلخ ) أشار إلى أنه خرج بقوله : وهو كل ذكر العصبة بالغير ، والعصبة مع الغير فإنهما إناث فقط وأما المعتقة ، فهي وإن كانت عصبة بنفسها ، فهي ليست نسبية ، والمقصود العصبات النسبية كما أشار إليه أولا ، ولذلك خرج المعتق أيضا ( قوله : لم يدخل إلخ ) المراد عدم توسط الأنثى سواء توسط بينه وبين الميت ذكر كالجد وابن الابن أو لا كالأب والابن الصلبي ( قوله : كولد الأم ) أي الأخ لأم وأما الأخ لأب وأم ، فإنه عصبة بنفسه مع أن الأم داخلة في نسبته . وأجيب بأن المراد من لا ينتسب بالأنثى فقط ، وأجاب السيد بأن قرابة الأب أصل في استحقاق العصوبة ، فإنها إذا انفردت كفت في إثبات العصوبة ، بخلاف قرابة الأم ، فإنها لا تصلح بانفرادها علة لإثباتها فهي ملغاة في استحقاق العصوبة لكنا جعلناها بمنزلة وصف زائد فرجحنا بها الأخ لأب وأم على الأخ لأب ا هـ . أقول ، وهذا أولى من قول بعضهم إنه خرج بقوله في نسبته حيث لم يقل في قرابته فإن الأنثى داخلة في قرابته لأخيه لا في نسبته إليه ، لأن النسب للأب فلا يثبت بواسطة غيره ا هـ . [ ص: 774 ] فإنه يرد عليه أن المعتبر هنا النسبة إلى الميت لا إلى الأب ، فالمراد بها القرابة لا النسب الشرعي ، وإلا لزم أن لا تكون العصبة إلا إذا كان الميت أبا أو جدا فيخرج الأخ والعم ونحوهما فافهم . ثم رأيت العلامة يعقوب قد زيف هذا الجواب وأخرجه عن دائرة الصواب بنحو ما قلناه والحمد لله . وبالجملة فتعريف العصبة لا يخلو عن كلام ولو بعد تحرير المراد فإنه لا يدفع الإيراد ، ولذا قال ابن الهائم في منظومته : وليس يخلو حده عن نقد فينبغي تعريفه بالعد وأيضا فتخصيصه بالعصبة النسبية لا داعي له ، وقد عرفه العلامة قاسم في شرح فرائض المجمع بقوله هو ذكر نسيب أدلى إلى الميت بنفسه أو بمحض الذكور أو معتق فقوله أو معتق بالرفع عطفا على " ذكر " ، ولو حذف " محض " لكان أولى ليدخل الأخ الشقيق وبعد هذا ففيه نظر فتدبر

( قوله : فإنه ذو فرض ) أي فقط وإلا فلا يلزم من كون وارث ذا فرض أن لا يكون عصبة فإن كلا من الأب والجد ذو فرض ويصير عصبة ( قوله : أي جنسها ) أي قال للجنس فتبطل معنى الجمعية ، فيشمل ما إذا كان هناك فرض واحد وحاز الباقي بعد إعطائه لمستحقه ط ( قوله : بجهة واحدة ) قال في المنح : قيدنا به حتى لا يرد أن صاحب الفرض إذا خلا عن العصوبة قد يحرز جميع المال لأن استحقاقه لبعضه بالفرضية والباقي بالرد ( قوله : جزء الميت إلخ ) المراد في الجميع الذكور كما هو الموضوع ( قوله : ثم جزء جده ) أراد بالجد ما يشمل أبا الأب ، ومن فوقه بدليل قوله الآتي : وإن علا فلا يرد أن عم الأب وعم الجد في كلامه الآتي خارجان عن الأصناف الأربعة ( قوله : ويقدم الأقرب فالأقرب إلخ ) أي الأقرب جهة ثم الأقرب درجة ثم الأقوى قرابة فاعتبار الترجيح أولا بالجهة عند الاجتماع ، فيقدم جزؤه كالابن وابنه على أصله كالأب وأبيه ويقدم أصله على جزء أبيه كالإخوة لغير أم وأبنائهم ، ويقدم جزء أبيه على جزء جده كالأعمام لغير أم وأبنائهم وبعد الترجيح بالجهة إذا تعدد أهل تلك الجهة اعتبر الترجيح بالقرابة ، فيقدم الابن على ابنه والأب على أبيه والأخ على ابنه لقرب الدرجة ، وبعد اتحاد الجهة والقرابة يعتبر الترجيح بالقوة ، فيقدم الأخ الشقيق على الأخ لأب ، وكذا أبناؤهم ، وكل ذلك مستفاد من كلام المصنف ، وصرح به العلامة الجعبري حيث قال : فبالجهة التقديم ثم بقربه
وبعدهما التقديم بالقوة اجعلا

( قوله : ويكون إلخ ) الأولى ذكر هذا عند ذكر الأب فيما تقدم كما فعله الشارح ط ( قوله : ثم الجد الصحيح ) هو من لم يدخل في نسبته إلى الميت أنثى ( قوله : وهو أب الأب ) الأولى رسم أبو بالواو بناء على اللغة المشهورة من إعرابه بالحروف ( قوله : ثم لأب ) أي ثم الأخ لأب أما الأخ لأم فذو فرض فقط كما مر ( قوله : لأبوين ) متعلق [ ص: 775 ] بمحذوف حال من الضمير ( قوله : قيل وعليه الفتوى ) قاله صاحب السراجية في شرحه عليها كما سيأتي وقد أشار إلى أن المعتمد الأول وهو مذهب الصديق رضي الله عنه ( قوله : كذلك ) أي لأبوين ثم لأب وهو في موضع الحال من عم الأب وعم الجد ( قوله : وإن سفلا ) أي ابن عم الأب وابن عم الجد ( قوله : فأسبابها ) أي العصوبة ( قوله : وبعد ترجيحهم إلخ ) أي ترجيح أهل كل صنف من الأصناف الأربعة بقرب الدرجة كترجيح الإخوة مثلا على أبنائهم يرجح بقوة القرابة إذا تفاوتوا فيها كالأخ الشقيق مع الأخ لأب كما مر ( قوله : بأبوين وأب ) متعلق بالتفاوت وقوله كما مر حال منه ، وقوله بقوة القرابة متعلق بيرجحون .

( قوله : كالشقيقة إلخ ) فيه أن الكلام في العصبة بالنفس وهذه عصبة مع الغير لكن قال السيد : إنما ذكرها هنا وإن لم تكن عصبة بنفسها لمشاركتها في الحكم لمن هو عصبة بنفسه ( قوله : { إن أعيان بني الأم } إلخ ) تمام الحديث { يرث الرجل أخاه لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه } رواه الترمذي وابن ماجه ا هـ قاسم وسيذكر الشارح أن بني الأعيان الإخوة لأب وأم سموا بذلك لأنهم من عين واحدة أي أب وأم واحدة وأن بني العلات الإخوة لأب سموا بذلك لأن الزوج قد عل من زوجته الثانية ، والعلل الشرب الثاني يقال عله إذا سقاه السقية الثانية ، وأما الإخوة لأم فهو بنو الأخياف كما سيأتي والظاهر أن المراد ببني الأم في الحديث ( { إن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات } ) ما يشمل الإخوة لأب وأم والإخوة لأم فقط ، وأن المراد بأعيانهم القسم الأول يدل عليه قوله في المغرب أعيان القوم أشرافهم ومنه قولهم للإخوة لأب وأم بنو الأعيان ومنه حديث { أعيان بني أم يتوارثون } ا هـ . وقال السيد : والمقصود بذكر الأم هاهنا إظهار ما يترجح به بنو الأعيان على بني العلات ا هـ أي لأنهم زادوا عليهم بقرابة الأم ولذا كانوا أعيانا




الخدمات العلمية