الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 798 ] فصل في الغرقى والحرقى وغيرهم

وغيرهم ( لا توارث بين الغرقى والحرقى إلا إذا علم ترتيب الموتى ) فيرث المتأخر فلو جهل عينه أعطي كل باليقين ووقف المشكوك فيه حتى يتبين أو يصطلحوا شرح مجمع قلت : وأقره المصنف لكن نقل شيخنا عن ضوء السراج معزيا لمحمد [ ص: 799 ] أنه لو مات أحدهما ولا يدري أيهما هو يجعل كأنهما ماتا معا لتحقق التعارض بينهما وهو مخالف لما مر فتدبر ( و ) إذا لم يعلم ترتيبهم ( يقسم مال كل منهم على ورثته الأحياء ) إذ لا توارث بالشك

التالي السابق


فصل في الغرقى والحرقى وغيرهم جمع غريق وحريق فعيل بمعنى المفعول والمراد ومن بمعناهم كالهدمى والقتلى في معركة وأراد بغيرهم الكافر وولد الزنا واللعان والحمل

( قوله : إلا إذا علم إلخ ) اعلم أن أحوالهم خمسة على ما في سكب الأنهر وغيره .

أحدها : هذا وهو ما إذا علم سبق موت أحدهما ولم يلتبس فيرث الثاني من الأول ثانيها : أن يعرف التلاحق ولا يعرف عين السابق ثالثها : أن يعرف وقوع الموتين معا رابعها : أن لا يعرف شيء ففي هذه الثلاثة لا يرث أحدهما من الآخر شيئا خامسها : أن يعرف موت أحدهما أولا بعينه ثم أشكل أمره بعد ذلك وسيأتي الكلام عليه ا هـ ومثله في الدر المنتقى ( قوله : فلو جهل عينه ) أي بعد معرفة الترتيب وهذا يحتمل الحالة الثانية والخامسة لكن عبارة شرح المجمع تفيد الحالة الثانية فقط . ونصها : فإن علم أن أحدهما مات أولا وجهل عينه أعطي كل واحد اليقين ، ووقف المشكوك حتى يتبين أو يصطلحوا ا هـ .

( قوله : أعطي كل إلخ ) أي من ورثتهم بقرينة قوله أو يصطلحوا فلو غرق أخوان لكل منهما بنت أخذت بنت كل نصف تركة أبيها حتى يتبين المتأخر فتأخذ بنته نصف تركة أبيها الباقي ونصف تركة عمها أو يصطلحا على شيء تأمل ( قوله : شرح مجمع ) أي لمصنفه ومثله في الاختيار حيث قال وإن علم موت أحدهما أولا ولا يدري أيهما هو أعطى كل واحد اليقين ووقف المشكوك حتى يتبين أو يصطلحوا ا هـ ومثله في شرح السراجية لمصنفها وتبعه بعض شراحها وعلله في حاشية عجم زاده بقوله لأن التذكر غير مأيوس منه ( قوله : لكن نقل شيخنا إلخ ) أي في حاشيته على المنح وقد استدرك أيضا في معراج الدراية على شرح المجمع بعبارة ضوء السراج الذي هو شرح السراجية وقال العلامة قاسم في شرح فرائض المجمع : إن ما ذكره صاحب المجمع أخذه من الاختيار ، وهو قول الشافعية ولا يساعده عندنا رواية ولا دراية قال في المبسوط وكذا إذا علم أن أحدهما مات أولا ، ولا يدري أيهما هو لتحقق التعارض بينهما فيجعل كأنهما ماتا معا وقال في المحيط : فيجعل كأنهما ماتا معا ، وكذلك لو تقدم موت أحدهما إلا أنه لا يدري المتقدم من المتأخر لأن سبب الإرث ثابت للمتأخر منهما لكن المستحق مجهول فتعذر الإثبات لأحدهما ، وصار كما لو أعتق إحدى أمتيه بعينها ثم نسيها لا يحل له وطؤهما لجهالة المملوكة .

وقال في الأرفاد أو مات أحدهما قبل الآخر وأشكل السابق جعلوا كأنهم ماتوا معا فمال كل واحد لورثته الأحياء ولا يرث بعض الأموات من بعض هذا مذهب أبي حنيفة ا هـ وذكر ذلك أيضا في سكب الأنهر وشرح الكنز للمقدسي وقد لخصت ذلك [ ص: 799 ] في الرحيق المختوم ، وذكرت فيه أن المتبادر من هذه العبارات كلها أن محل النزاع هو الحالة الثانية وهي ما إذا علم التلاحق ، وجهل عين السابق ، وقد خصه في سكب الأنهر بالخامسة وهي ما إذا علم السابق بعينه ثم أشكل ولعله أخذه من قول العلامة قاسم إنه قول الشافعية فإن الشافعية ذكروا ذلك في الخامسة فقط كما في شرح الترتيب للشنشوري لكن إذا جرى النزاع في الثانية يجري في الخامسة بالأولى تأمل ( قوله : أنه لو مات أحدهما ) أي أولا كما في حاشية شيخه .

( قوله : إذ لا توارث بالشك ) علة لمقدر وهو ولا يرث بعضهم من بعض أو لما صرح به المصنف أولا وهذا قول أبي حنيفة آخرا وكان أولا يقول : يرث بعضهم من بعض إلا ما ورث من صاحبه والمعتمد الأول لاحتمال موتهما معا أو متعاقبا فوقع الشك في الاستحقاق واستحقاق الأحياء متيقن والشك لا يعارض اليقين فلو غرق أخوان ولكل منهما تسعون درهما وخلف بنتا وأما وعما فعلى المعتمد تقسم تركة كل على ورثته الأحياء من ستة ، للبنت النصف وللأم السدس وللعم ما بقي ، وعلى القول الثاني ما بقي وهو ثلاثون للأخ لا للعم ثم تقسم الثلاثون بين البنت والأم والعم على ستة كما تقدم فيصير للبنت ستون وللأم عشرون وللعم عشرة ا هـ قاسم ملخصا [ تنبيه ] برهن كل من الورثة أن أباه مات آخرا تهاترتا عند أبي حنيفة وكذا لو ادعى ورثة كل أن أبا الآخر مات أولا وحلف لم يصدق أما لو برهن واحد منهم في الأولى أو ادعى ، وحلف في الثانية صدق لعدم المعارض ولو مات أخوان عند الزوال أو الطلوع أو الغروب في يوم واحد أحدهما في المشرق والآخر في المغرب ورث ميت المغرب من ميت المشرق لموته قبله : لأن الشمس وغيرها من الكواكب تزول وتطلع وتغرب في المشرق قبل المغرب ا هـ سكب الأنهر قال في الدر المنتقى ومفاده أنه لو اتحدت البلدة أو تقاربت لم يكن الحكم كذلك فليراجع ذلك ا هـ قلت : لا شك في انتفاء الإرث بالشك وثبوته بعدمه




الخدمات العلمية