5158 [ ص: 311 ] 72
الذبائح والصيد
[ ص: 312 ] [ ص: 313 ] بسم الله الرحمن الرحيم
72 - الذبائح والصيد
. والتسمية على الصيد
وقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد إلى قوله: عذاب أليم [المائدة: 94]. وقوله جل ذكره: أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم إلى قوله: واخشون [المائدة: 1 - 3] وقال العقود العهود، ما أحل وحرم ابن عباس: إلا ما يتلى عليكم [المائدة: 1]
[ ص: 314 ] الخنزير. يجرمنكم [المائدة: 2]: يحملنكم شنآن [المائدة: 2]: عداوة والمنخنقة [المائدة: 3]: تخنق فتموت والموقوذة [المائدة: 3]: تضرب بالخشب يوقذها أهلها فتموت والمتردية [المائدة: 3]: تتردى من الجبل والنطيحة [المائدة: 3]: تنطح الشاة، فما أدركته يتحرك بذنبه أو بعينه فاذبح وكل.
5475 - حدثنا حدثنا أبو نعيم، زكرياء، عن عن عامر، - رضي الله عنه - قال: عدي بن حاتم وإن وجدت مع كلبك -أو كلابك- كلبا غيره، فخشيت أن يكون أخذه معه -وقد قتله- فلا تأكل، فإنما ذكرت اسم الله على كلبك ولم تذكره على غيره". "ما أمسك عليك فكل، فإن أخذ الكلب ذكاة، [انظر: 175 - مسلم: 1929 - فتح:9 \ 599]. سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن صيد المعراض، قال: "ما أصاب بحده فكله، وما أصاب بعرضه فهو وقيذ". وسألته عن صيد الكلب، فقال:
الذبائح والصيد
- التسمية على الصيد
- باب صيد المعراض
- باب ما أصاب المعراض بعرضه
- باب صيد القوس
- باب الخذف والبندقة
- باب من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد أو ماشية
- باب إذا أكل الكلب
- باب الصيد إذا غاب عنه يومين أو ثلاثة
- باب إذا وجد مع الصيد الكلب آخر
- باب ما جاء في التصيد
- باب التصيد على الجبال
- باب قوله عز وجل أحل لكم صيد البحر
- باب الجراد
- باب آنية المجوس والميتة
- باب التسمية على الذبيحة، ومن ترك متعمدا
- باب ما ذبح على النصب والأزلام
- باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "فليذبح على اسم الله"
- باب من ذبح قبل الصلاة أعاد
- باب ما أنهر الدم من القصب والمروة والحديد
- باب ذبيحة المرأة والأمة
- باب لا يذكى بالسن والعظم والظفر
- باب ذبيحة الأعراب ونحوهم
- باب ذبائح أهل الكتاب وشحومها من أهل الحرب وغيرهم
- باب ما ند من البهائم فهو بمنزلة الوحش
- باب النحر والذبح
- باب ما يكره من المثلة والمصبورة والمجثمة
- باب الدجاج
- باب لحوم الخيل
- باب لحوم الحمر الإنسية
- باب أكل كل ذي ناب من السباع
- باب جلود الميتة
- باب المسك
- باب الأرنب
- باب الضب
- باب إذا وقعت الفأرة في السمن الجامد أو الذائب
- باب الوسم والعلم في الصورة
- باب إذا أصاب قوم غنيمة فذبح بعضهم غنما أو إبلا بغير أمر أصحابهم، لم تؤكل
- باب إذا ند بعير لقوم فرماه بعضهم بسهم فقتله فأراد إصلاحهم فهو جائز
- باب أكل المضطر
التالي
السابق
ثم ساق حديث - رضي الله عنه -: عدي بن حاتم قال: "ما أصاب بحده فكله، وما أصاب بعرضه فهو وقيذ". وسألته عن صيد الكلب، فقال: "ما أمسك عليك فكله، فإن أخذ الكلب ذكاته، فإن وجدت مع كلبك -أو كلابك- كلبا غيره، فخشيت أن يكون أخذه معه -وقد قتله- فلا تأكل، فإنما ذكرت اسم الله على كلبك ولم تذكر على غيره". صيد المعراض، سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن
الشرح:
هذا الحديث سلف في البيوع، ويأتي في التوحيد ، وكرره هنا [ ص: 315 ] متنا، وأخرجه باقي الجماعة ، ولما ذكر الآية الأولى قال: كل ما تناوله الإنسان بيده أو برمحه أو بشيء من سلاحه فأنفذه وبلغ مقاتله فهو صيد . مالك
قال والذي تناله الأيدي الفراخ والبيض، والذي تناله الرماح مما كان كبيرا فاستدل بهذه الآية على مجاهد: وعلى منعه. إباحة الصيد،
والأنعام: الإبل والبقر والغنم، وقال قابوس بن أبي ظبيان: ذبحنا بقرة، فأخذ الغلمان من بطنها ولدا ضخما قد أشعر فشووه ثم أتوا به أبا ظبيان فقال: أنا - رضي الله عنهما - أن هذا ابن عباس بهيمة الأنعام . والأول أبين; لأن بعده إلا ما يتلى عليكم [المائدة: 1] وليس في الأجنة ما يستثنى، وقيل لها بهيمة; لأنها أبهمت عن التميز.
وقوله: ( وأنتم حرم ) أي: محرمون، وواحد حرم: حرام، والشعائر: الهدايا، أي: معلمة، وشعيرة: بمعنى مشعرة، وقال مجاهد: شعائر الله : الصفا والمروة والحرم .
[ ص: 316 ] فالمعنى على هذا: لا تحلوا والتقدير: لا تحلوا لأنفسكم شعائر الله، فمن قال: هي: البدن، فالآية عنده منسوخة، قال الصيد في الحرم، ليس في المائدة آية منسوخة إلا الشعبي: يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله [المائدة: 2] وقال نسختها قتادة: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم [التوبة: 5] وكانوا منعوا من قتالهم في الشهر الحرام، وإذا كانوا آمين البيت الحرام .
وقوله: ( ولا الشهر الحرام ) هو رجب.
وقوله: ( ولا الهدي ) واحد الهدي: هدية مثل: تمرة وتمر،
وقوله: ( ولا القلائد ) قال الضحاك وعطاء: كانوا يأخذون من شجر الحرم، فلا يقربون إذا زوي عليهم .
وقوله: ( يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا ) قال الأجر والتجارة . مجاهد:
وقوله: ( وإذا حللتم فاصطادوا ) أمر بعد حظر وليس بحتم.
وقول (العقود ..) إلى آخره. أخرجه ابن عباس: إسماعيل بن أبي زياد الشامي في "تفسيره" عنه، وقد فسر يجرمنكم شنآن قوم [المائدة: 2] على (العداوى) ، وقرأ بضم الياء ، وتقرأ (شنآن) بفتح النون وسكونها، وأنكر السكون من قال: لا يكون المصدر على فعلان. الأعمش
[ ص: 317 ] وقوله: ( حرمت عليكم الميتة ) هو بسكون الياء، وتشديدها، قال فريق من اللغويين: هما بمعنى.
وقيل: ( الميتة ): التي ماتت و (الميتة): التي لم تمت بعد.
وروي أنهم كانوا يجعلون الدم في المباعر ثم يشوونها ويأكلونها، فحرم الله تعالى الدم المسفوح: وهو المصبوب.
وقد فسر ( والمنخنقة ): وكذا والموقوذة يقال: وقذه وأوقذه، و (الموقوذة) من: وقذه، وقوله: (بالخشب يوقذها). من: أوقذ.
وقوله: ( وما أكل السبع ) أي: افترسه فأكل بعضه، وقرأ الحسن بإسكان الباء; استثقالا للضمة، وهي قراءة [المعلى] عن عاصم.
وقوله: ( إلا ما ذكيتم ) أصل التذكية في اللغة: التمام، واختلف في هذا الاستثناء فقيل: معناه إلا ما أدركتم من هذه المسميات ذكاته فذكيتموه، وقال يؤكل . الشافعي:
وقال معنى الآية: لكن ما ذكيتم من غير هذه المذكورات فهو حلال، وقال: (هو) مثل قوله تعالى: القاضي إسماعيل: طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى [طه: 1 - 3] .
[ ص: 318 ] فصل:
الاصطياد مباح لمن واختلف اصطاد للاكتساب والحاجة والانتفاع بالأكل أو الثمن، وتمكن من قصد تذكيته والإباحة والانتفاع، فكرهه فيمن صاده للهو وقال: إن كان من شأنه الصيد للذة يجوز شهادته إن كان لم يضيع فريضة وشبهها . مالك
وأجازه الليث وابن عبد الحكم ، فإن فعله بغير نية (التذكية) فهو حرام; لأنه فساد في الأرض وإتلاف نفس عبثا، وقد نهى - عليه السلام - عن إلا لمأكله، ونهى أيضا عن قتل الحيوان ففي حديث الإكثار من الصيد: مرفوعا: ابن عباس "من سكن البادية فقد جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن لزم السلطان افتتن".
أخرجه وقال: حسن غريب . وأعله الترمذي الكرابيسي بأبي موسى أحد رواته وقال: حديثه ليس بالقائم.
وروي أيضا من حديث - رضي الله عنه - بإسناد ضعيف . أبي هريرة
[ ص: 319 ] وروي أيضا من حديث ، قال البراء بن عازب تفرد به الدارقطني: شريك .
فصل:
حديث عدي هذا أخرجه هنا عن أبي نعيم: ثنا زكريا، عن عامر، عنه، وسلف في الطهارة، في باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان، وفي أوائل البيوع في باب تفسير المشبهات من حديث عن شعبة، ابن أبي السفر، عن عنه، ثم ذكره من حديث الشعبي، عن بيان بلفظ: الشعبي . "وإذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله فكل"
واعترض ابن المنير فقال: ليس في الذي ذكره تعرض [للتسمية] المترجم لها إلا آخر الحديث، فعده بيانا لما أجملته الأدلة من التسمية، وكذلك أدخل الجميع تحت الترجمة، وعند أهل الأصول نظر في المجمل إذا اقترنت به قرينة لفظية مثبتة، هل يكون الدليل المجمل معها أو إياها خاصة .
[ ص: 320 ] وذكره بألفاظ أخر ستأتي. البخاري
ولمسلم: . "كل ما خزق، وإذا أرسلت كلبك، فإن أمسك عليك فأدركته حيا، فاذبحه، وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله، وإن وجدت مع كلبك كلبا غيره، وقد قتل: فلا تأكل"
وذكره من طرق منها: طريق الإسماعيلي يحيى بن سعيد، عن ثنا زكريا بن أبي زائدة; عامر، ثنا عدي. ثم قال: ذكرته لقوله: ثنا عامر ، ثنا عدي. قال: سألت. الحديث.
وذكره في "اختلاف العلماء" من حديث الطحاوي عن سعيد بن جبير، عدي: . سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: إنا أهل صيد، يرمي أحدنا الصيد فيغيب عنه الليلة والليلتين، ثم يجد أثره بعدما (وضح) ، فيجد فيه سهما. قال: "إذا وجدت سهمك فيه، ولم تجد به أثر سبع، وعلمت أن سهمك قتله، فكل منه"
ولأبي داود: "إذا رميت بسهمك، فوجدته من الغد ولم تجده في ماء ولا فيه أثر غير سهمك". وفي لفظ: "ما علمت من كلب أو باز فكل مما أمسكن عليك"، قلت: وإن قتله قال: "إذا [قتله و] لم يأكل منه شيئا فإنما أمسكه عليك".
[ ص: 321 ] وفي لفظ: . أحدنا يرمي الصيد فيقتفي أثره اليومين والثلاثة ثم يجده ميتا وفيه سهمه أيأكل؟! قال: "نعم إن شاء"
ولابن وهب في "مسنده" -بإسناد لا بأس به- قلت: يا رسول الله، إن أحدنا يصيد الصيد ولم يكن معه شيء يذكيه به إلا مروة أو شقة عصاة، فقال: "أمر الدم بما شئت واذكر اسم الله تعالى".
ولابن منيع البغوي في "معجمه" : من حديث عن الأعمش، إبراهيم، عن عدي: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا رميته بسهمك وسميت فخزق فكل، وإن لم يخزق فلا تأكل، ولا تأكل من البندقة إلا ما ذكيت، ولا يأكل من المعراض إلا ما ذكيتم"، في "مصنفه": إن شرب من دمه فلا تأكل، فإنه لم يعلم ما علمته، ومن حديث ولابن أبي شيبة عن مجالد عامر عنه: . سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صيد البازي فقال: "ما أمسك عليك فكل"
فصل:
اختلف العلماء في فروي عن التسمية على الصيد والذبيحة: نافع مولى ابن عمر ومحمد بن سيرين، أنها فريضة، فمن تركها عامدا أو ساهيا لم تؤكل، وهو قول والشعبي وأهل الظاهر . أبي ثور
[ ص: 322 ] وذهب مالك والثوري وأصحابه إلى أنه إن تركها عامدا لم تؤكل، وإن تركها ناسيا أكلت، قال وأبو حنيفة هو بمنزلة من ذبح ونسي، يأكل ويسمي . مالك:
قال وهو قول ابن المنذر: ابن عباس وأبي هريرة وابن المسيب والحسن بن صالح وطاوس وعطاء والحسن البصري والنخعي وابن أبي ليلى وجعفر بن محمد والحكم وربيعة وأحمد وإسحاق.
ورواه في "المصنف" عن الزهري ، وقال وقتادة إن لم يتركها استخفافا أكلت . أشهب:
وقال عيسى وأصبغ: هي حرام عند العمد.
وقال يؤكلان عمدا ونسيانا. الشافعي:
روي ذلك عن أبي هريرة وابن عباس وعطاء وقال لا يضرك، إنما ذبحت بدينك. ابن عباس:
وعن رواية -وهي المذهب كما قال في "المغني"- أنها شرط إن تركها عمدا أو سهوا فهو ميتة. أحمد
ورواية: إن تركها على إرسال السهم ناسيا أكل، وإن تركها على الكلب أو العمد لم تؤكل ، وقال التسمية على الذبح والصيد واجبة; بدلالة الكتاب والسنة. ابن المنذر:
[ ص: 323 ] واحتج أصحاب بأن المجوسي لو سمى الله لم ينتفع بتسميته; لأن المراعى دينه، وكذا المسلم إذا تركها عامدا لا يضره; لأن المراعى دينه، وبهذا قال الشافعي سعيد بن المسيب وعطاء وابن أبي ليلى، كما نقله وكان ابن بطال، الأبهري وابن الجهم يقولان: إن قول أن من تعمد ترك التسمية لم تؤكل كراهة وتنزيها، ووافقهما مالك ابن القصار.
واستدل ابن القصار على عدم وجوبها بقوله تعالى: فكلوا مما أمسكن عليكم [المائدة: 4] فأمر بأكل ذلك، ثم عطف على الأكل بقوله: واذكروا اسم الله عليه [المائدة: 4] والهاء في عليه ضمير الأكل; لأنه أقرب مذكور، لا يقال (أن) الهاء في عليه عائدة على الإرسال إذ لو كانت شرطا لذكرت قبله ولم يذكرها بعده، ولما قال: فكلوا مما أمسكن عليكم [المائدة: 4] وقال: [بعد] تقدم الأكل واذكروا اسم الله عليه ، لم يخل أن يريد بالتسمية على الإمساك الذي قد حصل، فإذا أمسك علينا حينئذ سمى، أو يريد التسمية على الأكل فبطل أن يريد بالتسمية بعد الإمساك علينا من غير أكل; لأنه ليس بقول لأحد; لأن الناس على قولين: إما أن تكون التسمية قبل، أو عند الأكل، وإنما أمر الله تعالى بنسخ أمر الجاهلية التي كانت تذكر اسم طواغيتها على صيدها وذبائحها .
وقد روى عن مالك عن أبيه قال: هشام بن عروة
[ ص: 324 ] أسموا الله عليها أم لا؟ فقال - عليه السلام -: "سموا الله عليها وكلوا" ، وسيأتي في سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقيل: يا رسول الله: إن ناسا من أهل البادية يأتوننا بلحمان، لا ندري من حديث البخاري أسامة بن حفص، عن هشام، عن أبيه، عن - رضي الله عنها - . عائشة
واحتج من أوجبها بحديث الباب، حيث علل له بأن قال: إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره، فأباح أكل الصيد الذي يجد عليه كلبه; لأنه ذكر الله عليه، فدليله أنه إذا لم يسم فلا يأكل.
أجاب المخالف أنا إن قلنا بدليل الخطاب فإنا نقول: إن لم يسم فلا يأكل; كراهية وتنزيها لما أسلفناه من الأدلة.
واحتج أيضا بالآية، ومن المعنى: أنه شيء قد ورد الشرع فيه أنه فسق يوجب تحريمه أصله سائر الفسوق، وجوابه: أن المراد به وما أهل لغير الله [المائدة: 3]. احتج أصحاب بقوله: الشافعي حرمت عليكم الميتة [المائدة: 3] إلى قوله: إلا ما ذكيتم [المائدة: 3] فأباح المذكى ولم يذكر التسمية.
فإن قلت: لا يكون مذكى إلا بالتسمية
قلت: الشق، وقد وجد. الذكاة في اللغة:
وقال احتج المالكيون والحنفيون بما روينا من جهة ابن حزم: ثنا سعيد بن منصور: ثنا عيسى بن يونس: الأحوص بن حكيم، عن راشد، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: وهو مرسل، "ذبيحة المسلم حلال وإن لم يسم إذا لم يتعمد" والأحوص ليس بشيء، وراشد ضعيف. وبخبر آخر من جهة ثنا وكيع، ثور الشامي، عن الصلت -مولى سويد- قال
[ ص: 325 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وهذا مرسل "ذبيحة المسلم حلال وإن نسي أن يذكر الله"، والصلت مجهول.
واحتجوا بقوله: وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به [الأحزاب: 5] وقال - عليه السلام -: . "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان"
فصل:
قال وثبت ابن المنذر: قال أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول إذا ذبح: "باسم الله والله أكبر" وكان ابن المنذر: يقول ذلك، وبه قال ابن عمر وأصحاب الرأي . أحمد
وقال لا يذكر أحدا ولا يصلي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وأنكر الليث: ذلك وقال: لا أرى بأسا أن يصلي . الشافعي
فصل:
سؤال عدي يحتمل أن يكون لمعرفة طلب الحكم قبل الإقدام عليه، وقد قال بعض أهل العلم: لا يجوز الإقدام على الفعل إلا بعد معرفة الحكم.
ويحتمل أن يكون علم أصل الإباحة، وسأل عن أمور اقتضت عنده الشك في بعض الصور أو قيام مانع من الإباحة التي علم أصلها.
فصل:
اختلف العلماء في فذكر ذكاة ما سلف في الآية من المتردية والنطيحة والموقوذة والمنخنقة. عن ابن حبيب ابن الماجشون وابن
[ ص: 326 ] عبد الحكم أن ما أصاب هذه من نثر الدماغ والحشوة أو قرض المصران أو شق الأوداج وانقطاع النخاع فلا يؤكل وإن ذكيت، فأما كسر الرأس ولم ينثر الدماغ أو شق الجوف ولم تنتثر الحشوة ولا انشق المصران أو كسر الصلب ولم ينقطع النخاع، فهذه تؤكل إن ذكيت إن أدرك الروح فيها ولم تزهق أنفسها، فإن لم يكن من هذه المقاتل شيء ويئس لها من الحياة، وأشكل أمرها فذبحت فلا تؤكل وإن طرفت بعينها واستفاض نفسها عند الذبح، وقد كان أصبغ وابن القاسم" يحلان أكلها ولا يريان دق العنق مقتلا حتى ينقطع النخاع، قالا: وهو" المخ الأبيض الذي في داخل العنق والظهر، وليس النخاع عندنا إلا دق العنق وإن لم ينقطع المخ. كذلك قال ابن الماجشون ومطرف عن قال مالك، وأما انكسار الصلب ففيه يحتاج إلى انقطاع المخ الذي في الفقار، فإن انقطع فهو مقتل وإن لم ينقطع فليس بمقتل; لأنه قد يبرأ على حدث ويعيش، وقال ابن حبيب: أبو يوسف والحسن بن حي بقول ابن الماجشون وابن عبد الحكم قالا: إذا بلغ التردي وشبهه حالا لا تعيش من مثله لم تؤكل وإن ذكيت قبل الموت.
واحتج لهذا القول فقال: تأويل قوله تعالى: ابن حبيب إلا ما ذكيتم [المائدة: 3] يعني: في الحياة القائمة فمات بتذكيتكم لا في حال اليأس منها ; لأن الذكاة لا تقع عليها وإن تحركت; لأن تلك الحركة إلى الموت من الذي قد سبق إليها; لأنه هو الذي أماتها، فإجراء الشفرة عليها وتلك حالها لا يحلها ولا يذكيها، كما أن
[ ص: 327 ] المذبوحة التي قد قطعت الشفرة حلقومها وأوداجها إذا سقط عليها جدار قبل زهق نفسها أو أصابها غرق أو تردي لا يضرها ولا يحرمها; لأن الذي سبق إليها من التذكية قبل التردي أو غيره هو الذي أماتها وأحلها .
وفيها قول آخر: روى عن الشعبي، الحارث عن علي - رضي الله عنه - قال: إذا أدركت ذكاة الموقوذة والمتردية والنطيحة، وهي تحرك يدا أو رجلا فكلها .
وعن ابن عباس - رضي الله عنهم - مثله، وإليه ذهب وأبي هريرة النخعي والشعبي وطاوس والحسن وقتادة وأبو حنيفة وقالوا: يدرك ذكاته وفيه حياة ما كانت، فإنه ذكي إذا ذكي قبل أن يموت. والثوري
وهو قول الأوزاعي والليث والشافعي وأحمد وإسحاق، وعليه الجمهور .
واحتج له وذكر تأويل القاضي إسماعيل، وأصحابه في قوله: قتادة إلا ما ذكيتم [المائدة: 3] قالوا: يعني: من هذه إذا طرفت بعينها أو حركت ذنبها أو أذنها أو ركضت برجلها فذك وكل . واحتج بعض الفقهاء (لصحته) بأن - رضي الله عنه - كانت جراحته مثقلة وصحت عهوده وأوامره، ولو قتله قاتل في ذلك الوقت كان عليه القود، قال عمر
[ ص: 328 ] ولم يختلفوا في الأنعام إذا أصابتها الأمراض المثقلة التي قد تعيش معها مدة قصيرة أو طويلة أن ذكاتها الذبح، فكذلك ينبغي في القياس أن يكون حكم المتردية ونحوها . الطحاوي:
وقال إسماعيل بن إسحاق: بلغني عن بعض من يتكلم في الفقه أن قوله تعالى: إلا ما ذكيتم [المائدة: 3] إنما هو على ما أكله السبع خاصة، وأحسبه توهم ذلك; لأن الاستثناء يلي ما أكل السوابع، وإنما وقع في الاستثناء على ما ذكر في الآية كما قال قتادة: إلا ما ذكيتم أي: ولكن ما ذكيتم، كما قال تعالى: فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس [يونس: 98] يعني: ولكن قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم، وإنما كان أهل الجاهلية يأكلون كل ما مات وكل ما قتل، فأعلم الله تعالى المسلمين أن وأن المقتولة لا تحل إلا بالتذكية، كله، وهي لا تسمى موقوذة حتى تموت بالذي فعل بها، وكذلك المتردية والنطيحة وما أكل السبع، ولو أن متردية تردت فلم تمت من ترديها، أو شاة عضها سبع أو أكل من لحمها ولم تمت من ذلك، لما كانت داخلة في هذا الحكم، ولما سميت أكيلة السبع; لأنه لم يقتلها، وإنما تسمي العرب أكيلة السبع التي قتلها فأكل منها وبقي منها، فإن العرب تقول للباقي هذه أكيلة السبع فنهوا عن ذلك الباقي، وأعلموا أن قتل السبع وغيره مما ذكر لا يقوم مقام التذكية، وإن كان ذلك كله قتلا; لأن في التذكية التي أمر الله بها خصوصا في تحليل الذبيحة. المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع حرام
[ ص: 329 ] وقال أكيلة السبع هو الذي صاده السبع فأكل منه وبقي بعضه، وإنما هو فريسة. والنصب: حجارة حول أبو عبيد: الكعبة، كان يذبح عليها أهل الجاهلية .
فصل:
في حديث عدي فوائد:
أولها: أن قتل الكلب المعلم ذكاة.
ثانيها: أنه إذا أكل فليس بمعلم.
وهذا مذهب الشافعي كما ستعلمه. وأبي حنيفة،
ثالثها: لأن الأصل أنه حرام إلا بذكاة، فإذا خالط غير كلبه صار في شك من ذكاته، وهذا مذهب إذا شك في الذكاة فلا يأكل; مالك.
رابعها: أن عدم التسمية يمنع الأكل; لتعليله في المنع بقوله: "فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره".
خامسها: أن محل الآية السالفة ورماحكم [المائدة: 94] هو أن يصيب على الوجه المعتاد وهو حد الرمح.
والمعراض: (بكسر الميم) خشبة ثقيلة في طرفها حديدة يرمى الصيد بها، وقد يكون بغير حديدة، فما أصاب بعده فهو وجه ذكاة فيؤكل، وما أصاب بعرضه فهو وقيذ. وعبارة الهروي: هو سهم ريش فيه ولا نصل .
[ ص: 330 ] وقال هو سهم طويل له أربع قذذ رقاق، فإذا رمي به اعترض . ابن دريد:
وقيل: هو عود رقيق الطرفين غليظ الوسط، فإذا رمى به ذهب مستويا.
وقال هو نصل عريض له ثقل ورزانة. ابن الجوزي:
وفي "الموطأ" أن كان يكره ما قتل المعارض والبندقة ، لعله يريد بعرضه; لأنه بينه - عليه السلام - في حديث عدي هذا. القاسم بن محمد
وقال في "المعونة": المعراض: خشبة عريضة في رأسها كالزج، يلقيها الفارس على الصيد، فربما أصابته الحديدة فجرحت وأسالت دمه فيؤكل; لأنه كالسيف والرمح، وربما أصابته الخشبة فترضه أو تشدخه، فيكون وقيذا فلا يؤكل ، وقال أبو سليمان: (العارض) : نصل عريض له ثقل ورزانة ، وكأن أخذ منه. ابن الجوزي
فصل:
قوله - عليه السلام -: ("فإن أخذ الكلب ذكاته") قد يؤخذ منه أن الكلب لا يشترط في صفة تعليمه ألا يأكل، وهو شرط عند أبي حنيفة خلافا والشافعي، وبقوله قال لمالك سلمان الفارسي وسعد بن أبي وقاص وعلي وابن عمر ومن التابعين: وأبو هريرة، سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار والحسن والزهري وربيعة، وهو قول مالك والليث
[ ص: 331 ] لقوله تعالى: والأوزاعي فكلوا مما أمسكن عليكم [المائدة: 4]، ومن القياس: ذكاة يستباح بها الصيد، فلا يفسد بأكله منه أصله إذا ذبح .
وتعلق الأولون بقوله في الباب الآتي: "فإن أكل فلا تأكل، فإنه لم يمسك عليك إنما أمسك على نفسه" قال الأولون: هو عام، فيحمل على الذي أدركه ميتا من الجري أو الصدمة يأكل منه، فإنه قد صار إلى صفة لا يتعلق بها الإرسال والإمساك علينا، فلذلك لم يكن ممسكا عليه، يوضحه قوله: "ما أمسك عليك فكله، فإن أخذ الكلب ذكاة". والحديث واحد.
ويحتمل أن يريد بقوله: "إن أكل فلا تأكل" ألا يؤخذ منه غير مجرد الأكل دون إرسال الصيد، ويكون قوله: "فإن أكل فلا تأكل". مقطوعا مما قبله.
ومعنى: إمساكه علينا -عند القاضي أبي الحسن- أن يمسك بإرسالنا; لأن الكلب لا نية له ولا يصح منه ميز هذا، وإنما يتقصد بالتعليم، فإذا كان الاعتبار بأن يمسك علينا وعلى نفسه، وكان الحكم مختلفا بذلك وجب أن يتميز بذلك بنية من له نية وهو مرسله، فإذا أرسله فقد أمسك عليه، وإن لم يرسله فلم يمسكه عليه.
وقال معنى: ابن حبيب: فكلوا مما أمسكن عليكم ، أي: مما صدن لكم .
وقال القاضي في "شرح الرسالة": في حديث عدي خلاف; لأن
[ ص: 332 ] هذه اللفظة يقال: ذكرها ولم يذكرها الشعبي (هشام وابن أبي مطر) على أنه معارض بما روى أنه قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كل وإن أكل منه" أخرجه أبو ثعلبة الخشني أبو داود، ولم يضعفه ، فيحمل حديث عدي على التنزيه، وحديث على الجواز; قالوا: وكان أبي ثعلبة عدي موسعا عليه فأفتاه بالكف تورعا، وأبو ثعلبة كان محتاجا، فأفتاه بالجواز.
قال أبو الحسن: وما كان من طريق همام أثبت مما يروى عن والشعبي عدي، ولم يختلف على همام واختلف على وقد قال بعد: "فإني أخاف أن يكون مما أمسك على نفسه" وهذا علة فيه. الشعبي،
قلت: وفي إسناد أبي داود: داود بن عمرو الدمشقي، وثقه وفي رواية يحيى بن معين، الأزدي: مشهور. وقال حديثه مقارب. وقال أحمد: أبو زرعة: لا بأس به. وقال لا أرى بروايته بأسا. وقال ابن عدي: صالح. وقال أبو داود: شيخ. وقال أبو حاتم: العجلي: ليس بالقوي. وذكره في "ثقاته"، وكذا ابن حبان ابن شاهين وابن خلفون، وقال يعتبر به. وقال الدارقطني: العجلي: يكتب حديثه. هذا ما نعرفه في ترجمته .
[ ص: 333 ] وأما فغلا وقال: هذا حديث لا يصح، ابن حزم هذا ضعيف، ضعفه وداود وقد ذكر بالكذب، ثم قال: فإن لجوا وقالوا: هو ثقة. قلنا: لا عليكم وثقتموه هنا، وأما نحن فلا نحتج به ولا نقبله. أحمد
وعند من حديث ابن حزم: عن الثوري، عن سماك، مري بن قطري عن عدي قلت: وإن أكل، قال: "نعم".
ولابن سعد عن شيخه : ثنا محمد بن عبد الله ابن أخي الزهري، عن أبي عمير الطائي عن عن أبيه -وهو (من) أبي النعمان، سعد هذيم- وصح عن قلت: يا رسول الله، إنا أصحاب قنص فقال: "إذا أرسلت كلبك المعلم، وذكرت اسم الله، فقتل، فكل"، قلنا: وإن أكل نأكل؟ قال: "نعم". أنه قال: "كل مما أكل منه كلبك المعلم" . ابن عمر
واحتج بعض المالكية بالإجماع على أنه إذا وجد الكلب ساعة أخذ أنه يؤخذ من فيه ويؤكل، فلو كان أكله منه يمنع من أكله لوقف; حتى ينظر هل يأكل أم لا. قاله في "المعونة" ، وفي "القنية" للحنفية: يحل الكل . لو أرسل كلبه فأخذ صيدا كثيرا بتسمية واحدة بغير اشتغال الكلب بشيء، ولا ترك،
الشرح:
هذا الحديث سلف في البيوع، ويأتي في التوحيد ، وكرره هنا [ ص: 315 ] متنا، وأخرجه باقي الجماعة ، ولما ذكر الآية الأولى قال: كل ما تناوله الإنسان بيده أو برمحه أو بشيء من سلاحه فأنفذه وبلغ مقاتله فهو صيد . مالك
قال والذي تناله الأيدي الفراخ والبيض، والذي تناله الرماح مما كان كبيرا فاستدل بهذه الآية على مجاهد: وعلى منعه. إباحة الصيد،
والأنعام: الإبل والبقر والغنم، وقال قابوس بن أبي ظبيان: ذبحنا بقرة، فأخذ الغلمان من بطنها ولدا ضخما قد أشعر فشووه ثم أتوا به أبا ظبيان فقال: أنا - رضي الله عنهما - أن هذا ابن عباس بهيمة الأنعام . والأول أبين; لأن بعده إلا ما يتلى عليكم [المائدة: 1] وليس في الأجنة ما يستثنى، وقيل لها بهيمة; لأنها أبهمت عن التميز.
وقوله: ( وأنتم حرم ) أي: محرمون، وواحد حرم: حرام، والشعائر: الهدايا، أي: معلمة، وشعيرة: بمعنى مشعرة، وقال مجاهد: شعائر الله : الصفا والمروة والحرم .
[ ص: 316 ] فالمعنى على هذا: لا تحلوا والتقدير: لا تحلوا لأنفسكم شعائر الله، فمن قال: هي: البدن، فالآية عنده منسوخة، قال الصيد في الحرم، ليس في المائدة آية منسوخة إلا الشعبي: يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله [المائدة: 2] وقال نسختها قتادة: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم [التوبة: 5] وكانوا منعوا من قتالهم في الشهر الحرام، وإذا كانوا آمين البيت الحرام .
وقوله: ( ولا الشهر الحرام ) هو رجب.
وقوله: ( ولا الهدي ) واحد الهدي: هدية مثل: تمرة وتمر،
وقوله: ( ولا القلائد ) قال الضحاك وعطاء: كانوا يأخذون من شجر الحرم، فلا يقربون إذا زوي عليهم .
وقوله: ( يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا ) قال الأجر والتجارة . مجاهد:
وقوله: ( وإذا حللتم فاصطادوا ) أمر بعد حظر وليس بحتم.
وقول (العقود ..) إلى آخره. أخرجه ابن عباس: إسماعيل بن أبي زياد الشامي في "تفسيره" عنه، وقد فسر يجرمنكم شنآن قوم [المائدة: 2] على (العداوى) ، وقرأ بضم الياء ، وتقرأ (شنآن) بفتح النون وسكونها، وأنكر السكون من قال: لا يكون المصدر على فعلان. الأعمش
[ ص: 317 ] وقوله: ( حرمت عليكم الميتة ) هو بسكون الياء، وتشديدها، قال فريق من اللغويين: هما بمعنى.
وقيل: ( الميتة ): التي ماتت و (الميتة): التي لم تمت بعد.
وروي أنهم كانوا يجعلون الدم في المباعر ثم يشوونها ويأكلونها، فحرم الله تعالى الدم المسفوح: وهو المصبوب.
وقد فسر ( والمنخنقة ): وكذا والموقوذة يقال: وقذه وأوقذه، و (الموقوذة) من: وقذه، وقوله: (بالخشب يوقذها). من: أوقذ.
وقوله: ( وما أكل السبع ) أي: افترسه فأكل بعضه، وقرأ الحسن بإسكان الباء; استثقالا للضمة، وهي قراءة [المعلى] عن عاصم.
وقوله: ( إلا ما ذكيتم ) أصل التذكية في اللغة: التمام، واختلف في هذا الاستثناء فقيل: معناه إلا ما أدركتم من هذه المسميات ذكاته فذكيتموه، وقال يؤكل . الشافعي:
وقال معنى الآية: لكن ما ذكيتم من غير هذه المذكورات فهو حلال، وقال: (هو) مثل قوله تعالى: القاضي إسماعيل: طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى [طه: 1 - 3] .
[ ص: 318 ] فصل:
الاصطياد مباح لمن واختلف اصطاد للاكتساب والحاجة والانتفاع بالأكل أو الثمن، وتمكن من قصد تذكيته والإباحة والانتفاع، فكرهه فيمن صاده للهو وقال: إن كان من شأنه الصيد للذة يجوز شهادته إن كان لم يضيع فريضة وشبهها . مالك
وأجازه الليث وابن عبد الحكم ، فإن فعله بغير نية (التذكية) فهو حرام; لأنه فساد في الأرض وإتلاف نفس عبثا، وقد نهى - عليه السلام - عن إلا لمأكله، ونهى أيضا عن قتل الحيوان ففي حديث الإكثار من الصيد: مرفوعا: ابن عباس "من سكن البادية فقد جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن لزم السلطان افتتن".
أخرجه وقال: حسن غريب . وأعله الترمذي الكرابيسي بأبي موسى أحد رواته وقال: حديثه ليس بالقائم.
وروي أيضا من حديث - رضي الله عنه - بإسناد ضعيف . أبي هريرة
[ ص: 319 ] وروي أيضا من حديث ، قال البراء بن عازب تفرد به الدارقطني: شريك .
فصل:
حديث عدي هذا أخرجه هنا عن أبي نعيم: ثنا زكريا، عن عامر، عنه، وسلف في الطهارة، في باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان، وفي أوائل البيوع في باب تفسير المشبهات من حديث عن شعبة، ابن أبي السفر، عن عنه، ثم ذكره من حديث الشعبي، عن بيان بلفظ: الشعبي . "وإذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله فكل"
واعترض ابن المنير فقال: ليس في الذي ذكره تعرض [للتسمية] المترجم لها إلا آخر الحديث، فعده بيانا لما أجملته الأدلة من التسمية، وكذلك أدخل الجميع تحت الترجمة، وعند أهل الأصول نظر في المجمل إذا اقترنت به قرينة لفظية مثبتة، هل يكون الدليل المجمل معها أو إياها خاصة .
[ ص: 320 ] وذكره بألفاظ أخر ستأتي. البخاري
ولمسلم: . "كل ما خزق، وإذا أرسلت كلبك، فإن أمسك عليك فأدركته حيا، فاذبحه، وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله، وإن وجدت مع كلبك كلبا غيره، وقد قتل: فلا تأكل"
وذكره من طرق منها: طريق الإسماعيلي يحيى بن سعيد، عن ثنا زكريا بن أبي زائدة; عامر، ثنا عدي. ثم قال: ذكرته لقوله: ثنا عامر ، ثنا عدي. قال: سألت. الحديث.
وذكره في "اختلاف العلماء" من حديث الطحاوي عن سعيد بن جبير، عدي: . سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: إنا أهل صيد، يرمي أحدنا الصيد فيغيب عنه الليلة والليلتين، ثم يجد أثره بعدما (وضح) ، فيجد فيه سهما. قال: "إذا وجدت سهمك فيه، ولم تجد به أثر سبع، وعلمت أن سهمك قتله، فكل منه"
ولأبي داود: "إذا رميت بسهمك، فوجدته من الغد ولم تجده في ماء ولا فيه أثر غير سهمك". وفي لفظ: "ما علمت من كلب أو باز فكل مما أمسكن عليك"، قلت: وإن قتله قال: "إذا [قتله و] لم يأكل منه شيئا فإنما أمسكه عليك".
[ ص: 321 ] وفي لفظ: . أحدنا يرمي الصيد فيقتفي أثره اليومين والثلاثة ثم يجده ميتا وفيه سهمه أيأكل؟! قال: "نعم إن شاء"
ولابن وهب في "مسنده" -بإسناد لا بأس به- قلت: يا رسول الله، إن أحدنا يصيد الصيد ولم يكن معه شيء يذكيه به إلا مروة أو شقة عصاة، فقال: "أمر الدم بما شئت واذكر اسم الله تعالى".
ولابن منيع البغوي في "معجمه" : من حديث عن الأعمش، إبراهيم، عن عدي: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا رميته بسهمك وسميت فخزق فكل، وإن لم يخزق فلا تأكل، ولا تأكل من البندقة إلا ما ذكيت، ولا يأكل من المعراض إلا ما ذكيتم"، في "مصنفه": إن شرب من دمه فلا تأكل، فإنه لم يعلم ما علمته، ومن حديث ولابن أبي شيبة عن مجالد عامر عنه: . سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صيد البازي فقال: "ما أمسك عليك فكل"
فصل:
اختلف العلماء في فروي عن التسمية على الصيد والذبيحة: نافع مولى ابن عمر ومحمد بن سيرين، أنها فريضة، فمن تركها عامدا أو ساهيا لم تؤكل، وهو قول والشعبي وأهل الظاهر . أبي ثور
[ ص: 322 ] وذهب مالك والثوري وأصحابه إلى أنه إن تركها عامدا لم تؤكل، وإن تركها ناسيا أكلت، قال وأبو حنيفة هو بمنزلة من ذبح ونسي، يأكل ويسمي . مالك:
قال وهو قول ابن المنذر: ابن عباس وأبي هريرة وابن المسيب والحسن بن صالح وطاوس وعطاء والحسن البصري والنخعي وابن أبي ليلى وجعفر بن محمد والحكم وربيعة وأحمد وإسحاق.
ورواه في "المصنف" عن الزهري ، وقال وقتادة إن لم يتركها استخفافا أكلت . أشهب:
وقال عيسى وأصبغ: هي حرام عند العمد.
وقال يؤكلان عمدا ونسيانا. الشافعي:
روي ذلك عن أبي هريرة وابن عباس وعطاء وقال لا يضرك، إنما ذبحت بدينك. ابن عباس:
وعن رواية -وهي المذهب كما قال في "المغني"- أنها شرط إن تركها عمدا أو سهوا فهو ميتة. أحمد
ورواية: إن تركها على إرسال السهم ناسيا أكل، وإن تركها على الكلب أو العمد لم تؤكل ، وقال التسمية على الذبح والصيد واجبة; بدلالة الكتاب والسنة. ابن المنذر:
[ ص: 323 ] واحتج أصحاب بأن المجوسي لو سمى الله لم ينتفع بتسميته; لأن المراعى دينه، وكذا المسلم إذا تركها عامدا لا يضره; لأن المراعى دينه، وبهذا قال الشافعي سعيد بن المسيب وعطاء وابن أبي ليلى، كما نقله وكان ابن بطال، الأبهري وابن الجهم يقولان: إن قول أن من تعمد ترك التسمية لم تؤكل كراهة وتنزيها، ووافقهما مالك ابن القصار.
واستدل ابن القصار على عدم وجوبها بقوله تعالى: فكلوا مما أمسكن عليكم [المائدة: 4] فأمر بأكل ذلك، ثم عطف على الأكل بقوله: واذكروا اسم الله عليه [المائدة: 4] والهاء في عليه ضمير الأكل; لأنه أقرب مذكور، لا يقال (أن) الهاء في عليه عائدة على الإرسال إذ لو كانت شرطا لذكرت قبله ولم يذكرها بعده، ولما قال: فكلوا مما أمسكن عليكم [المائدة: 4] وقال: [بعد] تقدم الأكل واذكروا اسم الله عليه ، لم يخل أن يريد بالتسمية على الإمساك الذي قد حصل، فإذا أمسك علينا حينئذ سمى، أو يريد التسمية على الأكل فبطل أن يريد بالتسمية بعد الإمساك علينا من غير أكل; لأنه ليس بقول لأحد; لأن الناس على قولين: إما أن تكون التسمية قبل، أو عند الأكل، وإنما أمر الله تعالى بنسخ أمر الجاهلية التي كانت تذكر اسم طواغيتها على صيدها وذبائحها .
وقد روى عن مالك عن أبيه قال: هشام بن عروة
[ ص: 324 ] أسموا الله عليها أم لا؟ فقال - عليه السلام -: "سموا الله عليها وكلوا" ، وسيأتي في سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقيل: يا رسول الله: إن ناسا من أهل البادية يأتوننا بلحمان، لا ندري من حديث البخاري أسامة بن حفص، عن هشام، عن أبيه، عن - رضي الله عنها - . عائشة
واحتج من أوجبها بحديث الباب، حيث علل له بأن قال: إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره، فأباح أكل الصيد الذي يجد عليه كلبه; لأنه ذكر الله عليه، فدليله أنه إذا لم يسم فلا يأكل.
أجاب المخالف أنا إن قلنا بدليل الخطاب فإنا نقول: إن لم يسم فلا يأكل; كراهية وتنزيها لما أسلفناه من الأدلة.
واحتج أيضا بالآية، ومن المعنى: أنه شيء قد ورد الشرع فيه أنه فسق يوجب تحريمه أصله سائر الفسوق، وجوابه: أن المراد به وما أهل لغير الله [المائدة: 3]. احتج أصحاب بقوله: الشافعي حرمت عليكم الميتة [المائدة: 3] إلى قوله: إلا ما ذكيتم [المائدة: 3] فأباح المذكى ولم يذكر التسمية.
فإن قلت: لا يكون مذكى إلا بالتسمية
قلت: الشق، وقد وجد. الذكاة في اللغة:
وقال احتج المالكيون والحنفيون بما روينا من جهة ابن حزم: ثنا سعيد بن منصور: ثنا عيسى بن يونس: الأحوص بن حكيم، عن راشد، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: وهو مرسل، "ذبيحة المسلم حلال وإن لم يسم إذا لم يتعمد" والأحوص ليس بشيء، وراشد ضعيف. وبخبر آخر من جهة ثنا وكيع، ثور الشامي، عن الصلت -مولى سويد- قال
[ ص: 325 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وهذا مرسل "ذبيحة المسلم حلال وإن نسي أن يذكر الله"، والصلت مجهول.
واحتجوا بقوله: وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به [الأحزاب: 5] وقال - عليه السلام -: . "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان"
فصل:
قال وثبت ابن المنذر: قال أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول إذا ذبح: "باسم الله والله أكبر" وكان ابن المنذر: يقول ذلك، وبه قال ابن عمر وأصحاب الرأي . أحمد
وقال لا يذكر أحدا ولا يصلي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وأنكر الليث: ذلك وقال: لا أرى بأسا أن يصلي . الشافعي
فصل:
سؤال عدي يحتمل أن يكون لمعرفة طلب الحكم قبل الإقدام عليه، وقد قال بعض أهل العلم: لا يجوز الإقدام على الفعل إلا بعد معرفة الحكم.
ويحتمل أن يكون علم أصل الإباحة، وسأل عن أمور اقتضت عنده الشك في بعض الصور أو قيام مانع من الإباحة التي علم أصلها.
فصل:
اختلف العلماء في فذكر ذكاة ما سلف في الآية من المتردية والنطيحة والموقوذة والمنخنقة. عن ابن حبيب ابن الماجشون وابن
[ ص: 326 ] عبد الحكم أن ما أصاب هذه من نثر الدماغ والحشوة أو قرض المصران أو شق الأوداج وانقطاع النخاع فلا يؤكل وإن ذكيت، فأما كسر الرأس ولم ينثر الدماغ أو شق الجوف ولم تنتثر الحشوة ولا انشق المصران أو كسر الصلب ولم ينقطع النخاع، فهذه تؤكل إن ذكيت إن أدرك الروح فيها ولم تزهق أنفسها، فإن لم يكن من هذه المقاتل شيء ويئس لها من الحياة، وأشكل أمرها فذبحت فلا تؤكل وإن طرفت بعينها واستفاض نفسها عند الذبح، وقد كان أصبغ وابن القاسم" يحلان أكلها ولا يريان دق العنق مقتلا حتى ينقطع النخاع، قالا: وهو" المخ الأبيض الذي في داخل العنق والظهر، وليس النخاع عندنا إلا دق العنق وإن لم ينقطع المخ. كذلك قال ابن الماجشون ومطرف عن قال مالك، وأما انكسار الصلب ففيه يحتاج إلى انقطاع المخ الذي في الفقار، فإن انقطع فهو مقتل وإن لم ينقطع فليس بمقتل; لأنه قد يبرأ على حدث ويعيش، وقال ابن حبيب: أبو يوسف والحسن بن حي بقول ابن الماجشون وابن عبد الحكم قالا: إذا بلغ التردي وشبهه حالا لا تعيش من مثله لم تؤكل وإن ذكيت قبل الموت.
واحتج لهذا القول فقال: تأويل قوله تعالى: ابن حبيب إلا ما ذكيتم [المائدة: 3] يعني: في الحياة القائمة فمات بتذكيتكم لا في حال اليأس منها ; لأن الذكاة لا تقع عليها وإن تحركت; لأن تلك الحركة إلى الموت من الذي قد سبق إليها; لأنه هو الذي أماتها، فإجراء الشفرة عليها وتلك حالها لا يحلها ولا يذكيها، كما أن
[ ص: 327 ] المذبوحة التي قد قطعت الشفرة حلقومها وأوداجها إذا سقط عليها جدار قبل زهق نفسها أو أصابها غرق أو تردي لا يضرها ولا يحرمها; لأن الذي سبق إليها من التذكية قبل التردي أو غيره هو الذي أماتها وأحلها .
وفيها قول آخر: روى عن الشعبي، الحارث عن علي - رضي الله عنه - قال: إذا أدركت ذكاة الموقوذة والمتردية والنطيحة، وهي تحرك يدا أو رجلا فكلها .
وعن ابن عباس - رضي الله عنهم - مثله، وإليه ذهب وأبي هريرة النخعي والشعبي وطاوس والحسن وقتادة وأبو حنيفة وقالوا: يدرك ذكاته وفيه حياة ما كانت، فإنه ذكي إذا ذكي قبل أن يموت. والثوري
وهو قول الأوزاعي والليث والشافعي وأحمد وإسحاق، وعليه الجمهور .
واحتج له وذكر تأويل القاضي إسماعيل، وأصحابه في قوله: قتادة إلا ما ذكيتم [المائدة: 3] قالوا: يعني: من هذه إذا طرفت بعينها أو حركت ذنبها أو أذنها أو ركضت برجلها فذك وكل . واحتج بعض الفقهاء (لصحته) بأن - رضي الله عنه - كانت جراحته مثقلة وصحت عهوده وأوامره، ولو قتله قاتل في ذلك الوقت كان عليه القود، قال عمر
[ ص: 328 ] ولم يختلفوا في الأنعام إذا أصابتها الأمراض المثقلة التي قد تعيش معها مدة قصيرة أو طويلة أن ذكاتها الذبح، فكذلك ينبغي في القياس أن يكون حكم المتردية ونحوها . الطحاوي:
وقال إسماعيل بن إسحاق: بلغني عن بعض من يتكلم في الفقه أن قوله تعالى: إلا ما ذكيتم [المائدة: 3] إنما هو على ما أكله السبع خاصة، وأحسبه توهم ذلك; لأن الاستثناء يلي ما أكل السوابع، وإنما وقع في الاستثناء على ما ذكر في الآية كما قال قتادة: إلا ما ذكيتم أي: ولكن ما ذكيتم، كما قال تعالى: فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس [يونس: 98] يعني: ولكن قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم، وإنما كان أهل الجاهلية يأكلون كل ما مات وكل ما قتل، فأعلم الله تعالى المسلمين أن وأن المقتولة لا تحل إلا بالتذكية، كله، وهي لا تسمى موقوذة حتى تموت بالذي فعل بها، وكذلك المتردية والنطيحة وما أكل السبع، ولو أن متردية تردت فلم تمت من ترديها، أو شاة عضها سبع أو أكل من لحمها ولم تمت من ذلك، لما كانت داخلة في هذا الحكم، ولما سميت أكيلة السبع; لأنه لم يقتلها، وإنما تسمي العرب أكيلة السبع التي قتلها فأكل منها وبقي منها، فإن العرب تقول للباقي هذه أكيلة السبع فنهوا عن ذلك الباقي، وأعلموا أن قتل السبع وغيره مما ذكر لا يقوم مقام التذكية، وإن كان ذلك كله قتلا; لأن في التذكية التي أمر الله بها خصوصا في تحليل الذبيحة. المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع حرام
[ ص: 329 ] وقال أكيلة السبع هو الذي صاده السبع فأكل منه وبقي بعضه، وإنما هو فريسة. والنصب: حجارة حول أبو عبيد: الكعبة، كان يذبح عليها أهل الجاهلية .
فصل:
في حديث عدي فوائد:
أولها: أن قتل الكلب المعلم ذكاة.
ثانيها: أنه إذا أكل فليس بمعلم.
وهذا مذهب الشافعي كما ستعلمه. وأبي حنيفة،
ثالثها: لأن الأصل أنه حرام إلا بذكاة، فإذا خالط غير كلبه صار في شك من ذكاته، وهذا مذهب إذا شك في الذكاة فلا يأكل; مالك.
رابعها: أن عدم التسمية يمنع الأكل; لتعليله في المنع بقوله: "فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره".
خامسها: أن محل الآية السالفة ورماحكم [المائدة: 94] هو أن يصيب على الوجه المعتاد وهو حد الرمح.
والمعراض: (بكسر الميم) خشبة ثقيلة في طرفها حديدة يرمى الصيد بها، وقد يكون بغير حديدة، فما أصاب بعده فهو وجه ذكاة فيؤكل، وما أصاب بعرضه فهو وقيذ. وعبارة الهروي: هو سهم ريش فيه ولا نصل .
[ ص: 330 ] وقال هو سهم طويل له أربع قذذ رقاق، فإذا رمي به اعترض . ابن دريد:
وقيل: هو عود رقيق الطرفين غليظ الوسط، فإذا رمى به ذهب مستويا.
وقال هو نصل عريض له ثقل ورزانة. ابن الجوزي:
وفي "الموطأ" أن كان يكره ما قتل المعارض والبندقة ، لعله يريد بعرضه; لأنه بينه - عليه السلام - في حديث عدي هذا. القاسم بن محمد
وقال في "المعونة": المعراض: خشبة عريضة في رأسها كالزج، يلقيها الفارس على الصيد، فربما أصابته الحديدة فجرحت وأسالت دمه فيؤكل; لأنه كالسيف والرمح، وربما أصابته الخشبة فترضه أو تشدخه، فيكون وقيذا فلا يؤكل ، وقال أبو سليمان: (العارض) : نصل عريض له ثقل ورزانة ، وكأن أخذ منه. ابن الجوزي
فصل:
قوله - عليه السلام -: ("فإن أخذ الكلب ذكاته") قد يؤخذ منه أن الكلب لا يشترط في صفة تعليمه ألا يأكل، وهو شرط عند أبي حنيفة خلافا والشافعي، وبقوله قال لمالك سلمان الفارسي وسعد بن أبي وقاص وعلي وابن عمر ومن التابعين: وأبو هريرة، سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار والحسن والزهري وربيعة، وهو قول مالك والليث
[ ص: 331 ] لقوله تعالى: والأوزاعي فكلوا مما أمسكن عليكم [المائدة: 4]، ومن القياس: ذكاة يستباح بها الصيد، فلا يفسد بأكله منه أصله إذا ذبح .
وتعلق الأولون بقوله في الباب الآتي: "فإن أكل فلا تأكل، فإنه لم يمسك عليك إنما أمسك على نفسه" قال الأولون: هو عام، فيحمل على الذي أدركه ميتا من الجري أو الصدمة يأكل منه، فإنه قد صار إلى صفة لا يتعلق بها الإرسال والإمساك علينا، فلذلك لم يكن ممسكا عليه، يوضحه قوله: "ما أمسك عليك فكله، فإن أخذ الكلب ذكاة". والحديث واحد.
ويحتمل أن يريد بقوله: "إن أكل فلا تأكل" ألا يؤخذ منه غير مجرد الأكل دون إرسال الصيد، ويكون قوله: "فإن أكل فلا تأكل". مقطوعا مما قبله.
ومعنى: إمساكه علينا -عند القاضي أبي الحسن- أن يمسك بإرسالنا; لأن الكلب لا نية له ولا يصح منه ميز هذا، وإنما يتقصد بالتعليم، فإذا كان الاعتبار بأن يمسك علينا وعلى نفسه، وكان الحكم مختلفا بذلك وجب أن يتميز بذلك بنية من له نية وهو مرسله، فإذا أرسله فقد أمسك عليه، وإن لم يرسله فلم يمسكه عليه.
وقال معنى: ابن حبيب: فكلوا مما أمسكن عليكم ، أي: مما صدن لكم .
وقال القاضي في "شرح الرسالة": في حديث عدي خلاف; لأن
[ ص: 332 ] هذه اللفظة يقال: ذكرها ولم يذكرها الشعبي (هشام وابن أبي مطر) على أنه معارض بما روى أنه قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كل وإن أكل منه" أخرجه أبو ثعلبة الخشني أبو داود، ولم يضعفه ، فيحمل حديث عدي على التنزيه، وحديث على الجواز; قالوا: وكان أبي ثعلبة عدي موسعا عليه فأفتاه بالكف تورعا، وأبو ثعلبة كان محتاجا، فأفتاه بالجواز.
قال أبو الحسن: وما كان من طريق همام أثبت مما يروى عن والشعبي عدي، ولم يختلف على همام واختلف على وقد قال بعد: "فإني أخاف أن يكون مما أمسك على نفسه" وهذا علة فيه. الشعبي،
قلت: وفي إسناد أبي داود: داود بن عمرو الدمشقي، وثقه وفي رواية يحيى بن معين، الأزدي: مشهور. وقال حديثه مقارب. وقال أحمد: أبو زرعة: لا بأس به. وقال لا أرى بروايته بأسا. وقال ابن عدي: صالح. وقال أبو داود: شيخ. وقال أبو حاتم: العجلي: ليس بالقوي. وذكره في "ثقاته"، وكذا ابن حبان ابن شاهين وابن خلفون، وقال يعتبر به. وقال الدارقطني: العجلي: يكتب حديثه. هذا ما نعرفه في ترجمته .
[ ص: 333 ] وأما فغلا وقال: هذا حديث لا يصح، ابن حزم هذا ضعيف، ضعفه وداود وقد ذكر بالكذب، ثم قال: فإن لجوا وقالوا: هو ثقة. قلنا: لا عليكم وثقتموه هنا، وأما نحن فلا نحتج به ولا نقبله. أحمد
وعند من حديث ابن حزم: عن الثوري، عن سماك، مري بن قطري عن عدي قلت: وإن أكل، قال: "نعم".
ولابن سعد عن شيخه : ثنا محمد بن عبد الله ابن أخي الزهري، عن أبي عمير الطائي عن عن أبيه -وهو (من) أبي النعمان، سعد هذيم- وصح عن قلت: يا رسول الله، إنا أصحاب قنص فقال: "إذا أرسلت كلبك المعلم، وذكرت اسم الله، فقتل، فكل"، قلنا: وإن أكل نأكل؟ قال: "نعم". أنه قال: "كل مما أكل منه كلبك المعلم" . ابن عمر
واحتج بعض المالكية بالإجماع على أنه إذا وجد الكلب ساعة أخذ أنه يؤخذ من فيه ويؤكل، فلو كان أكله منه يمنع من أكله لوقف; حتى ينظر هل يأكل أم لا. قاله في "المعونة" ، وفي "القنية" للحنفية: يحل الكل . لو أرسل كلبه فأخذ صيدا كثيرا بتسمية واحدة بغير اشتغال الكلب بشيء، ولا ترك،