الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 431 ] 861 - باب بيان مشكل ما رواه أبو هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا المعنى

5385 - حدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن النضر بن أنس ، عن بشير بن نهيك ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من أعتق نصيبا ، أو شركا له في عبد مملوك ، فعليه خلاصه كله في ماله ، وإن لم يكن له مال ، استسعي العبد غير مشقوق عليه .

[ ص: 432 ]

5386 - وحدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا نصر بن علي الجهضمي ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن النضر بن أنس ، عن بشير بن نهيك ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثله .

5387 - وحدثنا أحمد ، أخبرنا المؤمل بن هشام ، حدثنا إسماعيل - يعني ابن علية - عن سعيد ، ثم ذكر بإسناده مثله .

5388 - وحدثنا محمد بن النعمان السقطي ، حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن سعيد بن أبي عروبة ويحيى بن صبيح ، عن قتادة ، ثم ذكر بإسناده مثله .

[ ص: 433 ]

5389 - وحدثنا فهد بن سليمان ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثني الليث بن سعد ، حدثني جرير بن حازم ، عن قتادة ، ثم ذكر بإسناده مثله .

5390 - وحدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم الأزدي ، قال : حدثنا أبان بن يزيد العطار ، عن قتادة ، ثم ذكر بإسناده مثله .

5391 - وحدثنا روح بن الفرج ، حدثنا يوسف بن عدي ، حدثنا عبد الرحيم بن سليمان الرازي ، عن حجاج بن أرطاة ، عن قتادة ، ثم [ ص: 434 ] ذكر بإسناده مثله .

قال أبو جعفر : فكان في هذا الحديث : إيجاب ما صححنا عليه حديث ابن عمر الذي قد رويناه في الباب الذي قبل هذا الباب .

فقال قائل : وقد روى [في] هذا الباب عن قتادة : شعبة وهشام ، فلم يذكرا فيه السعاية ، وذكر في ذلك

5392 - ما قد حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار ، قالا : حدثنا محمد بن جعفر غندر ، حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن النضر بن أنس ، عن بشير بن نهيك ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في المملوك بين رجلين فيعتق أحدهما نصيبه ، قال : " يضمن " .

[ ص: 435 ]

5393 - وما قد حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرني محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا أبو عامر ، عن هشام ، عن قتادة ، عن النضر ، عن بشير بن نهيك ، عن أبي هريرة ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من أعتق نصيبا له في مملوك ، عتق من ماله ، إن كان له مال .

قال هذا القائل : فهذا هو أصل هذا الحديث لا ذكر للسعاية فيه .

فكان جوابنا له في ذلك : أن الذي في هذين الحديثين ليس بخلاف لما في الأحاديث الأول المروية عن قتادة ، ولكنه على التقصير من شعبة وهشام عن حفظ ما قد حفظه سعيد ومن ذكرناه معه عن قتادة ولما حفظوه عنه في هذا الحديث ، ومن حفظ شيئا ، كان أولى ممن قصر عنه ، وسعيد فأولى الناس بقتادة ، وأحفظهم لحديثه ، والذي لا يعدله فيه أحد سواه قبل اختلاطه ، وحديثه الذي أخذ عنه قبل [ ص: 436 ] اختلاطه هو ما يحدث به عنه يزيد بن زريع وأمثاله ممن يحدث عنه ، فهم الحجة في ذلك .

فقال قائل : فقد روى همام هذا الحديث عن قتادة ، فخالف فيه من ذكرت من رواته عن قتادة ، وذكر

5394 - ما قد .

5394 - حدثني غير واحد من أصحابنا ، منهم : محمد بن محمد بن الأشعث الكوفي ، قالوا : حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ ، حدثنا أبي ، حدثنا همام ، عن قتادة ، عن النضر بن أنس ، عن بشير بن نهيك ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - : أن رجلا أعتق شقصا له في مملوك ، فغرمه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقية ثمنه .

قال : فكان قتادة يقول : إن لم يكن مال استسعي العبد .

قال : ففي هذا الحديث ذكر السعاية من قول قتادة ، لا من نفس الحديث .

[ ص: 437 ] فكان جوابنا له في ذلك : أن الذي في هذا الحديث لا يوجب خلافا لما في الأحاديث التي ذكرناها قبله ; لأن الذي في هذا الحديث إنما هو ذكر قضاء كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على معتق نصيب له في مملوك بالضمان الذي قضى به عليه فيه ، والذي في الأحاديث الأول إنما هو قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الواجب على المعتق للعبد الذي بينه وبين غيره إن كان موسرا ، والذي يجب على العبد إن كان معسرا ، وهذان معنيان متباينان ، وأولى الأشياء بنا فيما رواه من يرجع إلى روايته بالحمل على موافقته بالتصحيح ، لا على مضادة ما رواه غيره في ذلك ، لا على مخالفته إياه فيه ، ويكون قتادة قد كان عنده بهذا الإسناد حديثان : أحدهما فيه قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك المعنى ، على ما رواه سعيد ، ومن وافقه عليه ، والآخر فيه ذكر قضاء كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك ، على ما رواه عنه همام ، فيكون كل واحد منهما في معنى غير المعنى الذي جاء به صاحبه ، ويكون الذي حكاه همام ، عن قتادة من السعاية التي ذكرها عنه في حديثه على قول من قتادة بذلك ; لأخذه ما قاله من ذلك من الحديث الآخر الذي حدث به عنه سعيد ، ومن ذكرناه معه ، حتى تتفق الآثار كلها في ذلك وتأتلف ، ولا يدفع شيء منها شيئا .

وكيف يجوز أن يدع ما رواه سعيد ، ويحيى بن صبيح ، وجرير بن حازم والحجاج بن أرطاة ، وأبان بن يزيد ، عن قتادة في ذلك ، مع موافقة معمر بن راشد إياهم ، عن قتادة في ذلك ، وإن كان قد قصر في إسناده ، وأسقط منه رجلا ، ومع موافقة من سواه إياهم عليه مع كثرة عددهم ، ويصير إلى ما رواه من عدده أقل من عددهم ، وإن كان ما [ ص: 438 ] روي في ذلك لا يخالف ما رووا ، وإنما فيه التقصير عما رووا ، ومن لم يقصر ، أولى بقبول الرواية في ذلك ممن قصر ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية