الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب قوله إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء

                                                                                                                                                                                                        4494 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني سعيد بن المسيب عن أبيه قال لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة فقال أي عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيدانه بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك فأنزل الله ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين وأنزل الله في أبي طالب فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء قال ابن عباس أولي القوة لا يرفعها العصبة من الرجال لتنوء لتثقل فارغا إلا من ذكر موسى الفرحين المرحين قصيه اتبعي أثره وقد يكون أن يقص الكلام نحن نقص عليك عن جنب عن بعد عن جنابة واحد وعن اجتناب أيضا يبطش ويبطش يأتمرون يتشاورون العدوان والعداء والتعدي واحد آنس أبصر الجذوة قطعة غليظة من الخشب ليس فيها لهب والشهاب فيه لهب والحيات أجناس الجان والأفاعي والأساود ردءا معينا قال ابن عباس يصدقني وقال غيره سنشد سنعينك كلما عززت شيئا فقد جعلت له عضدا مقبوحين مهلكين وصلنا بيناه وأتممناه يجبى يجلب بطرت أشرت في أمها رسولا أم القرى مكة وما حولها تكن تخفي أكننت الشيء أخفيته وكننته أخفيته وأظهرته ويكأن الله مثل ألم تر أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر يوسع عليه ويضيق عليه

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( سورة النمل - بسم الله الرحمن الرحيم ) سقط " سورة والبسملة " لغير أبي ذر ، وثبت للنسفي لكن بتقديم البسملة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( الخبء : ما خبأت ) في رواية غير أبي ذر " والخبء " بزيادة واو في أوله ، وهذا قول ابن عباس أخرجه الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه قال : يخرج الخبء : يعلم كل خفية في السماوات والأرض . وقال : الفراء في قوله : يخرج الخبء : أي الغيث من السماء ، والنبات من الأرض ، قال : و " في " هنا بمعنى من ، وهو كقولهم : ليستخرجن العلم فيكم أي الذي منكم ، وقرأ ابن مسعود " يخرج الخبء من " بدل " في " ، وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال : الخبء السر ، ولابن أبي حاتم من طريق عكرمة مثله ، ومن طريق مجاهد قال : الغيث . ومن طريق سعيد بن المسيب قال : الماء .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لا قبل : لا طاقة ) هو قول أبي عبيدة . وأخرج الطبري من طريق إسماعيل بن أبي خالد مثله .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( الصرح كل ملاط اتخذ من القوارير ) كذا للأكثر بميم مكسورة ، وفي رواية الأصيلي بالموحدة المفتوحة ومثله لابن السكن ، وكتبه الدمياطي في نسخته بالموحدة وليست هي روايته . والملاط بالميم المكسورة الطين الذي يوضع بين سافتي البناء ، وقيل : الصخر ، وقيل : كل بناء عال منفرد . وبالموحدة المفتوحة ما كسيت به الأرض من حجارة أو رخام أو كلس . وقد قال : أبو عبيدة : الصرح كل بلاط اتخذ من قوارير ، والصرح القصر . وأخرج الطبري من طريق وهب بن منبه قال : أمر سليمان الشياطين فعملت له الصرح من زجاج كأنه الماء بياضا ، ثم أرسل الماء تحته ووضع سريره فيه فجلس عليه . وعكفت عليه الطير والجن والإنس ، ليريها ملكا هو أعز من ملكها ، فلما رأت ذلك بلقيس حسبته لجة وكشفت عن ساقيها لتخوضه . ومن طريق محمد بن كعب قال : سجن سليمان فيه دواب البحر الحيتان والضفادع ، فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها فإذا هي أحسن الناس ساقا وقدما ، فأمرها سليمان فاستترت .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( والصرح القصر وجماعته صروح ) هو قول أبي عبيدة كما تقدم ، وسيأتي له تفسير آخر بعد هذا بقليل .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال : ابن عباس : ولها عرش سرير كريم حسن الصنعة وغلاء الثمن ) وصله الطبري من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله : ولها عرش عظيم قال : سرير كريم حسن الصنعة ، قال : وكان من ذهب وقوائمه من جوهر ولؤلؤ . ولابن أبي حاتم من طريق زهير بن محمد قال : حسن الصنعة غالي الثمن سرير من ذهب وصفحتاه مرمول بالياقوت والزبرجد طوله ثمانون ذراعا في أربعين .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يأتوني مسلمين طائعين ) وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مثله ، ومن طريق ابن جريج أي مقرين بدين الإسلام ، ورجح الطبري الأول واستدل له .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 364 ] قوله : ( ردف اقترب ) وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله : عسى أن يكون ردف لكم اقترب لكم . وقال : أبو عبيدة في قوله تعالى : عسى أن يكون ردف لكم أي جاء بعدكم . ودعوى المبرد أن اللام زائدة وأن الأصل ردفكم قاله على ظاهر اللفظ ، وإذا صح أن المراد به اقترب صح تعديته باللام كقوله : اقترب للناس حسابهم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( جامدة قائمة ) وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مثله .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أوزعني : اجعلني ) وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مثله . وقال : أبو عبيدة في قوله : أوزعني أي : سددني إليه ، وقال : في موضع آخر : أي : ألهمني ، وبالثاني جزم الفراء .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال : مجاهد : نكروا غيروا ) وصله الطبري من طريقه ، ومن طريق قتادة وغيره نحوه . وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر صحيح عن مجاهد قال : أمر بالعرش فغير ما كان أحمر جعل أخضر وما كان أخضر جعل أصفر ، غير كل شيء عن حاله . ومن طريق عكرمة قال : زيدوا فيه وأنقصوا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( والقبس ما اقتبست منه النار ) ثبت هذا للنسفي وحده ، وهو قول أبي عبيدة ، قال : في قوله تعالى أو آتيكم بشهاب قبس أي بشعلة نار ، ومعنى قبس ما اقتبس من النار ومن الجمر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وأوتينا العلم يقوله سليمان ) وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بهذا ، ونقل الواحدي أنه من قول بلقيس ، قالته مقرة بصحة نبوة سليمان ، والأول هو المعتمد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( الصرح بركة ماء ضرب عليها سليمان قوارير وألبسها إياه ) في رواية الأصيلي " إياها " وأخرج الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : الصرح بركة من ماء ضرب عليها سليمان قوارير ألبسها ، قال : وكانت هلباء شقراء . ومن وجه آخر عن مجاهد : كشفت بلقيس عن ساقيها فإذا هما شعراوان ، فأمر سليمان بالنورة فصنعت . ومن طريق عكرمة نحوه قال : فكان أول من صنعت له النورة . وصله ابن أبي حاتم من وجه آخر عن عكرمة عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                        28 - سورة القصص كل شيء هالك إلا وجهه إلا ملكه . ويقال : إلا ما أريد به وجه الله . وقال مجاهد : فعميت عليهم الأنباء : الحجج .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( سورة القصص - بسم الله الرحمن الرحيم ) سقطت " سورة والبسملة " لغير أبي ذر والنسفي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إلا وجهه : إلا ملكه ) في رواية النسفي " وقال : معمر " : فذكره . ومعمر هذا هو أبو عبيدة بن المثنى ، وهذا كلامه في كتابه " مجاز القرآن " لكن بلفظ " إلا هو " وكذا نقله الطبري عن بعض أهل العربية ، وكذا ذكره الفراء . وقال : ابن التين قال : أبو عبيدة : إلا وجهه أي : جلاله ، وقيل : إلا إياه ، تقول : أكرم الله وجهك أي أكرمك الله .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ويقال : إلا ما أريد به وجهه ) نقله الطبري أيضا عن بعض أهل العربية ، ووصله ابن أبي حاتم من طريق خصيف عن مجاهد مثله ، ومن طريق سفيان الثوري قال : إلا ما ابتغي به وجه الله من الأعمال الصالحة [ ص: 365 ] انتهى . ويتخرج هذان القولان على الخلاف في جواز إطلاق " شيء " على الله ، فمن أجازه قال : الاستثناء متصل والمراد بالوجه الذات والعرب تعبر بالأشرف عن الجملة ، ومن لم يجز إطلاق " شيء " على الله قال : هو منقطع ، أي لكن هو تعالى لم يهلك ، أو متصل والمراد بالوجه ما عمل لأجله .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال : مجاهد : فعميت عليهم الأنباء الحجج ) وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عنه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : باب إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء لم تختلف النقلة في أنها نزلت في أبي طالب واختلفوا في المراد بمتعلق " أحببت " فقيل : المراد أحببت هدايته ، وقيل : أحببته هو لقرابته منك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن أبيه ) هو المسيب بن حزن بفتح المهملة وسكون الزاي بعدها نون ، وقد تقدم بعض شرح الحديث في الجنائز .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لما حضرت أبا طالب الوفاة ) قال : الكرماني : المراد حضرت علامات الوفاة ، وإلا فلو كان انتهى إلى المعاينة لم ينفعه الإيمان لو آمن ، ويدل على الأول ما وقع من المراجعة بينه وبينهم ، انتهى . ويحتمل أن يكون انتهى إلى [ ص: 366 ] تلك الحالة لكن رجا النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه إذا أقر بالتوحيد ولو في تلك الحالة أن ذلك ينفعه بخصوصه وتسوغ شفاعته - صلى الله عليه وسلم - لمكانه منه ، ولهذا قال : أجادل لك بها وأشفع لك . وسيأتي بيانه . ويؤيد الخصوصية أنه بعد أن امتنع من الإقرار بالتوحيد وقال : هو : " على ملة عبد المطلب " ومات على ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يترك الشفاعة له ، بل شفع له حتى خفف عنه العذاب بالنسبة لغيره ، وكان ذلك من الخصائص في حقه ، وقد تقدمت الرواية بذلك في السيرة النبوية .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية ) يحتمل أن يكون المسيب حضر هذه القصة ، فإن المذكورين من بني مخزوم وهو من بني مخزوم أيضا ، وكان الثلاثة يومئذ كفارا فمات أبو جهل على كفره وأسلم الآخران . وأما قول بعض الشراح : هذا الحديث من مراسيل الصحابة فمردود ، لأنه استدل بأن المسيب على قول مصعب من مسلمة الفتح ، وعلى قول العسكري ممن بايع تحت الشجرة ، قال : فأيا ما كان فلم يشهد وفاة أبي طالب لأنه توفي هو وخديجة في أيام متقاربة في عام واحد ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يومئذ نحو الخمسين انتهى . ووجه الرد أنه لا يلزم من كون المسيب تأخر إسلامه أن لا يشهد وفاة أبي طالب كما شهدها عبد الله بن أبي أمية وهو يومئذ كافر ثم أسلم بعد ذلك ، وعجب من هذا القائل كيف يعزو كون المسيب كان ممن بايع تحت الشجرة إلى العسكري ويغفل عن كون ذلك ثابتا في هذا الصحيح الذي شرحه كما مر في المغازي واضحا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أي عم ) أما " أي " فهو بالتخفيف حرف نداء ، وأما " عم " فهو منادى مضاف ، ويجوز فيه إثبات الياء وحذفها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( كلمة ) بالنصب على البدل من لا إله إلا الله أو الاختصاص . ويجوز الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أحاج ) بتشديد الجيم من المحاجة وهي مفاعلة من الحجة والجيم مفتوحة على الجزم جواب الأمر ، والتقدير إن تقل أحاج ، ويجوز الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف ، ووقع في رواية معمر عن الزهري بهذا الإسناد في الجنائز " أشهد " بدل " أحاج " وفي رواية مجاهد عند الطبري " أجادل عنك بها " زاد الطبري من طريق سفيان بن حسين عن الزهري قال : أي عم ، إنك أعظم الناس علي حقا ، وأحسنهم عندي يدا ، فقل كلمة تجب لي بها الشفاعة فيك يوم القيامة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فلم يزل يعرضها ) بفتح أوله وكسر الراء ، وفي رواية الشعبي عند الطبري " فقال : له ذلك مرارا " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ويعيدانه بتلك المقالة ) أي ويعيدانه إلى الكفر بتلك المقالة ، كأنه قال : كان قارب أن يقولها فيردانه . ووقع في رواية معمر فيعودان له بتلك المقالة وهي أوضح ، ووقع عند مسلم " فلم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرضها عليه ويقول له تلك المقالة " قال : القرطبي في : " المفهم " كذا في الأصول وعند أكثر الشيوخ ، والمعنى أنه عرض عليه الشهادة وكررها عليه . ووقع في بعض النسخ " ويعيدان له بتلك المقالة " والمراد قول أبي جهل ورفيقه له " ترغب عن ملة عبد المطلب " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( آخر ما كلمهم : على ملة عبد المطلب ) خبر مبتدأ محذوف أي هو على ملة ، وفي رواية معمر " هو [ ص: 367 ] على ملة عبد المطلب " وأراد بذلك نفسه . ويحتمل أن يكون قال : " أنا " فغيرها الراوي أنفة أن يحكي كلام أبي طالب استقباحا للفظ المذكور ؛ وهي من التصرفات الحسنة . ووقع في رواية مجاهد قال : " يا ابن أخي ملة الأشياخ " ووقع في حديث أبي حازم عن أبي هريرة عند مسلم والترمذي والطبري " قال : لولا أن تعيرني قريش يقولون ما حمله عليه إلا جزع الموت لأقررت بها عينك " وفي رواية الشعبي عند الطبراني " قال : لولا أن يكون عليك عار لم أبال أن أفعل " وضبط " جزع " بالجيم والزاي ، ولبعض رواة مسلم بالخاء المعجمة والراء .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وأبى أن يقول لا إله إلا الله ) هو تأكيد من الراوي في نفي وقوع ذلك من أبي طالب ، وكأنه استند في ذلك إلى عدم سماعه ذلك منه في تلك الحال ، وهذا القدر هو الذي يمكن إطلاعه عليه ، ويحتمل أن يكون أطلعه النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك ) قال الزين بن المنير : ليس المراد طلب المغفرة العامة والمسامحة بذنب الشرك ، وإنما المراد تخفيف العذاب عنه كما جاء مبينا في حديث آخر .

                                                                                                                                                                                                        قلت : وهي غفلة شديدة منه ، فإن الشفاعة لأبي طالب في تخفيف العذاب لم ترد ، وطلبها لم ينه عنه ، وإنما وقع النهي عن طلب المغفرة العامة ، وإنما ساغ ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - اقتداء بإبراهيم في ذلك ، ثم ورد نسخ ذلك كما سيأتي بيانه واضحا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : فأنزل الله : ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين أي ما ينبغي لهم ذلك ، وهو خبر بمعنى النهي هكذا وقع في هذه الرواية . وروى الطبري من طريق شبل عن عمرو بن دينار قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك ، فلا أزال أستغفر لأبي طالب حتى ينهاني عنه ربي . فقال أصحابه : لنستغفرن لآبائنا كما استغفر نبينا لعمه ، فنزلت " وهذا فيه إشكال ، لأن وفاة أبي طالب كانت بمكة قبل الهجرة اتفاقا ، وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى قبر أمه لما اعتمر فاستأذن ربه أن يستغفر لها فنزلت هذه الآية ، والأصل عدم تكرر النزول . وقد أخرج الحاكم وابن أبي حاتم من طريق أيوب بن هانئ عن مسروق عن ابن مسعود قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما إلى المقابر فاتبعناه ، فجاء حتى جلس إلى قبر منها فناجاه طويلا ثم بكى ، فبكينا لبكائه ، فقال : إن القبر الذي جلست عنده قبر أمي ، واستأذنت ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي ، فأنزل علي : ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين وأخرج أحمد من حديث ابن بريدة عن أبيه نحوه وفيه " نزل بنا ونحن معه قريب من ألف راكب " ولم يذكر نزول الآية . وفي رواية الطبري من هذا الوجه " لما قدم مكة أتى رسم قبر " ومن طريق فضيل بن مرزوق عن عطية " لما قدم مكة وقف على قبر أمه حتى سخنت عليه الشمس رجاء أن يؤذن له فيستغفر لها فنزلت " وللطبراني من طريق عبد الله بن كيسان عن عكرمة عن ابن عباس نحو حديث ابن مسعود وفيه " لما هبط من ثنية عسفان " وفيه نزول الآية في ذلك . فهذه طرق يعضد بعضها بعضا ، وفيها دلالة على تأخير نزول الآية عن وفاة أبي طالب ، ويؤيده أيضا أنه - صلى الله عليه وسلم - قال يوم أحد بعد أن شج وجهه : رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون لكن يحتمل في هذا أن يكون الاستغفار خاصا بالأحياء وليس البحث فيه ، ويحتمل أن يكون نزول الآية تأخر وإن كان سببها تقدم ، ويكون لنزولها سببان : متقدم وهو أمر أبي طالب ومتأخر وهو أمر آمنة . ويؤيد تأخير النزول ما تقدم في تفسير " براءة " من استغفاره - صلى الله عليه وسلم - للمنافقين حتى نزل النهي عن ذلك ، فإن ذلك يقتضي تأخير النزول وإن تقدم السبب ، ويشير إلى ذلك أيضا قوله في حديث الباب : " وأنزل الله في أبي طالب : إنك لا تهدي من أحببت " [ ص: 368 ] لأنه يشعر بأن الآية الأولى نزلت في أبي طالب وفي غيره والثانية نزلت فيه وحده ، ويؤيد تعدد السبب ما أخرج أحمد من طريق أبي إسحاق عن أبي الخليل عن علي قال : " سمعت رجلا يستغفر لوالديه وهما مشركان ، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله : ما كان للنبي . . . الآية " وروى الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : وقال : المؤمنون ألا نستغفر لأبائنا كما استغفر إبراهيم لأبيه ؟ فنزلت ومن طريق قتادة قال : " ذكرنا له أن رجالا " فذكر نحوه . وفي الحديث أن من لم يعمل خيرا قط إذا ختم عمره بشهادة أن لا إله إلا الله حكم بإسلامه وأجريت عليه أحكام المسلمين ، فإن قارن نطق لسانه عقد قلبه نفعه ذلك عند الله تعالى ، بشرط أن لا يكون وصل إلى حد انقطاع الأمل من الحياة وعجز عن فهم الخطاب ورد الجواب وهو وقت المعاينة ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( العدوان والعداء والتعدي واحد ) أي بمعنى واحد وأراد تفسير قوله في قصة موسى وشعيب : فلا عدوان علي والعداء بفتح العين ممدود قال : أبو عبيدة في قوله : فلا عدوان علي : وهو والعداء والتعدي والعدو كله واحد ، والعدو من قوله : عدا فلان على فلان .

                                                                                                                                                                                                        قوله : وقال : ابن عباس : أولي القوة : لا يرفعها العصبة من الرجال لتنوء : لتثقل ( فارغا ) : إلا من ذكر موسى ( الفرحين ) : المرحين . قصيه : اتبعي أثره ، وقد يكون أن يقص الكلام نحن نقص عليك . عن جنب : عن بعد وعن جنابة واحد وعن اجتناب أيضا . ( نبطش ) ونبطش أي بكسر الطاء وضمها . ( يأتمرون : يتشاورون ) هذا جميعه سقط لأبي ذر والأصيلي وثبت لغيرهما من أوله إلى قوله : " ذكر موسى " تقدم في أحاديث الأنبياء في قصة موسى وكذا قوله : " نبطش إلخ " وأما قوله : " الفرحين : المرحين " فهو عند ابن أبي حاتم موصول من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، وقوله : " قصيه : اتبعي أثره " وصله ابن أبي حاتم من طريق القاسم بن أبي بزة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : في قوله : وقالت لأخته قصيه : قصي أثره . وقال : أبو عبيدة في قوله : ( قصيه ) اتبعي أثره ، يقال : قصصت آثار القوم . وقال : في قوله : فبصرت به عن جنب أي عن بعد وتجنب ، ويقال : ما تأتينا إلا عن جنابة وعن جنب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( تأجرني : تأجر فلانا تعطيه أجرا ، ومنه التعزية آجرك الله ) ثبت هذا للنسفي وقد قال : أبو عبيدة في قوله : على أن تأجرني ثماني حجج من الإجارة ، يقال : فلان تأجر فلانا ، ومنه آجرك الله .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( الشاطئ والشط واحد ، وهما ضفتا وعدوتا الوادي ) ثبت هذا للنسفي أيضا ، وقد قال : أبو عبيدة : نودي من شاطئ الوادي : الشاطئ والشط واحد وهما ضفتا الوادي وعدوتاه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : كأنها جان : في رواية أخرى : حية تسعى . والحيات أجناس . الجان والأفاعي والأساود ، ثبت هذا للنسفي أيضا وقد تقدم في بدء الخلق .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( مقبوحين : مهلكين ) هو قول أبي عبيدة أيضا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وصلنا : بيناه وأتممناه ) هو قول أبي عبيدة أيضا ، وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي في قوله : ولقد وصلنا لهم القول قال : بينا لهم القول ، وقيل : المعنى أتبعنا بعضه بعضا فاتصل وهذا قول الفراء .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 369 ] قوله : ( يجبى : يجلب ) هو بسكون الجيم وفتح اللام ثم موحدة ، وقال : أبو عبيدة في قوله : يجبى إليه ثمرات كل شيء أي يجمع كما يجمع الماء في الجابية فيجمع للوارد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( بطرت أشرت ) قال : أبو عبيدة في قوله : وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها أي أشرت وطغت وبغت ، والمعنى بطرت في معيشتها . فانتصب بنزع الخافض ، وقال : الفراء : المعنى أبطرتها معيشتها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( في أمها رسولا : أم القرى مكة وما حولها ) قال : أبو عبيدة : أم القرى مكة في قول العرب وفي رواية أخرى لتنذر أم القرى ومن حولها ولابن أبي حاتم من طريق قتادة نحوه . ومن وجه آخر عن قتادة عن الحسن في قوله : ( في أمها ) قال : في أوائلها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( تكن : تخفي ، أكننت الشيء أخفيته ، وكننته أخفيته وأظهرته ) كذا للأكثر ، ولبعضهم أكننته أخفيته ، وكننته خفيته . وقال : ابن فارس : أخفيته سترته وخفيته أظهرته . وقال : أبو عبيدة في قوله : وربك يعلم ما تكن صدورهم أي تخفي ، يقال : أكننت ذلك في صدري بألف ، وكننت الشيء خفيته وهو بغير ألف . وقال : في موضع آخر : أكننت وكننت واحد ، وقال : أبو عبيدة : أكننته إذا أخفيته وأظهرته وهو من الأضداد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ويكأن الله مثل ألم تر أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر يوسع عليه ويضيق ) وقع هذا لغير أبي ذر وهو قول أبي عبيدة قال : في قوله تعالى : ويكأن الله أي ألم تر أن الله ، وقال : عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله : ( ويكأن الله ) أي أو لا يعلم أن الله .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية