الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( الفرق الخامس والثمانون والمائة بين قاعدة ما يجوز بيعه وقاعدة ما لا يجوز بيعه )

فقاعدة ما يجوز بيعه ما اجتمع فيه شروط خمسة وقاعدة ما لا يجوز بيعه ما فقد منه أحد هذه الشروط الخمسة فالشروط الخمسة هي الفرق بينهما وهي ( الطهارة ) لقوله عليه السلام في الصحيحين { إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام ، فقيل له يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنها يطلى بها السفن ويستصبح بها فقال لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها [ ص: 240 ] وأكلوا أثمانها }

( الشرط الثاني ) أن يكون منتفعا به ليصح مقابلة الثمن له

( الشرط الثالث ) أن يكون مقدورا على تسليمه حذرا من الطير في الهواء والسمك في الماء ونحوها لنهيه عليه السلام عن بيع الغرر

( الشرط الرابع ) أن يكون معلوما للمتعاقدين لنهيه عليه السلام عن أكل المال بالباطل

( الشرط الخامس ) أن يكون الثمن والمبيع مملوكين للعاقد والمعقود له أو من أقيما مقامه فهذه شروط في جواز البيع دون الصحة ؛ لأن بيع الفضول وشراءه محرم وفي الشروط مسألتان ( المسألة الأولى )

في الشرط الثاني قال صاحب الجواهر يكفي أصل المنفعة وإن قلت وقلت قيمتهما [ ص: 241 ] فيصح بيع التراب والماء ولبن الآدميات ، وقاله الشافعي وابن حنبل قياسا على لبن الغنم ، وقال أبو حنيفة رضي الله عنهم أجمعين : لا يجوز بيعه ولا أكله ؛ لأنه جزء حيوان منفصل عنه في حياته فيحرم أكله فيمتنع بيعه وجوابه القياس المتقدم وفرق هو بشرف الآدمي وإباحة لبنه هو أنه استثني منه الرضاع للضرورة وبقي ما عداه على الأصل بخلاف الأنعام بدليل تحريم لحمه تشريفا له ويندفع الفرق بما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها أرضعت كبيرا فحرم عليها فلو كان حراما لما فعلت ذلك ، ولم ينكر عليها أحد من الصحابة فكان ذلك إجماعا على إلغاء هذا الفرق

( المسألة الثانية ) [ ص: 242 ] بيع الفضول في الشرط الخامس قال صاحب الجواهر مقتضى ما حكاه الشيخ أبو إسحاق أن هذا الشرط شرط في الصحة ، وقاله الشافعي وابن حنبل رضي الله عنهما ، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه هو شرط في الشراء دون البيع ، وقال ابن يونس يمتنع أن يشتري من رجل سلعة ليست في ملكه ويوجب على نفسه تحصيل ثمنها ؛ لأنه غرر .

وقال سحنون إن نزل ذلك فلربها إمضاء البيع كمن غصب سلعة والمشتري يعلم بالغصب ومنع أشهب ذلك في الغاصب لدخولهما على الفساد والغرر قال ابن يونس وهو القياس في المسألتين قلت فظاهر هذا النقل يقتضي أن إطلاق الأصحاب محمول على ما إذا كان المشتري غير عالم بعدم الملك فالمشهور أن له الإمضاء أما إذا علم فلا على هذا الخلاف احتج الشافعية والحنابلة بقوله عليه السلام { لا بيع ولا طلاق ولا عتاق فيما لا يملك ابن آدم } ؛ ولأن وجود [ ص: 243 ] السبب بكماله بدون آثاره يدل على فساده وقياسا على الطلاق والفرق عند أبي حنيفة أن الشراء يقع للمباشر فيفتقر نقل الملك إلى عقد آخر ، وكذلك الوكيل عنده يقع العقد له ، ثم ينتقل بخلاف البائع فإنه مخرج للسلعة لا جالب لها والجواب عن الأول القول بالموجب أو نحمله على ما قبل الإجازة ؛ لأن العام في الأشخاص مطلق في الأحوال سلمنا عمومه في الأحوال لكنه معارض بأنه عليه السلام { دفع لعروة البارقي دينارا ليشتري له به أضحية فاشترى به أضحيتين ، ثم باع أحدهما بدينار وجاء بدينار وأضحية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بارك الله لك في صفقة يمينك فكان إذا اشترى التراب ربح فيه } خرجه أبو داود ؛ ولأنه تعاون على البر ، فيكون مشروعا لقوله تعالى { وتعاونوا على البر والتقوى } ، وعن الثاني أنه ينتقض ببيع الخيار ، وعن الثالث الفرق بأن الطلاق [ ص: 244 ] والعتاق لا يقبلان الخيار فكذلك لا يقبلان الإيقاف والبيع يقبل الخيار فيقبل الإيقاف

( فرع مرتب ) إذ قلنا إن بيع الفضول يصح ويتوقف على الإجازة فهل يجوز الإقدام ابتداء قال القاضي في التنبيهات ما يقتضي تحريمه لعده إياه مع ما يقتضي الفساد لأمر خارجي .

وقال ذلك كبيع الأم دون ولدها وبيع يوم الجمعة وبيع مال الغير بغير أمره وظاهر كلام صاحب الطراز الجواز لقوله تعالى { وتعاونوا على البر والتقوى } ، وقال الأبهري قال مالك يحرم بيع السلع أيام الخيار حتى يختار لنهيه عليه السلام عن بيع ما لم يضمن قال الأبهري يحرم ذلك عليه حتى يتقرر ملكه عليها قال ومعنى نهيه عليه السلام عن بيع ما لم يضمن بيع الإنسان لملك غيره ، وهذا تصريح من مالك والأبهري بالتحريم ويجاب عن حديث عروة البارقي بأن حالة الصحبة أوجبت الإذن بلسان الحال الذي يقوم مقام [ ص: 245 ] التوكيل بلسان المقال الموجب لنفي الإثم والإباحة بخلاف الأجنبي مطلقا .

التالي السابق


حاشية ابن الشاط

قال ( الفرق الخامس والثمانون والمائة بين قاعدة ما يجوز بيعه وقاعدة ما لا يجوز بيعه إلى قوله وفي الشروط مسألتان ) قلت ما قاله في ذلك صحيح [ ص: 240 ]

قال ( المسألة الأولى إلى آخرها )

قلت ما قاله من أن فرق الحنفية يندفع بما روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها أرضعت كبيرا فحرم عليها لقائل أن يقول لا يندفع بذلك لجعل رضاع الكبير لقصد [ ص: 241 ] ثبوت التحريم داخلا فيما استثني للضرورة وما قال في المسألة الثانية إلى آخر الفرق حكاية أقوال وتوجيه وترجيح لا كلام فيه معه وجميع ما قاله في الفروق الثلاثة بعد هذا صحيح .



حاشية ابن حسين المكي المالكي

( الفرق الخامس والثمانون والمائة بين قاعدة ما يجوز بيعه وقاعدة ما لا يجوز بيعه )

وهو أن ما يجوز بيعه عبارة عما اجتمع فيه شروط خمسة أربعة منها في صحته وجوازه ولزومه معا

( الأول ) الطهارة لقوله عليه السلام في الصحيحين { إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقيل له يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنها يطلى بها السفن ويستصبح بها فقال لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها }

الشرط ( الثاني ) أن يكون منتفعا به انتفاعا شرعيا حالا أو مآلا ليصح مقابلة الثمن له

( الشرط الثالث ) أن يكون مقدورا على تسليمه حذرا من الطير في الهواء والسمك في الماء ونحوهما لنهيه عليه السلام عن بيع الغرر

( الشرط الرابع ) أن يكون معلوما للعاقدين لنهيه عليه السلام عن أكل المال بالباطل

( والشرط الخامس ) وهو أن يكون الثمن والمبيع مملوكين للعاقد والمعقود له أو من أقيما مقامه شرط في الجواز واللزوم معا دون الصحة ؛ لأن بيع الفضولي وشراءه وإن كان صحيحا علم المشتري أنه فضولي أم لا كما في المختصر إلا أنه محرم على المشهور وغير لازم يتوقف لزومه على رضا المالك كما في المختصر وغيره وبقي شرط سادس أخذه عبق من قول خليل في المختصر ووقف مرهون على رضا مرتهنه ا هـ . وعده من شروط الصحة وهو أن لا يكون لغير العاقد والمعقود له أو من أقيما مقامه حق في المعقود عليه ثمنا أو مثمنا وتعقبه الشيخ مصطفى الرماصي كما في البناني بأنه شرط في اللزوم فقط أي دون الصحبة ، وكذا دون الجواز كما هو ظاهر قال والظاهر أن المصنف أي خليلا لذلك لم يجر فيه على أسلوب ما قبله فلم يدرجه في شروط الصحة ا هـ . يعني الأربعة الأول فافهم وما لا يجوز بيعه عبارة عما فقد منه أحد شروط الجواز الخمسة الأول فتحقق الشروط الخمسة وعدم تحققها هو الفرق بين القاعدتين المذكورتين والله أعلم ( وصل )

في ثلاث مسائل تتعلق بالشروط المذكورة ( المسألة الأولى )

في الشرط الأول قال حفيد بن رشد في بدايته النجاسات على ضربين الضرب الأول ما لا تدعوا الضرورة إلى استعماله فاتفق المسلمون على تحريم بيعها وهي أنواع

( الأول ) الخمر ولذا اتفقوا على أنها نجسة إلا خلافا شاذا

( الثاني ) الميتة بجميع أجزائها التي تقبل الحياة

( الثالث ) الخنزير بجميع أجزائه التي تقبل الحياة واختلف في [ ص: 239 ] الانتفاع بشعره فأجازه ابن القاسم ومنعه أصبغ

( الضرب الثاني ) ما تدعو الضرورة إلى استعماله كالترجيع والزبل الذي يتخذ في البساتين فاختلف في بيعه في المذهب فقيل بمنعه مطلقا ، وقيل بالفرق بين العذرة والزبل أعني إباحة الزبل ، ومنع العذرة واختلفوا فيما يتخذ من أنياب الفيل لاختلافهم هل هو نجس أم لا فمن رأى أنه ناب جعله ميتة ، ومن رأى أنه قرن معكوس جعل حكمه حكم القرن والخلاف فيه في المذهب ا هـ بتصرف .

قال البناني : وقد حصل الحطاب في بيع العذرة أربعة أقوال المنع لمالك على فهم الأكثر للمدونة والكراهة على ظاهر المدونة وفهم أبي الحسن لها والجواز لابن الماجشون والفرق بين الاضطرار لها فيجوز وعدمه فيمنع لأشهب في كتاب محمد .

وأما الزبل فذكر ابن عرفة فيه ثلاثة أقوال قياسه على العذرة في المنع عند مالك وقول ابن القاسم بجوازه وقول أشهب في المدونة المشتري أعذر من البائع وتزاد الكراهة على ظاهر المدونة في العذرة وفهم أبي الحسن انظر الحطاب رحمه الله وفي التحفة :

ونجس صفقته محظورة ورخصوا في الزبل للضرورة

وهو يفيد أن العمل على بيع الزبل دون العذرة وصرح به ابن لب كما نقله عنه في المعيار أول نوازل المعاوضات وهو الذي به العمل عندنا للضرورة ا هـ . منه بلفظه وفي حاشية كنون قال الحطاب والدليل على منع بيع النجس نهيه تعالى عن أكل المال بالباطل ؛ لأنه لا تحصل به منفعة للمسلم أصلا أو حكما ودليله من السنة حديث جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال { إن الله ورسوله حرم بيع الخمر } الحديث الذي أخرجه البخاري باللفظ المذكور ومسلم بلفظ { إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنها تطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها فقال لا هو حرام ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك قاتل الله اليهود إن الله لما حرم عليهم شحومها جملوها ، ثم باعوه فأكلوا ثمنه } ومعنى أجملوه أذابوه ، وقوله حرم قال القرطبي صحت الرواية بإسناده إلى ضمير الواحد تأدبا منه عليه الصلاة والسلام أن يجمع بينه وبين اسم الله في ضمير الاثنين كما رد على الخطيب قوله ، ومن يعصهما فقال له بئس خطيب القوم قل ، ومن يعص الله انظره والله أعلم ا هـ . وفي الإكمال ما نصه .

وأما شحم الميتة فالجمهور على أنه لا ينتفع من الميتة بشيء ألبتة ؛ لأنها نجسة العين ولعموم النهي عن الانتفاع بالميتة إلا ما خصصته السنة من الجلد وأجاز عطاء الاستصباح بشحمها وأن يطلى به السفن ا هـ . وفي النوادر عن ابن الجهم والأبهري لا بأس بوقيده إذا تحفظ منه ا هـ . ولا يلزم من ذلك جواز البيع والحديث يرد عليهم راجع ما تقدم عند قوله وينتفع بمتنجس إلخ ومن شحم الميتة ما يجلب من بلاد الروم من الصابون والشمع المصنوعين من شحم غير الحيوان البحري والله أعلم ا هـ ( المسألة الثانية )

في الشرط الثاني قال صاحب الجواهر يكفي أصل المنفعة وإن قلت وقلت قيمتها فيصح بيع التراب والماء ا هـ .

أي بمكانها المعد لهما وهو التل والبحر وقيد المحلي والرملي وابن حجر صحة بيعهما فيه بأن يجوز الماء في قربة مثلا أو يكوم التراب فصورة المسألة أنه باع قربة ماء مثلا على شط البحر كما في حاشية البجيرمي على شرح شيخ الإسلام على المنهج قال شيخ الإسلام ولا يقدح فيه إمكان تحصيل مثلهما بلا تعب ولا مؤنة وما لا منفعة فيه كالحشرات التي لا تنفع وهي صغار دواب الأرض كحية وعقرب وفأرة وخنفساء لا يصح تملكه ولا بيعه إذ لا نفع في الحشرات المذكورة يقابل بالمال وإن ذكر لها منافع في الخواص بخلاف ما ينفع كضب لمنفعة أكله وعلق لمنفعة امتصاص الدم كما في شرح شيخ الإسلام على المنهج قال البناني ذكر المازري وابن رشد وغيرهما إن مثل ما لا منفعة فيه ما منافعه كلها محرمة كالدم أو جل المقصود منها محرم كالزيت النجس بخلاف ما منافعه كلها أو جلها محللة كالزبيب فإن كانت المنافع المقصودة منها محلل ومنها محرم ككلب الصيد أشكل الأمر وينبغي أن يلحق بالممنوع ا هـ . ولعل المصنف يعني خليلا رحمه الله لإشكال [ ص: 240 ] هذا لم يقنع بأخذه من شرط الانتفاع لخفائه وهو واضح ا هـ .

أي فاحتاج إلى زيادة شرط الإباحة لكون أخذه منه ظاهرا لا خفاء فيه وفي حاشية كنون وقول البناني ما منافعه كلها محرمة أي فلا يصح تملكه ولا بيعه ومثله التداوي بالخمر والخنزير وآلة اللهو ، وقال الحطاب مثله القرافي بالخمر والمطربات ، وقال في المتيطية ، ومن اشترى من آلة اللهو شيئا كبوق وغيره فسخ بيعه وأدب أهله وفي المسائل الملقوطة لا يجوز بيع أشياء منها الصور والقرد وآلة الملاهي ا هـ .

وقال ابن جزي في قوانينه ما نصه وإن كانت المنفعة لا تجوز فهي كالعدم كآلات اللهو ا هـ . وفي بداية المجتهد لحفيد ابن رشد ومن مسائلهم المشهورة في هذا الباب اختلافهم في جواز بيع لبن الآدمية إذا حلب فمالك والشافعي يجوزانه وأبو حنيفة لا يجوزه وسبب اختلافهم تعارض أقيسة الشبه وذلك أن عمدة المجيز أنه لبن أبيح شربه فأبيح بيعه قياسا على لبن سائر الأنعام وعمدة المانع أن الإنسان حيوان لا يؤكل لحمه فلا يجوز بيع لبنه قياسا على لبن الخنزير والأتان وإنه إنما أبيح شربه لمكان ضرورة الطفل إليه ا هـ ملخصا .

وقال صاحب الجواهر إثر ما تقدم عنه أو يصح بيع لبن الآدميات أي في مذهبنا ، وقاله الشافعي وابن حنبل قياسا على لبن الغنم ، وقال أبو حنيفة رضي الله عنهم أجمعين لا يجوز بيعه ولا أكله ؛ لأنه جزء حيوان منفصل عنه في حياته فيحرم أكله فيمتنع بيعه ويفرق بينه وبين لبن الغنم بشرف الآدمي أي فلا يتم القياس المتقدم ولا يرد إباحة لبنه ؛ لأنه استثني منه من الرضاع للضرورة وبقي ما عداه على الأصل بخلاف الأنعام بدليل تحريم لحمه تشريفا له نعم يندفع الفرق بما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها أرضعت كبيرا فحرم عليها فلو كان حراما لما فعلت ذلك ولم ينكر عليها أحد من الصحابة فكان ذلك إجماعا على إلغاء هذا الفرق ا هـ .

قال ابن الشاط لقائل أن يقول لا يندفع بذلك لجعل رضاع الكبير لقصد ثبوت التحريم داخلا فيما استثني للضرورة ا هـ . ( المسألة الثالثة )

في الشرط الخامس قال صاحب الجواهر مقتضى ما حكاه الشيخ أبو إسحاق إن هذا الشرط شرط في الصحة أي للبيع والشراء ، وقاله الشافعي وابن حنبل رضي الله عنهما ، وقال أبو حنيفة هو شرط في الشراء في صحته دون البيع ا هـ . وأطلق الأصحاب صحة بيع الفضولي وشرائه والأصل بعد قول صاحب الجواهر إثر ما تقدم عنه ، وقال ابن يونس يمتنع أن يشتري من رجل سلعة ليست في ملكه ويوجب على نفسه تحصيل ثمنها ؛ لأنه غرر ، وقال سحنون إن نزل ذلك فلربها إمضاء البيع كمن غصب سلعة والمشتري يعلم بالغصب ومنع أشهب ذلك في الغصب لدخولهما على الفساد والغرر ، وقال ابن يونس وهو أي المنع القياس في المسألتين أي مسألتي الفضولي والغصب ا هـ . قال ظاهر ، وهذا النقل يقتضي أن إطلاق الأصحاب محمول على ما إذا كان المشتري غير عالم بعدم الملك فالمشهور أن له الإمضاء أما إذا علم أي بعدم الملك فلا على هذا الخلاف أي ، فليس له الإمضاء ا هـ .

وفي مختصر خليل وملك غير على رضاه ، ولو علم المشتري قال عبق ما حاصله أي وتصرف ملك غير أي فيه أوله فيشمل البيع والشراء ؛ لأن حكمهما واحد كما في الإرشاد قاله التتائي والمعتمد حرمة بيعه وشرائه كما قال القرافي إنه المشهور لا جوازه ولا بد به كما للطراز قاله الحطاب والحق أنه يختلف بحسب المقاصد وما يعلم من حال المالك إنه الأصلح له فإذا تصرف في ملك غير فهو لازم من جهته منحل من جهة المالك فله إجازته ، ولو علم المشتري بأنه فضولي ويطلب الفضولي فقط بالثمن ؛ لأنه بإجازته بيعه صار وكيلا ويأتي في الوكالة وطولب بثمن ومثمن ما لم يصرح بالبراءة ولا طلب له على المشتري وله رده لكن بالقرب فإن سكت مع العلم عاما فلا رد له ، وليس له إلا طلب الثمن فإن سكت مدة الحيازة لم يكن له شيء انظر الحطاب وقيد المصنف بثلاثة قيود

( أحدها ) أن لا يكون المالك حاضرا بيع الفضولي فإن حضره وسكت لزمه البيع فإن سكت بعد انقضاء المجلس الحاضر له حتى مضى عام ونحوه ولم يطالب بالثمن فلا شيء له [ ص: 241 ] على البائع

( ثانيها ) في غير الصرف ، وأما فيه فيفسخ كما سيأتي في قوله إن لم يخبر المصطرف

( ثالثها ) في غير الوقف .

وأما فيه فباطل لا يتوقف على رضا واقفه وإن كان الملك له كما سيذكره المصنف ؛ لأن الملك له في شيء خاص وهو ما أشار له بقوله فإنه ولوارثه منع من يريد إصلاحه وإن تصرف لملك غير أي اشترى لغيره ولم يجزه لزم الشراء للمشتري ولا يرجع رب المال على البائع بماله إلا أن يكون المشتري أشهد أن الشراء لفلان بماله والبائع يعلم ذلك أو صدق المشتري فيه أو تقوم بينة أن الشيء الذي اشترى به ملك للمشتري له فإن أخذ المشتري له ماله ولم يجز الشراء انتقض البيع فيما إذا صدق البائع أنه اشترى لغيره أو قامت بينة أن البائع يعلم ذلك ولم ينتقض مع قيام البينة أن المال للمشتري له ، بل يرجع على المشتري بجميع الثمن ويلزمه البيع هذا قول ابن القاسم وأصبغ ا هـ .

وسلمه البناني والتاودي والرهوني وكنون فهو المذهب وأصل قوله والمعتمد حرمة بيعه وشرائه إلخ قول الأصل ظاهر كلام الطراز الجواز لحديث عروة البارقي الآتي والمراد بالجواز الندب لقوله تعالى { وتعاونوا على البر والتقوى } لكن قول القاضي أي عياض في التنبيهات أن ما يقتضي الفساد لأمر خارجي كبيع الأم دون ولدها وبيع يوم الجمعة وبيع مال الغير بغير أمره ا هـ . يقتضي تحريمه ، بل قد وقع التصريح بالتحريم من مالك والأبهري في قول الأبهري قال مالك يحرم بيع السلع أيام الخيار حتى يختار لنهيه عليه السلام عن بيع ما لم يضمن قال الأبهري يحرم ذلك عليه حتى يتقرر ملكه عليها قال ومعنى نهيه عليه السلام عن بيع ما لم يضمن بيع الإنسان لملك غيره ا هـ .

ويجاب عن حديث عروة البارقي بأن حالة الصحبة أوجبت الإذن بلسان الحال الذي يقوم مقام التوكيل بلسان المقال الموجب للإباحة ونفي الإثم بخلاف الأجنبي مطلقا ا هـ . وحجة الشافعية والحنابلة ثلاثة أمور

( الأول ) قوله عليه السلام { لا بيع ولا طلاق ولا عتاق فيما لا يملك ابن آدم }

( الأمر الثاني ) قاعدة أن وجود السبب بكماله بدون آثاره يدل على فساده

( الأمر الثالث ) القياس على الطلاق والعتاق ووجه الفرق عند أبي حنيفة بين الشراء والبيع أن الشراء يقع للمباشرة فيفتقر نقل الملك إلى عقد آخر ، وكذلك الوكيل عنده يقع العقد له ، ثم ينتقل بخلاف البائع فإنه مخرج للسلعة لا جالب لها وأجاب المالكية عن ( الحديث ) بأنه إن أريد لا شيء من الثلاثة لازم فيما إلخ قلنا بموجبه وإن أريد لا شيء منها صحيح فيما إلخ حملناه على ما قبل الإجازة ؛ لأن العام في الأشخاص مطلق في الأحوال سلمنا عمومه في الأحوال لكنه معارض بأنه عليه السلام { دفع لعروة البارقي دينارا ليشتري له به أضحية فاشترى به أضحيتين ، ثم باع إحداهما بدينار وجاء بدينار وأضحية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بارك الله لك في صفقة يمينك فكان إذا اشترى التراب ربح } فيه خرجه أبو داود ؛ ولأنه تعاون على البر ، فيكون مشروعا لقوله تعالى { وتعاونوا على البر والتقوى } ، وعن القاعدة بأنها تنتقض ببيع الخيار ، وعن القياس بالفرق بأن الطلاق والعتاق لا يقبلان الخيار فكذلك لا يقبلان الإيقاف والبيع يقبل الخيار فيقبل الإيقاف والله سبحانه وتعالى أعلم .




الخدمات العلمية