الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 36 ] 867 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من إظهار التكبير في العيد وفي أي حال يكون من الطريق إليه ، أم بعد الجلوس فيه

5428 - حدثنا فهد بن سليمان ، ويحيى بن عثمان ، قالا : حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثني الليث بن سعد ، حدثنا إسحاق بن بزرج ، عن الحسن بن علي ، قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نلبس أجود ما نجد ، وأن نضحي بأسمن ما نجد ; البقرة عن سبعة ، والجزور عن عشرة ، وأن نظهر التكبير وعلينا السكينة والوقار .

[ ص: 37 ] ففي هذا الحديث : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإظهار التكبير في العيد بغير ذكر منه الحال التي يكون ذلك التكبير فيها من طريق إلى العيد ، [ ص: 38 ] ومما سوى ذلك .

فنظرنا : هل نجد في ذلك شيئا يدلنا على الحال التي يكون ذلك التكبير فيها . ؟

فوجدنا فهدا قد حدثنا ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا عائذ بن حبيب ، عن الحجاج ، عن سعيد بن أشوع ، عن حنش بن المعتمر قال : رأيت عليا رضي الله عنه ، أتي ببغلته يوم الأضحى فركبها ، فلم يزل يكبر حتى أتى الجبانة .

ووجدنا محمد بن خزيمة قد حدثنا ، قال : حدثنا يوسف بن عدي ، حدثنا عبد الله بن إدريس ، عن ابن عجلان ، عن نافع ، عن ابن عمر : أنه كان يخرج يوم الفطر ويوم الأضحى يكبر ، يرفع بذلك صوته حتى يجيء المصلى .

ووجدنا يوسف بن يزيد قد حدثنا ، قال : حدثنا سعيد بن منصور ، حدثنا الدراوردي ، عن موسى بن عقبة ، وعبيد الله بن عمر ، عن نافع : أن ابن عمر كان إذا خرج من بيته إلى العيد كبر حتى يأتي [ ص: 39 ] المصلى ، ولا يخرج حتى تطلع الشمس .

ووجدنا محمد بن خزيمة ، وابن أبي داود قد حدثانا ، قالا : حدثنا يوسف بن عدي ، حدثنا ابن إدريس ، عن يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة ، عن محمد بن إبراهيم : أن أبا قتادة كان يكبر يوم العيد حتى يبلغ المصلى .

قال أبو جعفر : فكان ما روينا عن علي ، وابن عمر ، وأبي قتادة في ذلك التكبير أنه في الطريق إلى المصلى لا فيما سواه .

ووجدنا أبا أمية قد حدثنا ، قال : حدثنا جعفر بن عون المخزومي ، ثم العمري ، أخبرنا الأعمش ، عن تميم بن سلمة ، قال : خرج ابن الزبير يوم العيد ، فلم يرهم يكبرون ، فقال : ما لهم لا يكبرون ؟! أما والله لئن فعلوا ذلك ، لقد رأيتنا في عسكر ما يرى طرفاه ، فيكبر الرجل ويكبر الذي يليه ، حتى يرتج العسكر ، وإن بينكم وبينهم كما بين الأرض السفلى إلى السماء الدنيا .

قال أبو جعفر : فكان في هذا الحديث عن ابن الزبير في التكبير [ ص: 40 ] في الطريق إلى المصلى كما في حديث علي ، وابن عمر ، وأبي قتادة ، وكان في حديثه إخباره بذلك عمن كان قبله ممن كان في الرتبة التي فوق أهل الزمان الذي رآهم لا يكبرون فيه . فقال قائل : فقد روي عن عبد الله بن عباس ما يخالف ما في هذه الآثار .

فذكر ما قد حدثنا بكار بن قتيبة ، حدثنا أبو عامر العقدي ، حدثنا ابن أبي ذئب ، عن شعبة مولى ابن عباس ، قال : كنت أقود ابن عباس إلى المصلى فيسمع الناس يكبرون ، فيقول : ما شأن الناس أيكبر الإمام ؟ فأقول : لا ، فيقول : أمجانين الناس ؟

فكان جوابنا له في ذلك : أنه قد يحتمل أن يكون التكبير الذي أنكره ابن عباس لما سمعه كان تكبير من في المصلى ، وليس ذلك بموضع تكبير ، فقال من أجل ذلك ما قال : إن ذلك الموضع إنما يكبر الناس فيه بعد دخولهم في الصلاة لعيدهم ، ولتكبير الإمام التكبير الذي يكبره فيها مما يكبر الناس بتكبيره فيها ، وهو أولى ما حمل عليه ما قد روي عنه من هذا حتى لا يكون خارجا عما رويناه عما سواه في هذا الباب .

فقال قائل : فقد روي عن إبراهيم ما يدل على كراهته ، كان لذلك فذكر . [ ص: 41 ]

ما قد حدثنا أحمد بن داود ، حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر ، حدثنا سفيان ، عن علي بن حي ، عن إبراهيم النخعي : أنه سئل عن التكبير يوم الفطر ، فقال : إنما يفعله الحواكون . فكان جوابنا له في ذلك : أن ما روينا في هذا الباب مما تقدمت روايتنا إياه فيه عمن روينا عنه فيه أولى أن يؤخذ به مما رويناه عن إبراهيم مما يخالفه ، وإن كان غير متصل به في إسناده ، لأن علي بن حي لم يلقه ، ولم يسمع منه ، وقد روي في تأويل قول الله عز وجل : ولتكبروا الله على ما هداكم ما يدل على ما روي خلاف ذلك مما قد ذكرناه قبله في هذا الباب .

كما حدثنا ابن أبي داود ، حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن داود بن قيس ، قال : سمعت زيد بن أسلم يقول : ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ، قال : التكبير يوم الفطر .

وقد روي عن عطاء بن أبي رباح : أن التكبير في العيد سنة .

[ ص: 42 ] كما حدثنا أبو أمية قال : حدثنا عبد الرحمن بن قيس الضبي ، قال : حدثنا ابن جريج ، عن عطاء في التكبير يوم العيد قال : سنة .

وفيما قد ذكرنا في هذا الباب مما يوجب التكبير في يوم العيد في الطريق إلى المصلى مما يجب التمسك به وترك خلافه ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية