الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين

                                                                                                                                                                                                فإن قلت: كيف قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم ": فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك مع قوله في الكفرة: وإنهم لفي شك منه مريب [هود: 110] ؟

                                                                                                                                                                                                قلت: فرق عظيم بين قوله: ( إنهم لفي شك منه مريب ) بإثبات الشك لهم على سبيل التأكيد والتحقيق، وبين قوله: فإن كنت في شك بمعنى: الفرض والتمثيل، كأنه قيل: فإن وقع لك شك مثلا، وخيل لك الشيطان خيالا منه تقديرا، فاسأل الذين يقرءون الكتاب ، والمعنى: أن الله -عز وجل- قدم ذكر بني إسرائيل وهم قرأة الكتاب، [ ص: 174 ] ووصفهم بأن العلم قد جاءهم، لأن أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل، وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، فأراد أن يؤكد علمهم بصحة القرآن وصحة نبوة محمد -عليه السلام- ويبالغ في ذلك، فقال: فإن وقع لك شك فرضا وتقديرا وسبيل من خالجته شبهة في الدين أن يسارع إلى حلها وإماطتها، إما بالرجوع إلى قوانين الدين وأدلته، وإما بمقادحة العلماء المنبهين على الحق، فسل علماء أهل الكتاب، يعني: أنهم من الإحاطة بصحة ما أنزل إليك وقتلها علما بحيث يصلحون لمراجعة مثلك ومساآتهم فضلا عن غيرك، فالغرض وصف الأحبار بالرسوخ في العلم بصحة ما أنزل إلى رسول الله، لا وصف رسول الله بالشك فيه، ثم قال: لقد جاءك الحق من ربك : أي: ثبت عندك بالآيات، والبراهين القاطعة، أن ما أتاك هو الحق الذي لا مدخل فيه للمرية، فلا تكونن من الممترين ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله أي: فاثبت ودم على ما أنت عليه من انتفاء المرية عنك والتكذيب بآيات الله، ويجوز أن يكون على طريقة التهييج والإلهاب، كقوله: فلا تكونن ظهيرا للكافرين ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك [القصص: 86 - 87]، ولزيادة التثبيت والعصمة، ولذلك قال عليه السلام عند نزوله: "لا أشك ولا أسأل بل أشهد أنه الحق"، وعن ابن عباس -رضي الله عنه-: لا والله، ما شك طرفة عين، ولا سأل أحدا منهم، وقيل: خوطب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمراد: خطاب أمته ، ومعناه: فإن كنتم في شك مما أنزلنا إليكم، كقوله: وأنزلنا إليكم نورا مبينا [النساء: 174] ، وقيل: الخطاب للسامع ممن يجوز عليه الشك، كقول العرب: إذا عز أخوك فهن، وقيل: "إن" للنفي، أي: فما كنت في شك فاسأل، يعني: لا نأمرك بالسؤال; لأنك شاك، ولكن لتزداد يقينا، كما ازداد إبراهيم -عليه السلام- بمعاينة إحياء الموتى، وقرئ: "فاسأل الذين يقرؤون الكتب" .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية