الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 72 ] 86 - باب بيان مشكل ما روي عنه عليه السلام في الصلاة التي لها هذا الفضل الذي ذكرناه في الباب الأول : هل هي من الفرائض أو من النوافل ؟

613 - حدثنا ابن مرزوق ، وعلي بن عبد الرحمن قالا : حدثنا عفان ، حدثنا وهيب بن خالد ، حدثنا موسى بن عقبة قال : سمعت أبا النضر يحدث عن بسر بن سعيد ، عن زيد بن ثابت أن النبي عليه السلام احتجر حجرة في المسجد من حصير ، فصلى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليالي حتى اجتمع إليه ناس ، ثم فقدوا صوته فظنوا أنه قد نام ، فجعل بعضهم يتنحنح ليخرج إليهم ، فقال : ما زال بكم الذي رأيت من صنيعكم حتى خشيت أن يكتب عليكم قيام الليل ، فصلوا أيها الناس في بيوتكم ، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة .

[ ص: 73 ]

614 - وحدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا مكي بن إبراهيم ، حدثنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند ، عن أبي النضر ، عن بسر بن سعيد ، عن زيد بن ثابت الأنصاري أنه قال : احتجر رسول الله صلى الله عليه وسلم حجرة في المسجد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من الليل يصلي فيها فيسمع رجالا وراءه ، وهو يصلي ، فصلوا معه بصلاته فكانوا يأتونه كل ليلة حتى إذا كان ليلة من الليالي لم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتنحنحوا ورفعوا أصواتهم وحصبوا بابه ، فخرج إليهم مغضبا فقال : ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أن ستكتب ، عليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا هذه الصلاة المكتوبة .

حدثنا يونس ، حدثنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن أبي النضر ، عن بسر [ ص: 74 ] أن زيد بن ثابت قال : أفضل الصلاة صلاتكم في بيوتكم إلا صلاة الجماعة ولم يرفعه مالك .

وكان في حديث زيد هذا تفضيل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات النوافل في البيوت عليها في المساجد ، وكان الخطاب بذلك منه عليه السلام الذي خاطبهم به على أن صلواتهم في منازلهم أفضل من صلواتهم في مسجده غير الصلوات المكتوبات .

فعقلنا بذلك أنها كذلك في المسجد الحرام وفي المسجد الأقصى .

وفي هذا الحديث من الفقه ما يقضي بين الفقهاء فيما اختلفوا فيه من الرجل يوجب لله تعالى على نفسه أن يصلي صلاة يتطوع بها في واحد من المسجد الحرام أو من مسجد النبي عليه السلام أو من المسجد الأقصى ، فيصليها في بيته أنها تجزئه أو لا تجزئه ، فممن قال إنها مجزئة : أبو حنيفة ومحمد ، وقد خالفهما في ذلك كثير من أهل العلم فقالوا : لا تجزئه ، وقد روي القولان جميعا عن أبي يوسف .

فكان الصحيح في ذلك عندنا ، والله أعلم ، أنه تجزئه ؛ لأنه صلاها في موضع صلاته إياها فيه أفضل من صلاته إياها في الموضع الذي أوجب على نفسه أن يصليها لله تعالى فيه ، وإنما يجب من النذور والإيجابات ما يكون لله تعالى قربة ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية