الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

وأما طلب أعذار الخليقة ، فهذا له وجهان : وجه محمود ، ووجه مذموم حرام .

فالمذموم : أن تطلب أعذارهم ، نظرا إلى الحكم القدري ، وجريانه عليهم ، شاءوا أم أبوا ، فتعذرهم بالقدر .

وهذا القدر ينتهي إليه كثير من السالكين ، والناظرين إلى القدر ، الفانين في شهوده ، وهو - كما تقدم - درب خطر جدا ، قليل المنفعة ، لا ينجي وحده .

وأظن هذا مراد صاحب المنازل ، لأنه قال بعد ذلك :

مشاهدة العبد الحكم لم يدع له استحسان حسنة ، ولا استقباح سيئة ، لصعوده من جميع المعاني إلى معنى الحكم .

[ ص: 206 ] وهذا الشهود شهود ناقص مذموم ، إن طرده صاحبه ، فعذر أعداء الله ، وأهل مخالفته ومخالفة رسله ، وطلب أعذارهم كان مضادا لله في أمره ، عاذرا من لم يعذره الله ، طالبا عذر من لامه الله وأمر بلومه ، وليست هذه موافقة لله ، بل موافقته لوم هذا ، واعتقاد أنه لا عذر له عند الله ، ولا في نفس الأمر ، فالله عز وجل قد أعذر إليه ، وأزال عذره بالكلية ، ولو كان معذورا في نفس الأمر عند الله لما عاقبه البتة ، فإن الله عز وجل أرحم وأغنى وأعدل من أن يعاقب صاحب عذر ، فلا أحد أحب إليه العذر من الله ، ومن أجل ذلك أرسل الرسل وأنزل الكتب ، إزالة لأعذار خلقه ، لئلا يكون لهم عليه حجة .

ومعلوم أن طالب عذرهم ومصححه مقيم لحجة قد أبطلها الله من جميع الوجوه ، فلله الحجة البالغة ، ومن له عذر من خلقه - كالطفل الذي لا يميز ، والمعتوه ، ومن لم تبلغه الدعوة ، والأصم الأعمى الذي لا يبصر ولا يسمع - فإن الله لا يعذب هؤلاء بلا ذنب البتة ، وله فيهم حكم آخر في المعاد ، يمتحنهم بأن يرسل إليهم رسولا يأمرهم وينهاهم ، فمن أطاع الرسول منهم ، أدخله الجنة ، ومن عصاه أدخله النار ، حكى ذلك أبو الحسن الأشعري عن أهل السنة والحديث في مقالاته ، وفيه عدة أحاديث بعضها [ ص: 207 ] في مسند أحمد ، كحديث الأسود بن سريع ، وحديث أبي هريرة .

ومن طعن في هذه الأحاديث بأن الآخرة دار جزاء لا دار تكليف فهذه الأحاديث مخالفة للعقل ، فهو جاهل ، فإن التكليف إنما ينقطع بدخول دار القرار ، الجنة أو النار ، وإلا فالتكليف واقع في البرزخ وفي العرصات ، ولهذا يدعوهم إلى السجود له في الموقف ، فيسجد المؤمنون له طوعا واختيارا ، ويحال بين الكفار والمنافقين وبين السجود .

والمقصود : أنه لا عذر لأحد البتة في معصية الله ، ومخالفة أمره ، مع علمه بذلك ، وتمكنه من الفعل والترك ، ولو كان له عذر لما استحق العقوبة واللوم ، لا في الدنيا ولا في العقبى .

فإن قيل : هذا كلام بلسان الحال بالشرع ، ولو نطقت بلسان الحقيقة ، لعذرت الخليقة ، إذ هم صائرون إلى مشيئة الله فيهم ، وما قضاه وقدره عليهم ولا بد ، فهم مجار لأقداره ، وسهامها نافذة فيهم ، وهم أغراض لسهام الأقدار لا تخطئهم البتة ، ولكن من غلب عليه مشاهدة الحكم الشرعي لم يمكنه طلب العذر لهم ، ومن غلب عليه مشاهدة الحكم الكوني عذرهم ، فأنت معذور في الإنكار علينا بحقيقة الشرع ، ونحن معذورون في طلب العذر بحقيقة الحكم ، وكلانا مصيب .

فالجواب من وجوه :

أحدها : أن يقال : العذر إن لم يكن مقبولا لم يكن نافعا ، والاعتذار بالقدر غير مقبول ، ولا يعذر أحد به ، ولو اعتذر فهو كلام باطل لا يفيد شيئا البتة ، بل يزيد في ذنب الجاني ، ويغضب الرب عليه ، وما هذا شأنه لا يشتغل به عاقل .

الثاني : أن الاعتذار بالقدر يتضمن تنزيه الجاني نفسه ، وتنزيه ساحته ، وهو الظالم الجاهل ، والجهل على القدر نسبة الذنب إليه ، وتظليمه بلسان الحال والقال ، بتحسين [ ص: 208 ] العبارة وتلطيفها ، وربما غلبه الحال ، فصرح بالوجد ، كما قال بعض خصماء الله :

ألقاه في اليم مكتوفا ، وقال له : إياك إياك أن تبتل بالماء

.

وقال خصم آخر :


وضعوا اللحم للبزا     ة على ذروتي عدن
ثم لاموا البزاة أن     خلعوا عنهم الرسن
لو أرادوا صيانتي     ستروا وجهك الحسن

وقال خصم آخر :


أصبحت منفعلا لما تختاره     مني ففعلي كله طاعات

وقال خصم آخر شاكيا متظلما :


إذا كان المحب قليل حظ     فما حسناته إلا ذنوب

وقال خصم آخر معتذرا عن إبليس : لما عصى من كان إبليسه ؟ .

ولخصماء الله هاهنا تظلمات وشكايات ، ولو فتشوا زوايا قلوبهم لوجدوا هناك خصما متظلما شاكيا عاتبا ، يقول : لا أقدر أن أقول شيئا ، وإني مظلوم في صورة ظالم ، ويقول بحرقة ويتنفس الصعداء : مسكين ابن آدم ، لا قادر ولا معذور .

وقال الآخر : ابن آدم كرة تحت صولجانات الأقدار ، يضربها واحد ، ويردها الآخر ، وهل تستطيع الكرة الانتصاف من الصولجان ؟ .

ويتمثل خصم آخر بقول الشاعر :


بأبي أنت وإن أس     رفت في هجري وظلمي

فجعله هاجرا بلا ذنب ، ظالما ، بل مسرفا ، قد تجاوز الحد في ظلمه ، ويقول آخر :


أظلت علينا منك يوما سحابة     أضاءت لنا برقا وأبطا رشاشها
فلا غيمها يجلو فييئس طالب     ولا غيثها يأتي فيروي عطاشها

ويقول آخر :


يدنو إليك ونقص الحظ يبعده     ويستقيم وداعي البين يلويه

[ ص: 209 ] ويقول خصم آخر :


واقف في الماء ظمآ     ن ولكن ليس يسقى

ومن له أدنى فهم وبصيرة يعلم أن هذا كله تظلم وشكاية وعتب ، ويكاد أحدهم يقول : يا ظالمي لولا ، ولو فتش نفسه كما ينبغي لوجد ذلك فيها ، وهذا ما لا غاية بعده من الجهل والظلم ، والإنسان كما قال الله تعالى إنه كان ظلوما جهولا ، والله هو الغني الحميد .

ولو علم هذا الظالم الجاهل أن بلاءه من نفسه ومصابه منها ، وأنها أولى بكل ذم وظلم ، وأنها مأوى كل سوء ، و إن الإنسان لربه لكنود ، قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة : كفور جحود لنعم الله ، وقال الحسن : هو الذي يعد المصائب ، وينسى النعم ، وقال أبو عبيدة : هو قليل الخير ، والأرض الكنود التي لا نبت بها ، وقيل : التي لا تنبت شيئا من المنافع ، وقال الفضل بن عباس : الكنود الذي أنسته الخصلة الواحدة من الإساءة الخصال الكثيرة من الإحسان .

ولو علم هذا الظالم الجاهل أنه هو القاعد على طريق مصالحه يقطعها عن الوصول إليه ، فهو الحجر في طريق الماء الذي به حياته ، وهو السكر الذي قد سد مجرى الماء إلى بستان قلبه ، ويستغيث مع ذلك : العطش العطش ، وقد وقف في طريق الماء ، ومنع وصوله إليه ، فهو حجاب قلبه عن سر غيبه ، وهو الغيم المانع لإشراق شمس الهدى على القلب ، فما عليه أضر منه ، ولا له أعداء أبلغ في نكايته وعداوته منه .


ما تبلغ الأعداء من جاهل     ما يبلغ الجاهل من نفسه

فتبا له ظالما في صورة مظلوم ، وشاكيا والجناية منه ، قد جد في الإعراض وهو [ ص: 210 ] ينادي : طردوني وأبعدوني ، ولى ظهره الباب ، بل أغلقه على نفسه وأضاع مفاتيحه وكسرها ، ويقول :


دعاني وسد الباب دوني فهل إلى     دخولي سبيل بينوا لي قصتي

يأخذ الشفيق بحجزته عن النار ، وهو يجاذبه ثوبه ويغلبه ويقتحمها ، ويستغيث : ما حيلتي ؟ وقد قدموني إلى الحفيرة وقذفوني فيها ، والله كم صاح به الناصح : الحذر الحذر ، إياك إياك ، وكم أمسك بثوبه ، وكم أراه مصارع المقتحمين وهو يأبى إلا الاقتحام :


وكم سقت في آثاركم من نصيحة     وقد يستفيد الظنة المتنصح

يا ويله ظهيرا للشيطان على ربه ، خصما لله مع نفسه ، جبري المعاصي ، قدري الطاعات ، عاجز الرأي ، مضياع لفرصته ، قاعد عن مصالحه ، معاتب لأقدار ربه ، يحتج على ربه بما لا يقبله من عبده وامرأته وأمته إذا احتجوا به عليه في التهاون في بعض أمره ، فلو أمر أحدهم بأمر ففرط فيه ، أو نهاه عن شيء فارتكبه ، وقال : القدر ساقني إلى ذلك ، لما قبل منه هذه الحجة ، ولبادر إلى عقوبته .

فإن كان القدر حجة لك أيها الظالم الجاهل في ترك حق ربك ، فهلا كان حجة لعبدك وأمتك في ترك بعض حقك ؟ بل إذا أساء إليك مسيء ، وجنى عليك جان ، واحتج بالقدر لاشتد غضبك عليه ، وتضاعف جرمه عندك ، ورأيت حجته داحضة ، ثم تحتج على ربك به ، وتراه عذرا لنفسك ؟ ! فمن أولى بالظلم والجهل ممن هذه حاله ؟

هذا مع تواتر إحسان الله إليك على مدى الأنفاس ، أزاح عللك ، ومكنك من التزود إلى جنته ، وبعث إليك الدليل ، وأعطاك مؤنة السفر وما تتزود به ، وما تحارب به قطاع الطريق عليك ، فأعطاك السمع والبصر والفؤاد ، وعرفك الخير والشر ، والنافع والضار ، وأرسل إليك رسوله ، وأنزل إليك كتابه ، ويسره للذكر والفهم والعمل ، وأعانك بمدد من جنده الكرام ، يثبتونك ويحرسونك ، ويحاربون عدوك ويطردونه عنك ، ويريدون منك أن لا تميل إليه ولا تصالحه ، وهم يكفونك مؤنته ، وأنت تأبى إلا مظاهرته عليهم ، وموالاته دونهم ، بل تظاهره وتواليه دون وليك الحق الذي هو أولى بك ، قال الله تعالى وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا [ ص: 211 ] طرد إبليس عن سمائه ، وأخرجه من جنته ، وأبعده من قربه ، إذ لم يسجد لك ، وأنت في صلب أبيك آدم ، لكرامتك عليه ، فعاداه وأبعده ، ثم واليت عدوه ، وملت إليه وصالحته ، وتتظلم مع ذلك ، وتشتكي الطرد والإبعاد ، وتقول :


عودوني الوصال والوصل عذب     ورموني بالصد والصد صعب

نعم ، وكيف لا يطرد من هذه معاملته ؟ وكيف لا يبعد عنه من كان هذا وصفه ؟ وكيف يجعل من خاصته وأهل قربه من حاله معه هكذا ؟ قد أفسد ما بينه وبين الله وكدره .

أمره الله بشكره ، لا لحاجته إليه ، ولكن لينال به المزيد من فضله ، فجعل كفر نعمه ، والاستعانة بها على مساخطه من أكبر أسباب صرفها عنه .

وأمره بذكره ليذكره بإحسانه ، فجعل نسيانه سببا لنسيان الله له نسوا الله فأنساهم أنفسهم ، نسوا الله فنسيهم أمره بسؤاله ليعطيه ، فلم يسأله ، بل أعطاه أجل العطايا بلا سؤال ، فلم يقبل ، يشكو من يرحمه إلى من لا يرحمه ، ويتظلم ممن لا يظلمه ، ويدع من يعاديه ويظلمه ، إن أنعم عليه بالصحة والعافية والمال والجاه استعان بنعمه على معاصيه ، وإن سلبه ذلك ظل متسخطا على ربه وهو شاكيه ، لا يصلح له على عافية ، ولا على ابتلاء ، العافية تلقيه إلى مساخطه ، والبلاء يدفعه إلى كفرانه وجحود نعمته ، وشكايته إلى خلقه .

دعاه إلى بابه فما وقف عليه ولا طرقه ، ثم فتحه له فما عرج عليه ولا ولجه ، أرسل إليه رسوله يدعوه إلى دار كرامته ، فعصى الرسول ، وقال : لا أبيع ناجزا بغائب ، ونقدا بنسيئة ، ولا أترك ما أراه لشيء سمعت به ، ويقول :


خذ ما رأيت ودع شيئا سمعت به     في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل

فإن وافق حظه طاعة الرسول أطاعه لنيل حظه ، لا لرضى مرسله ، لم يزل يتمقت إليه بمعاصيه ، حتى أعرض عنه ، وأغلق الباب في وجهه .

ومع هذا فلم يؤيسه من رحمته ، بل قال : متى جئتني قبلتك ، إن أتيتني ليلا قبلتك ، وإن أتيتني نهارا قبلتك ، وإن تقربت مني شبرا تقربت منك ذراعا ، وإن تقربت [ ص: 212 ] مني ذراعا تقربت منك باعا ، وإن مشيت إلي هرولت إليك ، ولو لقيتني بقراب الأرض خطايا ، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا ، أتيتك بقرابها مغفرة ، ولو بلغت ذنوبك عنان السماء ، ثم استغفرتني غفرت لك ، ومن أعظم مني جودا وكرما ؟

عبادي يبارزونني بالعظائم ، وأنا أكلؤهم على فرشهم ، إني والجن والإنس في نبأ عظيم : أخلق ويعبد غيري ، وأرزق ويشكر سواي ، خيري إلى العباد نازل ، وشرهم إلي صاعد ، أتحبب إليهم بنعمي ، وأنا الغني عنهم ، ويتبغضون إلي بالمعاصي ، وهم أفقر شيء إلي .

من أقبل إلي تلقيته من بعيد ، ومن أعرض عني ناديته من قريب ، ومن ترك لأجلي أعطيته فوق المزيد ، ومن أراد رضاي أردت ما يريد ، ومن تصرف بحولي وقوتي ألنت له الحديد .

أهل ذكري أهل مجالستي ، وأهل شكري أهل زيادتي ، وأهل طاعتي أهل كرامتي ، وأهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي ، إن تابوا إلي فأنا حبيبهم ، فإني أحب التوابين وأحب المتطهرين ، وإن لم يتوبوا إلي فأنا طبيبهم ، أبتليهم بالمصائب ، لأطهرهم من المعايب .

من آثرني على سواي آثرته على سواه ، الحسنة عندي بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، إلى أضعاف كثيرة ، والسيئة عندي بواحدة ، فإن ندم عليها واستغفرني غفرتها له .

أشكر اليسير من العمل ، وأغفر الكثير من الزلل ، رحمتي سبقت غضبي ، وحلمي سبق مؤاخذتي ، وعفوي سبق عقوبتي ، أنا أرحم بعبادي من الوالدة بولدها لله أشد فرحا بتوبة عبده من رجل أضل راحلته بأرض مهلكة دوية عليها طعامه وشرابه ، فطلبها حتى إذا أيس من حصولها ، نام في أصل شجرة ينتظر الموت ، فاستيقظ فإذا هي على رأسه ، قد تعلق خطامها بالشجرة ، فالله أفرح بتوبة عبده من هذا براحلته
.

وهذه فرحة إحسان وبر ولطف ، لا فرحة محتاج إلى توبة عبده ، منتفع بها ، وكذلك [ ص: 213 ] موالاته لعبده إحسانا إليه ، ومحبة له وبرا به ، لا يتكثر به من قلة ، ولا يتعزز به من ذلة ، ولا ينتصر به من غلبة ، ولا يعده لنائبة ، ولا يستعين به في أمر وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا فنفى أن يكون له ولي من الذل ، والله ولي الذين آمنوا ، وهم أولياؤه .

فهذا شأن الرب وشأن العبد ، وهم يقيمون أعذار أنفسهم ، ويحملون ذنوبهم على أقداره .


استأثر الله بالمحامد والمج     د وولى الملامة الرجلا

وما أحسن قول القائل :


تطوي المراحل عن حبيبك دائبا     وتظل تبكيه بدمع ساجم
كذبتك نفسك لست من أحبابه     تشكو البعاد وأنت عين الظالم



التالي السابق


الخدمات العلمية