الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب القدر يقع فيها الطير فيموت ذكر أبو جعفر الطحاوي قال : سمعت أبا حازم القاضي يحدث عن سويد بن سعيد عن علي بن مسهر قال : كنت عند أبي حنيفة رضي الله عنه فأتاه ابن المبارك بهيئة خراساني ، فسأله عن رجل نصب له قدرا فيها لحم على النار فمر طير فوقع فيها فمات ، فقال أبو حنيفة لأصحابه : ماذا ترون ؟ فذكروا له عن ابن عباس أن اللحم يؤكل بعدما يغسل ويهراق المرق ، فقال أبو حنيفة : بهذا نقول ولكن هو عندنا على شريطة ، فإن كان وقع فيها في حال سكونها فكما في هذه الرواية ، وإن وقع فيها في حال غليانها لم يؤكل اللحم ولا المرق . فقال له ابن المبارك : ولم ذلك ؟ فقال : لأنه إذا سقط فيها في حال غليانها فمات فقد داخلت الميتة اللحم ، وإذا وقع في حال سكونها فمات فإن الميتة وسخت اللحم . فقال ابن المبارك وعقد بيده ثلاثين : هذا زرين ، بالفارسية ، يعني المذهب .

وروى ابن المبارك عن عباد بن راشد عن الحسن مثل جواب أبي حنيفة رضي الله عنه وقد ذكر أبو حنيفة رضي الله عنه علة فرقه بين وقوعه في حال الغليان وحال السكون ، وهو فرق ظاهر

وقال ابن وهب عن مالك في الدجاجة تقع في قدر اللحم وهي تطبخ فتموت فيها ، قال : " لا أرى أن آكل تلك القدر ؛ لأن الميتة قد اختلطت بما كان في القدر " .

وقال الأوزاعي : " يغسل اللحم ويؤكل " . وقال الليث بن سعد : " لا يؤكل ذلك اللحم حتى يغسل مرارا ويغلى على النار حتى يذهب كل ما كان فيه " . وقد روى ابن المبارك عن عثمان بن عبد الله الباهلي قال : حدثني عكرمة عن ابن عباس في طير وقع في قدر فمات فقال : " يهراق المرق ويؤكل اللحم " ولم يذكر فيه حال الغليان .

وروى محمد بن ثوبان عن السائب بن خباب : أنه كان له قدر على النار فسقطت فيها دجاجة فماتت ونضجت مع اللحم ، فسألت ابن عباس فقال : " اطرح الميتة وأهرق المرق وكل اللحم ، فإن كرهته فأرسل إلي منه عضوا أو عضوين " . وهذا أيضا لا دلالة فيه على حال الغليان ؛ لأنه جائز أن يكون وقعت فيه بعد سكون الغليان والمرق حار فنضجت فيه ، والله سبحانه أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية