الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله - عز وجل -: وإذا قيل لهم آمنوا بما أنـزل الله ؛ أي: بالقرآن الذي أنزل الله على النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ قالوا نؤمن بما أنـزل علينا ؛ وقد بين الله أنهم غير مؤمنين بما أنزل عليهم؛ وقد بينا ذلك فيما مضى؛ وقوله (تعالى): ويكفرون بما وراءه وهو الحق ؛ معناه: ويكفرون بما بعده؛ أي: بما بعد الذي أنزل عليهم؛ وهو الحق مصدقا لما معهم ؛ فهذا يدل على أنهم قد كفروا بما معهم؛ إذ كفروا بما يصدق ما معهم.

                                                                                                                                                                                                                                        نصب " مصدقا " ؛ على الحال؛ وهذه حال مؤكدة؛ زعم سيبويه؛ والخليل ؛ وجميع النحويين الموثوق بعلمهم؛ أن قولك: " هو زيد قائما " ؛ خطأ؛ لأن قولك: " هو زيد " ؛ كناية عن اسم متقدم؛ فليس في الحال فائدة؛ لأن الحال توجب ههنا أنه إذا كان قائما فهو زيد؛ فإذا ترك القيام؛ فليس بزيد؛ وهذا خطأ؛ فأما قولك: " هو زيد معروفا " ؛ و " هو الحق مصدقا " ؛ ففي الحال فائدة؛ كأنك قلت: " انتبه له معروفا " ؛ وكأنه بمنزلة قولك: " هو زيد حقا " ؛ ف " معروفا " ؛ حال؛ لأنه إنما يكون زيدا؛ لأنه يعرف بزيد؛ وكذلك " الحق " ؛ القرآن هو الحق؛ إذ كان مصدقا لكتب الرسل. [ ص: 175 ] أكذبهم الله في قولهم: " نؤمن بما أنزل علينا " ؛ فقال: قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين ؛ أي: أي كتاب جوز فيه قتل نبي؟! وأي دين؛ وإيمان جوز فيه ذلك؟! فإن قال قائل: " فلم قيل لهم: ( فلم تقتلون أنبياء الله من قبل )؛ وهؤلاء لم يقتلوا نبيا قط؟ " ؛ قيل له: قال أهل اللغة في هذا قولين؛ أحدهما: إن الخطاب لمن شوهد من أهل مكة؛ ومن غاب؛ خطاب واحد؛ فإذا قتل أسلافهم الأنبياء؛ وهم مقيمون على ذلك المذهب؛ فقد شركوهم في قتلهم؛ وقيل أيضا: لم رضيتم بذلك الفعل؟ وهذا القول الثاني يرجع إلى معنى الأول؛ وإنما جاز أن يذكر هنا لفظ الاستقبال؛ والمعنى المضي؛ لقوله: " من قبل " ؛ ودليل ذلك قوله: قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم ؛ فقوله: " فلم تقتلون " ؛ بمنزلة " فلم قتلتم " ؛ وقيل في قوله: " إن كنتم مؤمنين " ؛ قولان؛ أحدهما: " ما كنتم مؤمنين " ؛ وقيل: " إن إيمانكم ليس بإيمان " ؛ و " الإيمان " ؛ ههنا؛ واقع على أصل العقد؛ والدين؛ فقيل لهم: " ليس إيمان إيمانا " ؛ إذا كان يدعو إلى قتل الأنبياء.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية