الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 57 ] 869 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الماء الذي يمر على الأرضين ، ويكون مروره على بعضها قبل بعض كيف الحكم فيه ؟ وفيما يحبسه أهلها حتى يبلغ منها ما يبلغ ، ثم يرسلونه بعد ذلك ؟

5448 - حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني يونس بن يزيد ، والليث بن سعد ، عن ابن شهاب ، أن عروة بن الزبير حدثه ، عن الزبير بن العوام : أنه خاصم رجلا من الأنصار قد شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراج من الحرة كانا يسقيان به كلاهما النخل ، فقال للأنصاري : سرح الماء يمر ، فأبى عليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اسق يا زبير ، ثم أرسل الماء إلى أخيك أو إلى جارك ، فغضب الأنصاري ، وقال : يا رسول الله ، أن كان ابن عمتك ، فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : يا زبير اسق ، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر . واستوعى رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير حقه ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه السعة له وللأنصاري ، فلما أحفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصاري استوعى للزبير حقه في صريح الحكم . قال : فقال الزبير : ما أحسب هذه الآية أنزلت إلا في ذلك : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما [ ص: 58 ] ، أحدهما يزيد على صاحبه في القصة ، قال لنا يونس : قال لنا ابن وهب : الجدر : الأصل [ ص: 59 ] .

5449 - وحدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا بشر بن عمر الزهراني ، عن الليث بن سعد ، وحدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا الليث ، ثم اجتمعا فقال إبراهيم : سمعت ابن شهاب ، وقال الربيع : حدثني ابن شهاب ثم ذكر بقية الحديث . [ ص: 60 ] فكان في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما استوعى للزبير حقه في صريح الحكم ، أمره بحبس الماء حتى يرجع إلى الجدر ، ثم يرسله إلى جاره ، فقال قائل : فقد رويتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قضائه في وادي مهزور ما يخالف ذلك .

5450 - فذكر ما قد حدثنا أحمد بن الحسن بن القاسم الكوفي ، حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة . وما قد حدثنا محمد بن علي بن زيد المكي ، حدثنا الحسن بن علي الحلواني ، حدثنا يحيى بن آدم ، حدثنا يزيد بن عبد العزيز ، ثم اجتمعا ، فقالا : عن محمد بن إسحاق ، عن أبي مالك بن ثعلبة ، قال محمد بن علي في حديثه : ابن أبي مالك ، ثم اجتمعا فقالا : [ ص: 61 ] عن أبيه قال : اختصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مهزور ؛ وادي بني قريظة ، فقضى أن الماء إلى الكعبين ، لا يحبس الأعلى على الأسفل ، فكان في هذا الحديث قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الماء يحبسه إلى الجدر وهذان يختلفان . فكان جوابنا له في ذلك ، أنه قد يحتمل أن يكون كان مقدار ما يبلغ الكعبين من الماء مثل الذي يبلغ الجدر منه ، فكان ذلك المعنى مما قد يجوز أن يذكر ببلوغ الماء إلى الكعبين ، ومما قد يجوز أن يذكر ببلوغه الجدر ، فذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة بهذا ، ومرة بهذا ، وهذا أولى ما حمل عليه ما يروى عنه من هذا ومن غيره ، لا على ما معه التضاد والتنافي ، والله الموفق .

التالي السابق


الخدمات العلمية