الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : لقد أرسلنا نوحا الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن عساكر ، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "أول نبي أرسل نوح" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وأبو نعيم ، وابن عساكر ، عن يزيد الرقاشي قال : إنما سمي نوح عليه السلام نوحا ؛ لطول ما ناح على نفسه .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 436 ] وأخرج ابن المنذر ، عن عكرمة قال : إنما سمي نوحا ؛ لأنه كان ينوح على نفسه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج إسحاق بن بشر ، وابن عساكر ، عن مقاتل ، وجويبر ، أن آدم حين كبر ورق عظمه قال : يا رب ، إلى متى أكد وأسعى ؟ قال : يا آدم حتى يولد لك ولد مختون ، فولد له نوح بعد عشرة أبطن ، وهو يومئذ ابن ألف سنة إلا ستين عاما ، فكان نوح بن لامك بن متوشلخ بن إدريس وهو أخنوخ بن يرد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم ، وكان اسم نوح السكن ، وإنما سمي نوح السكن ؛ لأن الناس بعد آدم سكنوا إليه فهو أبوهم ، وإنما سمي نوحا؛ لأنه ناح على قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ، يدعوهم إلى الله ، فإذا كفروا بكى وناح عليهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر ، عن وهب قال : كان بين نوح [168و] وآدم عشرة آباء ، وكان بين إبراهيم ونوح عشرة آباء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، والحاكم ، وصححه ، عن ابن عباس قال : كان بين آدم [ ص: 437 ] ونوح عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر ، عن نوف الشامي قال : خمسة من الأنبياء من العرب ؛ محمد ونوح وهود وصالح وشعيب عليهم الصلاة والسلام .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج إسحاق بن بشر ، وابن عساكر ، عن ابن عباس ، أن نوحا بعث في الألف الثاني ، وإن آدم لم يمت حتى ولد له نوح في آخر الألف الأول ، وكان قد فشت فيهم المعاصي ، وكثرت الجبابرة ، وعتوا عتوا كبيرا ، وكان نوح يدعوهم ليلا ونهارا ، سرا وعلانية ، صبورا حليما ، ولم يلق أحد من الأنبياء أشد مما لقي نوح ، فكانوا يدخلون عليه فيخنقونه ، ويضرب في المجالس ، ويطرد ، وكان لا يدع على ما يصنع به أن يدعوهم ويقول : يا رب ، اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ، فكان لا يزيدهم ذلك إلا فرارا منه ، حتى إنه ليكلم الرجل منهم فيلف رأسه بثوبه ، ويجعل أصابعه في أذنيه ؛ لكيلا يسمع شيئا من كلامه ، فذلك قول الله : جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم [نوح : 7] ، ثم قاموا من المجلس فأسرعوا المشي وقالوا : امضوا فإنه كذاب ، واشتد عليه البلاء ، وكان ينتظر القرن بعد القرن ، والجيل بعد الجيل ، فلا يأتي [ ص: 438 ] قرن إلا وهو أخبث من الأول ، وأعتى من الأول ، ويقول الرجل منهم : قد كان هذا مع آبائنا وأجدادنا فلم يزل ، هكذا مجنونا ! وكان الرجل منهم إذا أوصى عند الوفاة يقول لأولاده : احذروا هذا المجنون ، فإنه قد حدثني آبائي أن هلاك الناس على يدي هذا ، فكانوا كذلك يتوارثون الوصية بينهم حتى إن كان الرجل ليحمل ولده على عاتقه ، ثم يقف به عليه ، فيقول : يا بني ، إن عشت ومت أنا فاحذر هذا الشيخ ، فلما طال ذلك به وبهم قالوا : يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين [هود : 32] .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن عساكر ، عن قتادة أن نوحا بعث من الجزيرة وهودا من أرض الشحر أرض مهرة ، وصالحا من الحجر ، ولوطا من سدوم ، وشعيبا من مدين ، ومات إبراهيم ، وآدم ، وإسحاق ، ويوسف بأرض فلسطين ، وقتل يحيى بن زكريا بدمشق .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر ، عن مجاهد قال : كانوا يضربون نوحا حتى [ ص: 439 ] يغشى عليه فإذا أفاق قال : رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد في "الزهد" ، وأبو نعيم ، وابن عساكر ، من طريق مجاهد ، عن عبيد بن عمير قال : إن كان نوح ليضربه قومه حتى يغمى عليه ، ثم يفيق فيقول : اهد قومي فإنهم لا يعلمون ، وقال شقيق : قال عبد الله : لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يمسح الدم عن وجهه وهو يحكي نبيا من الأنبياء وهو يقول : "اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن إسحاق ، وابن أبي حاتم ، من وجه آخر ، عن عبيد بن عمير الليثي ، نحوه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، عن عكرمة قال : كان قوم نوح يخنقونه حتى تبرق عيناه ، فإذا تركوه قال : اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، والبخاري ، ومسلم ، وابن ماجه ، عن ابن مسعود قال : يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه وهو [ ص: 440 ] يمسح الدم عن جبينه ، ويقول : « اللهم ، اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون » .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي الدنيا ، والبيهقي في "شعب الإيمان" ، عن أبي مهاجر الرقي قال : لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما في بيت من شعر ، فيقال له : يا نبي الله ، ابن بيتا ، فيقول : أموت اليوم ، أموت غدا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي الدنيا ، والبيهقي ، عن وهيب بن الورد قال : بنى نوح بيتا من قصب ، فقيل له : لو بنيت غير هذا ، فقال : هذا كثير لمن يموت .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي الدنيا ، والعقيلي ، وابن عساكر ، والديلمي ، عن عائشة مرفوعا : "نوح كبير الأنبياء ، لم يخرج من خلاء قط إلا قال : الحمد لله الذي أذاقني طعمه ، وأبقى في منفعته ، وأخرج مني أذاه" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري في "تاريخه" ، عن ابن مسعود قال : بعث الله نوحا ، فما أهلك أمته إلا الزنادقة ، ثم نبي فنبي ، والله لا يهلك هذه الأمة إلا الزنادقة .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 441 ] وأخرج أبو الشيخ ، عن سعد بن حسن قال : كان قوم نوح عليه السلام يزرعون في الشهر مرتين ، وكانت المرأة تلد أول النهار فيتبعها ولدها في آخره .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن زيد قال : ما عذب قوم نوح حتى ما كان في الأرض سهل ولا جبل إلا له عامر يعمره ، وحائز يحوزه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن زيد بن أسلم ، أن أهل السهل كان قد ضاق بهم وأهل الجبل ، حتى ما يقدر أهل السهل أن يرتقوا إلى الجبل ، ولا أهل الجبل أن ينزلوا إلى أهل السهل في زمان نوح قال : حشوا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو نعيم في "الحلية" ، وابن عساكر ، عن وهب بن منبه قال : كان نوح أجمل أهل زمانه ، وكان يلبس البرقع ، فأصابتهم مجاعة في السفينة ، فكان نوح إذا تجلى بوجهه لهم شبعوا .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 442 ] وأخرج البيهقي في "شعب الإيمان" ، وابن عساكر ، عن ابن عباس قال : لما حج رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بوادي عسفان فقال : "لقد مر بهذا الوادي هود وصالح ونوح على بكرات حمر خطمها الليف ، أزرهم العباء ، وأرديتهم النمار يلبون يحجون البيت العتيق" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر ، عن ابن عمرو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "صام نوح الدهر إلا يوم الفطر والأضحى ، وصام داود نصف الدهر ، وصام إبراهيم ثلاثة أيام من كل شهر ؛ صام الدهر وأفطر الدهر" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، والبخاري في "الأدب المفرد" والبزار والحاكم ، وابن مردويه ، والبيهقي في "الأسماء والصفات " ، عن عبد الله بن عمرو ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن نوحا لما [ ص: 443 ] حضرته الوفاة قال لابنه : إني قاصر عليك الوصية ؛ آمرك باثنتين ، وأنهاك عن اثنتين ؛ آمرك بـ : لا إله إلا الله ؛ فإن السماوات السبع والأرضين السبع لو وضعن في كفة ، ووضعت لا إله إلا الله في كفة لرجحت بهن ، ولو أن السماوات السبع والأرضين السبع كن حلقة مبهمة لقصمتهن لا إله إلا الله ، وسبحان الله وبحمده ، فإنها صلاة كل شيء وبها يرزق كل شيء ، وأنهاك عن الشرك والكبر" . قيل يا رسول الله، ما الكبر ؟ أهو أن يكون للرجل حلة حسنة، وفرس جميل يعجبه جماله؟ قال : "لا؛ الكبر أن تسفه الحق ، وتغمص الناس" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا [ ص: 444 ] أعلمكم ما علم نوح ابنه ؟ قالوا : بلى قال : " قال آمرك أن تقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، فإن السماوات لو كانت في كفة لرجحت بها ، ولو كانت حلقة قصمتها ، وآمرك بـ : سبحان الله وبحمده ، فإنها صلاة الخلق ، وتسبيح الخلق ، وبها يرزق الخلق" .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية