الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ هلم ]

                                                          هلم : الهليم : اللاصق من كل شيء ; عن كراع . والهلام : طعام يتخذ من لحم عجلة بجلدها . والهلم : ظباء الجبال ، ويقال لها اللهم ; واحدها لهم ، ويقال في الجمع لهوم . والهلمان : الشيء الكثير ، وقيل : هو الخير الكثير ; قال ابن جني : إنما هو الهلمان على مثال فركان . أبو عمرو : الهلمان الكثير من كل شيء ; وأنشد لكثير المحاربي :


                                                          قد منعتني البر وهي تلحان

                                                          وهو كثير عندها هلمان وهي تخنذي بالمقال البنبان الخنذاة : القول القبيح ، والبنبان : الرديء من المنطق . والهيلمان : المال الكثير ، وتقول : جاءنا بالهيل والهيلمان إذا جاء بالمال الكثير ، والهيلمان بفتح اللام وضمها . قال أبو زيد في باب كثرة المال والخير يقدم به الغائب أو يكون له : جاء فلان بالهيل والهيلمان ، بفتح اللام . وهلم : بمعنى أقبل ، وهذه الكلمة تركيبية من ها التي للتنبيه ، ومن لم ، ولكنها قد استعملت استعمال الكلمة المفردة البسيطة ; قال الزجاج : زعم سيبويه أن هلم ها ضمت إليها لم ، وجعلتا كالكلمة الواحدة ، وأكثر اللغات أن يقال هلم للواحد والاثنين والجماعة ، وبذلك نزل القرآن : هلم إلينا ، و هلم شهداءكم ، وقال سيبويه : هلم في لغة أهل الحجاز يكون للواحد والاثنين والجمع ، والذكر والأنثى بلفظ واحد ، وأهل نجد يصرفونها ، وأما في لغة بني تميم وأهل نجد فإنهم يجرونه مجرى قولك رد ، يقولون للواحد هلم كقولك رد ، وللاثنين هلما كقولك ردا ، وللجمع هلموا كقولك ردوا ، وللأنثى هلمي ، كقولك ردي ، وللثنتين كالاثنين ، ولجماعة النساء هلممن كقولك ارددن ، والأول أفصح . قال الأزهري : فتحت هلم أنهما مدغمة كما فتحت رد في الأمر فلا يجوز فيها هلم ، بالضم ، كما يجوز رد ، لأنها لا تتصرف ، قال : ومعنى قوله تعالى : هلم شهداءكم ، أي هاتوا شهداءكم وقربوا شهداءكم . الجوهري : هلم يا رجل ، بفتح الميم ، بمعنى تعال ; قال الخليل : أصله لم ، في قولهم : لم الله شعثه ، أي جمعه ، كأنه أراد لم نفسك إلينا أي اقرب ، وها للتنبيه ، وإنما حذفت ألفها لكثرة الاستعمال وجعلا اسما واحدا ، قال ابن سيده : زعم الخليل أنها لم لحقتها الهاء للتنبيه في اللغتين جميعا ، قال : ولا تدخل النون الخفيفة ولا الثقيلة عليها ; لأنها ليست بفعل ، وإنما هي اسم للفعل ، يريد أن النون الثقيلة إنما تدخل الأفعال دون الأسماء ، وأما في لغة بني تميم فتدخلها الخفيفة والثقيلة لأنهم قد أجروها مجرى الفعل ، ولها تعليل . الأزهري : هلم بمعنى أعط ، يدل عليه ما روي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأتيها فيقول : هل من شيء ؟ فتقول : لا ، فيقول : إني صائم ; قالت : ثم أتاني يوما ، فقال : هل من شيء ؟ قلت : حيسة ، فقال : هلميها أي هاتيها أعطنيها . وقال الليث : هلم كلمة دعوة إلى شيء الواحد والاثنان والجمع والتأنيث والتذكير سواء ، إلا في لغة بني سعد فإنهم يحملونه على تصريف الفعل ، تقول هلم هلما [ ص: 88 ] هلموا ، ونحو ذلك ، قال ابن السكيت ، قال : وإذا قال : هلم إلى كذا ، قلت : إلام أهلم ؟ وإذا قال لك هلم كذا وكذا ، قلت : لا أهلمه ، بفتح الألف والهاء ، أي لا أعطيكه . وروى أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ليذادن رجال عن حوضي فأناديهم ألا هلم ألا هلم ! فيقال : إنهم قد بدلوا ، فأقول فسحقا ! قال اللحياني : ومن العرب من يقول هلم ، فينصب اللام ، قال : ومن قال هلمي وهلموا فكذلك ، قال ابن سيده ولست من الأخيرة على ثقة ، وقد هلممت فماذا . وهلممت بالرجل : قلت له هلم . قال ابن جني : هلممت كصعررت وشمللت ، وأصله قبل غير هذا ، إنما هو أول ها للتنبيه لحقت مثل اللام ، وخلطت ها بلم توكيدا للمعنى بشدة الاتصال ، فحذفت الألف لذلك ، ولأن لام لم في الأصل ساكنة ، ألا ترى أن تقديرها أول ألمم وكذلك يقولها أهل الحجاز ، ثم زال هذا كله بقولهم هلممت ، فصارت كأنها فعللت من لفظ الهلمان ، وتنوسيت حال التركيب . وحكى اللحياني : من كان عنده شيء فليهلمه أي فليؤته . قال الأزهري : ورأيت من العرب من يدعو الرجل إلى طعامه فيقول : هلم لك ، ومثله قوله - عز وجل - : هيت لك ; قال المبرد : بنو تميم يجعلون هلم فعلا صحيحا ويجعلون الهاء زائدة فيقولون هلم يا رجل ، وللاثنين هلما ، وللجمع هلموا ، وللنساء هلممن ; لأن المعنى الممن ، والهاء زائدة ، قال : ومعنى هلم زيدا هات زيدا . وقال ابن الأنباري : يقال للنساء هلمن وهلممن . وحكى أبو عمرو عن العرب : هلمين يا نسوة ، قال : والحجة لأصحاب هذه اللغة ، أن أصل هلم التصرف من أممت أؤم أما ، فعملوا على الأصل ولم يلتفتوا إلى الزيادة ، وإذا قال الرجل للرجل هلم ، فأراد أن يقول لا أفعل ، قال : لا أهلم ولا أهلم ولا أهلم ولا أهلم ، قال : ومعنى هلم أقبل ، وأصله أم أي اقصد ، فضموا هل إلى أم وجعلوهما حرفا واحدا ، وأزالوا أم عن التصريف ، وحولوا ضمة همزة أم إلى اللام وأسقطوا الهمزة ، فاتصلت الميم باللام ، وهذا مذهب الفراء . يقال للرجلين وللرجال وللمؤنث هلم ، وحد هلم لأنه مزال عن تصرف الفعل وشبه بالأدوات كقولهم صه ومه وإيه وإيها ، وكل حرف من هذه لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث ، قال : وقد يوصل هلم باللام ، فيقال : هلم لك وهلم لكما ، كما قالوا : هيت لك ، وإذا أدخلت عليه النون الثقيلة قلت : هلمن يا رجل ، وللمرأة : هلمن ، بكسر الميم ، وفي التثنية هلمان ، للمؤنث والمذكر جميعا ، وهلمن يا رجال ، بضم الميم ، وهلممنان يا نسوة ، وإذا قيل لك هلم إلى كذا وكذا ، قلت : إلام أهلم ، مفتوحة الألف والهاء ، كأنك قلت إلام ألم فتركت الهاء على ما كانت عليه ، وإذا قيل هلم كذا وكذا ، قلت : لا أهلمه أي لا أعطيه ; قال ابن بري : حق هذا أن يذكر في فصل لمم ; لأن الهاء زائدة ، وأصله هالم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية