الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون

                                                          [ ص: 2798 ] كشف الله -سبحانه وتعالى- ما في إبليس من خبث في ذاته وإرادة الشر، وقصد إلى إغواء آدم وذريته.

                                                          اتجه -سبحانه وتعالى- إلى آدم يحذره، ويبين له ما بوأ له في الجنة، قال سبحانه: ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين

                                                          نادى الله -تعالى- آدم باسمه تكريما له، أباح له ليسكن هو وزوجه حواء الجنة، وأن يأكلا منها من حيث شاءا من ثمارها في أي ناحية شاءا منها، ولكن حرم عليهما شجرة معينة، اختبارا لقوة أنفسهما وإرادتهما، وردهما إغواء إبليس لهما، حيثما أراد، وبين أنهما إذا أكلا منها كانا من الظالمين لعصيان أمر ربهما ولضعف إرادتهما، وأول الظلم ضعف إرادة الظالم، وكان نهي الله تعالى لهما ألا يقربا هذه الشجرة، والنهي عن القرب نهي عن الأكل بالأولى، ولا نعلم ما هذه الشجرة فلا نحاول تعرفها ما دام الله تعالى لم يسمها، ولكن إبليس وجد الباب الذي يدخل منه ليوسوس لهما، فكان في ذلك قوله تعالى:

                                                          فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما

                                                          فوسوس الشيطان وهو إبليس اللعين، وعبر عنه هنا بالشيطان لفساده وحركاته الفاسدة، والوسوسة: الصوت الخفي، وتطلق الوسوسة على حديث النفس فيقال: وسوست إليه نفسه، أي: حدثته بفعل معين. تحدث إليهما موسوسا بأن يأكلا من الشجرة، وكانت النتيجة أن بدت لهما سوآتهما، وهي العورة التي يسوء النظر إليها، وكانت هذه نتيجة الوسوسة، ولأنها نتيجة تأكد وقوعها، جعلت كأنها الباعث على هذه الوسوسة إذ جاء باللام في قوله: ليبدي لهما وكيف كانت الوسوسة؟ ذكرها الله تعالى متحدثا عنه مبينا: وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين

                                                          [ ص: 2799 ] إنه يؤتى الإنسان من رغبة العلو والبقاء، وقد أتاهما الشيطان من هذه الناحية التي يبتغيها الإنسان بفطرته فقال كاذبا: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أي: إلا لمنع أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ويكون تقدير الكلام إلا كراهية أن تكونا ملكين والنفس الإنسانية طامحة إلى العلو وحب البقاء، فكان ذلك السبيل لإغوائهما إلى الأكل وقد غرهما، ثم أراد أن يثبت لهما أنه ناصح لهما فأقسم بأنه لهما من الناصحين.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية