الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 1083 ) مسألة : قال : ( مفصولة مما قبلها ) الذي يختاره أبو عبد الله أن يفصل ركعة الوتر بما قبلها . وقال : إن أوتر بثلاث لم يسلم فيهن ، لم يضيق عليه عندي . وقال يعجبني أن يسلم في الركعتين ، وممن كان يسلم بين الركعتين والركعة ابن عمر حتى يأمر ببعض حاجته وهو مذهب معاذ القارئ ، ومالك ، والشافعي ، وإسحاق ، وقال أبو حنيفة : لا يفصل بسلام

                                                                                                                                            وقال الأوزاعي إن فصل فحسن وإن لم يفصل فحسن . وحجة من لم يفصل قول عائشة : { إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بأربع وثلاث ، وست وثلاث وثمان وثلاث } وقولها { كان يصلي أربعا ، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي أربعا ، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا } فظاهر هذا أنه كان يصلي الثلاث بتسليم واحد ، وروت أيضا ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بخمس ، لا يجلس إلا في آخرهن } رواه مسلم .

                                                                                                                                            [ ص: 451 ] ولنا ، ما روت عائشة قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة ، يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة . } رواه مسلم وقال النبي صلى الله عليه وسلم { صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة } متفق عليه وقيل لابن عمر ما مثنى مثنى ؟ قال يسلم في كل ركعتين . وقال عليه السلام { الوتر ركعة من آخر الليل } رواه مسلم وعن ابن أبي ذئب عن نافع عن ، ابن عمر { أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوتر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم افصل بين الواحدة والثنتين بالتسليم } رواه الأثرم بإسناده وهذا نص .

                                                                                                                                            فأما حديث عائشة الذي احتجوا به ، فليس فيه تصريح بأنها بتسليم واحد وقد قالت في الحديث الآخر : يسلم بين كل ركعتين . وأما إذا أوتر بخمس فيأتي الكلام فيه . إذا ثبت هذا ، فإنه إذا صلى خلف إمام يصلي الثلاث بتسليم واحد تابعه لئلا يخالف إمامه وبه قال مالك وقد قال أحمد في رواية أبي داود في من يوتر فيسلم من الثنتين ، فيكرهونه .

                                                                                                                                            يعني أهل المسجد قال : فلو صار إلى ما يريدون يعني أن ذلك سهل ، لا تضر موافقته إياهم فيه ( 1084 ) فصل : يجوز أن يوتر بإحدى عشرة ركعة وبتسع وبسبع وبخمس وبثلاث وبواحدة ; لما ذكرنا من الأخبار فإن أوتر بإحدى عشرة سلم من كل ركعتين ، وإن أوتر بثلاث ، سلم من الثنتين وأوتر بواحدة وإن أوتر بخمس ، لم يجلس إلا في آخرهن وإن أوتر بسبع ، جلس عقيب السادسة ، فتشهد ولم يسلم ثم يجلس بعد السابعة ، فيتشهد ويسلم وإن أوتر بتسع لم يجلس إلا عقيب الثامنة فيتشهد ثم يقوم فيأتي بالتاسعة ، ويسلم . ونحو هذا قال إسحاق وقال القاضي : في السبع لا يجلس إلا في آخرهن أيضا ، كالخمس .

                                                                                                                                            فأما الإحدى عشرة والثلاث فقد ذكرناهما وأما الخمس فقد روي عن زيد بن ثابت أنه كان يوتر بخمس ، لا ينصرف إلا في آخرها وروى عروة عن عائشة قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة ، يوتر من ذلك بخمس ، لا يجلس في شيء منها ، إلا في آخرها } متفق عليه وعن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ثم أوتر بخمس لم يجلس بينهن } . وفي لفظ : { فتوضأ ، ثم صلى سبعا أو خمسا ، أوتر بهن ، لم يسلم إلا في آخرهن } . رواه أبو داود . وقال صالح مولى التوأمة : أدركت الناس قبل الحرة يقومون بإحدى وأربعين ركعة ويوترون بخمس ، يسلمون بين كل اثنتين ، ويوترون بواحدة ، ويصلون الخمس جميعا رواه الأثرم وأما التسع والسبع فروى زرارة بن أوفى ، عن سعيد بن هشام ، قال : { قلت يعني لعائشة : يا أم المؤمنين ، أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت : كنا نعد له سواكه وطهوره ، فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه فيتسوك ويتوضأ ، ويصلي سبع ركعات ، لا يجلس فيها إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمده ويدعوه ، ثم ينهض ولا يسلم ثم يقوم فيصلي التاسعة ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه ، ثم يسلم تسليما يسمعنا ، ثم يصلي ركعتين بعدما يسلم وهو قاعد ، فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني ، فلما أسن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذه اللحم ، أوتر بسبع ، وصنع في الركعتين مثل صنعه في الأول . قال : فانطلقت إلى ابن عباس فحدثته بحديثها فقال : صدقت } رواه مسلم ، وأبو داود ،

                                                                                                                                            وفي حديث أبي داود ، فقال ابن عباس : هذا هو الحديث . وفيه : أوتر بسبع لم يجلس إلا في السادسة والسابعة ، ولم يسلم إلا في السابعة وفيه من طريق أخرى ويسلم بتسليمة شديدة يكاد يوقظ أهل البيت من شدة تسليمه .

                                                                                                                                            وهذا صريح في أن السبع يجلس فيها عقيب السادسة ولعل القاضي يحتج [ ص: 452 ] بحديث ابن عباس صلى سبعا ، أو خمسا أوتر بهن ، لم يسلم إلا في آخرهن وعن أم سلمة قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبع ، أو خمس ، لا يفصل بينهن بتسليم ولا كلام } . رواه ابن ماجه وكلا الحديثين فيه شك في السبع وليس في واحد منهما أنه لا يجلس عقيب السادسة ، وحديث عائشة فيه تصريح بذلك ، وهو ثابت فيتعين تقديمه

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية