الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ همن ]

                                                          همن : المهيمن والمهيمن : اسم من أسماء الله تعالى في الكتب القديمة . وفي التنزيل : ومهيمنا عليه ; قال بعضهم : معناه الشاهد ، يعني وشاهدا عليه . والمهيمن : الشاهد ، وهو من آمن غيره من الخوف ، وأصله أأمن . فهو مؤامن ، بهمزتين ، قلبت الهمزة الثانية ياء كراهة اجتماعهما ، فصار مؤيمن ، ثم صيرت الأولى هاء كما قالوا هراق وأراق . وقال بعضهم : مهيمن معنى مؤيمن ، والهاء بدل من الهمزة ، كما قالوا هرقت وأرقت ، وكما قالوا إياك وهياك ، قال الأزهري : وهذا على قياس العربية صحيح مع ما جاء في التفسير أنه بمعنى الأمين ، وقيل : بمعنى مؤتمن ; وأما قول عباس بن عبد المطلب في شعره يمدح النبي - صلى الله عليه وسلم - :


                                                          حتى احتوى بيتك المهيمن من خندف علياء تحتها النطق

                                                          فإن القتيبي قال : معناه حتى احتويت يا مهيمن من خندف علياء ; يريد به النبي - صلى الله عليه وسلم - فأقام البيت مقامه ; لأن البيت إذا حل بهذا المكان فقد حل به صاحبه ; قال الأزهري : وأراد ببيته شرفه ، والمهيمن من نعته كأنه قال : حتى احتوى شرفك الشاهد على فضلك علياء الشرف من نسب ذوي خندف أي ذروة الشرف من نسبهم التي تحتها النطق ، وهي أوساط الجبال العالية ، جعل خندف نطقا له ; قال ابن بري في تفسير قوله بيتك المهيمن ، قال : أي بيتك الشاهد بشرفك ، وقيل : أراد بالبيت نفسه ; لأن البيت إذا حل فقد حل به صاحبه . وفي حديث عكرمة : كان علي - عليه السلام - أعلم بالمهيمنات أي القضايا ، من الهيمنة ، وهي القيام على الشيء ، جعل الفعل لها وهو لأربابها القوامين بالأمور . وروي عن عمر أنه قال يوما : إني داع فهيمنوا ، أي إني أدعو الله فأمنوا ، قلب أحد حرفي التشديد في أمنوا ياء ، فصار أيمنوا ، ثم قلب الهمزة هاء ، وإحدى الميمين ياء ، فقال هيمنوا ; قال ابن الأثير : أي اشهدوا . والعرب تقول : أما زيد فحسن ، ويقولون أيما بمعنى أما ; وأنشد المبرد في قول جميل :


                                                          على نبعة زوراء أيما خطامها     فمتن وأيما عودها فعتيق

                                                          قال : إنما يريد أما ، فاستثقل التضعيف فأبدل من إحدى الميمين ياء ، كما فعلوا بقيراط ودينار وديوان . وقال ابن الأنباري في قوله : ومهيمنا عليه ، قال : المهيمن القائم على خلقه ; وأنشد :


                                                          ألا إن خير الناس بعد نبيه     مهيمنه التاليه في العرف والنكر

                                                          قال : معناه القائم على الناس بعده ، وقيل : القائم بأمور الخلق ، قال : وفي المهيمن خمسة أقوال : قال ابن عباس : المهيمن المؤتمن ، وقال الكسائي المهيمن الشهيد ، وقال غيره هو الرقيب ، يقال هيمن يهيمن هيمنة إذا كان رقيبا على الشيء ، وقال أبو معشر : ومهيمنا عليه ، معناه وقبانا عليه ، وقيل : وقائما على الكتب ، وقيل : مهيمن في الأصل مؤيمن ، وهو مفيعل من الأمانة . وفي حديث وهيب : إذا وقع العبد في ألهانية الرب ومهيمنية الصديقين لم يجد أحدا يأخذ بقلبه ; المهيمنية : منسوب إلى المهيمن ، يريد أمانة الصديقين ، يعني إذا حصل العبد في هذه الدرجة لم يعجبه أحد ، ولم يحب إلا الله - عز وجل - . والهميان : التكة ، وقيل للمنطقة هميان ، ويقال للذي يجعل فيه النفقة ويشد على الوسط : هميان ; قال : والهميان دخيل معرب ، والعرب قد تكلموا به قديما فأعربوه . وفي حديث النعمان بن مقرن يوم نهاوند : ألا إني هاز لكم الراية الثانية ، فليثب الرجال ، وليشدوا هماينهم على أحقائهم . يعني مناطقهم ليستعدوا على الحملة ، وفي النهاية في حديث النعمان يوم نهاوند : تعاهدوا هماينكم في أحقيكم ، وأشساعكم في نعالكم ; قال : الهماين جمع هميان ، وهي المنطقة والتكة ، والأحقي جمع حقو ، وهي موضع شد الإزار ، وأورد ابن الأثير حديثا آخر عن يوسف الصديق - عليه السلام - [ ص: 97 ] مستشهدا به على أن الهميان تكة السراويل لم أستحسن إيراده ، غفر الله لنا وله بكرمه .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية