الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 128 ] 879 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : من رأى منكم هلال ذي الحجة ، فأراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره وأظفاره حتى يضحي

5506 - حدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا يحيى بن كثير بن درهم ، حدثنا شعبة ، عن مالك بن أنس ، عن عمرو بن مسلم ، عن سعيد بن المسيب ، عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا رأيتم هلال ذي الحجة ، فأراد أحدكم أن يضحي ، فليمسك عن شعره وأظفاره [ ص: 129 ] .

5507 - وحدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا بشر بن ثابت البزار ، حدثنا شعبة ، عن مالك بن أنس ، عن عمرو بن مسلم ، عن سعيد بن المسيب ، عن أم سلمة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من رأى منكم هلال ذي الحجة ، فأراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره وأظفاره حتى يضحي .

قال أبو جعفر : هكذا روى شعبة هذا الحديث عن مالك ، وقد رواه غيره عن مالك ، فخالفه في ابن مسلم الذي رواه مالك عنه ، فقال فيه : عمر بن مسلم ، وأوقفه على أم سلمة ، ولم يتجاوزها به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

5508 - كما قد حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني مالك بن أنس ، عن عمر بن مسلم الجندعي ، عن سعيد بن المسيب ، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر مثل حديث يزيد ، عن يحيى بن كثير ، ولم يرفعه [ ص: 130 ] .

5509 - وكما حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا عثمان بن عمر بن فارس ، أخبرنا مالك بن أنس ، عن عمر بن مسلم ، عن سعيد بن المسيب ، عن أم سلمة ، ثم ذكر مثله ولم يرفعه .

فلم يكن هذا عندنا بمفسد لهذا الحديث ، ولا مقصر به عن إطلاق الاحتجاج به ، وإضافته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه وإن كان هذان قد روياه عن مالك موقوفا ، فقد رواه من هو أجل منهما عن مالك مرفوعا ، وقد روى هذا الحديث أيضا عن عمرو بن مسلم مرفوعا غير مالك بن أنس ، وهو سعيد بن أبي هلال .

5510 - كما قد حدثنا الربيع بن سليمان بن داود ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثنا الليث بن سعد ، عن خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن عمرو بن مسلم ، عن سعيد بن المسيب [ ص: 131 ] عن أم سلمة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثم ذكر مثل حديث إبراهيم بن مرزوق ، عن بشر بن ثابت سواء .

5511 - وقد حدثنا عبد الغني بن أبي عقيل ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن ، عن سعيد بن المسيب ، عن أم سلمة رواية : إذا دخل العشر الأول ، فأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره ولا من بشره شيئا .

قال أبو جعفر : هكذا وجدنا هذا الحديث عند ابن أبي عقيل ، بهذا اللفظ. [ ص: 132 ]

5512 - وقد حدثناه أحمد بن أبي عمران ، حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني ، حدثنا سفيان ، عن عبد الرحمن بن حميد ، عن سعيد بن المسيب ، عن أم سلمة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله سواء .

وحدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني أنس بن عياض ، عن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف قال : سمعت سعيد بن المسيب يقول : قالت أم سلمة : ثم ذكر مثله ولم يرفعه .

قال أبو جعفر : فلم يكن هذا عندنا بمضاد لهذا الحديث ولا مقصرا به عما رواه ابن عيينة عليه لأن أنسا وإن قصر به فلم يرفعه فقد رفعه من ليس بدونه عن عبد الرحمن بن حميد وهو سفيان بن عيينة [ ص: 133 ] ، ثم نظرنا هل روي هذا الحديث من غير هذا الوجه أم لا ؟

5513 - فوجدنا محمد بن أحمد الواسطي الحوزي قد حدثنا قال : حدثنا عبيد الله بن معاذ ، حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن عمرو ، عن عمر بن مسلم بن عمارة بن أكيمة الليثي قال : سمعت سعيد بن المسيب يقول : سمعت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي . فكان هذا الحديث من حديث محمد بن عمرو وقد قال في إسناده عمر بن مسلم فكان ذلك شدا لما رواه ابن وهب وعثمان بن عمر عن مالك عليه بقولهما في إسناده عن عمر بن مسلم ، وبخلاف ما قاله شعبة فيه عن مالك عن عمرو بن مسلم ، والله أعلم بحقيقة اسمه ما هو ؟ وكان في متن حديث محمد بن عمرو ما يخالف ما في متون الآثار [ ص: 134 ] التي رويناها قبله في هذا الباب ، لأن فيه من كان له ذبح يذبحه ، والآثار التي روينا قبله في هذا الباب إنما هي : إذا رأيتم هلال ذي الحجة فأراد أحدكم أن يضحي ، أو من رأى منكم هلال ذي الحجة فأراد أن يضحي ، وكان تصحيح هذا الحديث وتلك الأحاديث حتى ينتفي عنها التضاد والاختلاف على إرادة معنى الوجوب حتى لا تختلف ولا تتضاد ، وكان ما في هذه الآثار من إرادة من دخل عليه هلال ذي الحجة وأراد أن يضحي وله ما يضحي به يمنعه ذلك من أخذ شعره وقص أظافره حتى يضحي ، فقال قائل : فقد رويتم عن عائشة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنها ما يخالف ذلك فذكر .

5514 - ما قد حدثنا علي بن معبد ، حدثنا يعلى بن عبيد الطنافسي ، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد .

5515 - وما قد حدثنا علي بن شيبة ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد ، ثم اجتمعا فقال كل واحد منهما عن الشعبي ، عن مسروق قال : قلت لعائشة : إن رجالا هاهنا يبعثون بالهدي إلى البيت ويأمرون الذي يبعثون معه بمعلم لهم يقلدها ذلك اليوم فلا يزالون محرمين حتى يحل الناس فصفقت بيديها فسمعت ذلك من وراء الحجاب فقالت : سبحان الله لقد كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فيبعث بها إلى الكعبة ويقيم فينا لا يترك شيئا مما يصنع الحلال حتى [ ص: 135 ] يرجع الناس .

5516 - وما قد حدثنا فهد بن سليمان ، حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة قالت : فلربما فتلت القلائد لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقلده ثم يبعث به ثم يقيم ولا يجتنب شيئا مما يجتنب المحرم [ ص: 136 ] .

5517 - وما قد حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري ، حدثنا عبد الوارث بن سعيد ، حدثنا محمد بن جحادة ، عن الحكم بن عتيبة ، عن إبراهيم النخعي ، عن الأسود بن يزيد ، عن عائشة قالت : كنا نقلد الشاة فيرسل بها ، أو قالت : فنرسل بها ورسول الله صلى الله عليه وسلم حلال لم يحرم منه شيء .

5518 - وما قد حدثنا محمد بن خزيمة ، حدثنا حجاج بن منهال ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة قالت : ربما فتلت قلائد لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقلده ثم يبعث به ، ثم يقيم لا يجتنب شيئا مما يجتنب المحرم [ ص: 137 ] .

5519 - وما قد حدثنا محمد بن خزيمة ، حدثنا حجاج ، حدثنا حماد بن زيد ، عن منصور ، عن إبراهيم ثم ذكر بإسناده مثله .

5520 - وما قد حدثنا نصر بن مرزوق ، حدثنا الخصيب بن ناصح ، حدثنا وهيب بن خالد ، عن منصور ثم ذكر بإسناده مثله .

5521 - وما قد حدثنا محمد بن خزيمة ، حدثنا حجاج ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة مثله [ ص: 138 ] .

5522 - وما قد حدثنا الربيع المرادي ، حدثنا ابن وهب ، عن الليث بن سعد ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، وعمرة ، عن عائشة مثله .

5523 - وما قد حدثنا الربيع المرادي ، حدثنا شعيب بن الليث ، حدثنا الليث ، عن ابن شهاب حدثه ، عن عروة ، عن عائشة مثله ، ولم يذكر في إسناده عمرة .

5524 - وما قد حدثنا الربيع المرادي ، حدثنا شعيب ، حدثنا [ ص: 139 ] الليث ، عن هشام ، عن عروة ، عن عائشة مثله .

5525 - وما قد حدثنا يونس ، أخبرني سفيان ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة مثله .

5526 - وما قد حدثنا الربيع المرادي ، حدثنا شعيب بن الليث ، حدثنا الليث ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، ثم ذكر بإسناده مثله [ ص: 140 ] .

5527 - وما قد حدثنا الربيع أيضا ، حدثنا بشر بن بكر ، حدثني الأوزاعي ، حدثني عبد الرحمن بن القاسم ، فذكر بإسناده مثله ، وزاد : ولا نعلم المحرم يحله إلا الطواف بالبيت .

5528 - وما قد حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب : أن مالكا حدثه ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عمرة ، عن عائشة رضي الله عنها مثله ، غير أنه لم يذكر قولها ولا نعلم أن المحرم يحله إلا الطواف بالبيت [ ص: 141 ] . قال هذا القائل : ففي هذه الآثار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث بالهدايا ، ثم يقيم بالمدينة لا يترك شيئا مما يصنع الحلال حتى يرجع الناس من حجهم ، فهذا بخلاف ما في الآثار الأول ويضاده ، لأن ما في هذه يخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يجتنب الأشياء التي يأمرنا في الآثار الأول باجتنابها لمن أراد أن يضحي وله ما يضحي به ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي ، فكان جوابنا له في ذلك أن الذي في هذه الآثار قد روي على ما فيها ، وقد روى بعض رواتها عن عائشة فيما رووه عنها في ذلك زيادة على ما رووه عنها عليه .

5529 - كما حدثنا الحسن بن غليب بن سعيد ، حدثنا أبو صالح عبد الغفار بن داود الحراني ، حدثنا عبد العزيز بن مسلم القسملي ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يبعث بالهدي ويقيم عندنا لا يجتنب شيئا مما يجتنبه المحرم من أهله حتى يرجع الناس ، فكان في هذا الحديث القصد بالذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجتنبه هو ما كان يجتنبه من أهله مما يجب على المحرم اجتنابه من أهله في إحرامه لا ما سواه من حلق شعره ولا من قص أظفاره ، وذلك [ ص: 142 ] لا يمنع ما في حديث أم سلمة الذي رويناه ويكون تصحيح ما رويناه عن أم سلمة وما رويناه عن عائشة أن يكون حديث أم سلمة على منع من أراد أن يضحي وله ما يضحي عن حلق شعره وقص أظفاره في أيام العشر حتى يضحي ، وحديث عائشة على الإطلاق لما سوى قص الأظفار وحلق الشعر له في تلك الأيام ، وأنه فيها بخلاف ما المحرم عليه في إحرامه في تلك الأشياء كلها حتى تتفق هذه الآثار كلها ولا يضاد بعضها بعضا وقد شد هذا المعنى الذي ذهبنا إليه في المنع من قص الأظفار ومن حلق الشعر لمن أراد أن يضحي ممن له ما يضحي به في أيام العشر ما قد روي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا عليه في ذلك .

كما حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا هشام بن أبي عبد الله ، عن قتادة : أن كثير بن أبي كثير سأل سعيد بن المسيب أن يحيى بن يعمر يفتي بخراسان يعني كان يقول : إذا دخل عشر ذي الحجة واشترى الرجل أضحيته فسماها لا يأخذ من شعره وأظفاره ، فقال سعيد : قد أحسن كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلون ذلك أو يقولون ذلك . [ ص: 143 ]

وكما حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا مسدد ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، حدثنا قتادة ، عن كثير : أن يحيى بن يعمر كان يفتي بخراسان أن الرجل إذا اشترى أضحيته وسماها ودخل العشر أن يكف عن شعره وأظفاره حتى يضحي ، قال قتادة : فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب فقال : نعم ، قلت : عمن يا أبا محمد ؟ قال : عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، فهذا هو القول عندنا في هذا الباب وهو خلاف ما يقوله أبو حنيفة رحمه الله وأصحابه ، وما يقوله مالك وأصحابه ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية