الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 129 ] ( فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب ) ؛ فيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في كعب بن عجرة ، قال كعب : مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية ، وكان في شعر رأسي كثير من القمل والصئبان وهو يتناثر على وجهي ، فقال عليه الصلاة والسلام : تؤذيك هوام رأسك ؟ قلت : نعم يا رسول الله ، قال : احلق رأسك ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، والمقصود منها أن المحرم إذا تأذى بالمرض أو بهوام رأسه أبيح له المداواة والحلق بشرط الفدية ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : ( ففدية ) رفع لأنه مبتدأ ، خبره محذوف ، والتقدير : فعليه فدية ، وأيضا ففيه إضمار آخر ، والتقدير : فحلق فعليه فدية .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : قال بعضهم : هذه الآية مختصة بالمحصر ، وذلك لأن قبل بلوغ الهدي محله ربما لحقه مرض أو أذى في رأسه ، إن صبر فالله أذن له في ذلك بشرط بذل الفدية ، وقال آخرون : بل الكلام مستأنف لكل محرم لحقه المرض في بدنه فاحتاج إلى علاج ، أو لحقه أذى في رأسه فاحتاج إلى الحلق ، فبين الله تعالى أن له ذلك ، وبين ما يجب عليه من الفدية .

                                                                                                                                                                                                                                            إذا عرفت هذا فنقول : المرض قد يحوج إلى اللباس ، فتكون الرخصة في اللباس كالرخصة في الحلق ، وقد يكون ذلك بغير المرض من شدة البرد وما شاكله ؛ فأبيح له بشرط الفدية ، وقد يحتاج أيضا إلى استعمال الطيب في كثير من الأمراض ؛ فيكون الحكم فيه ذاك ، وأما من يكون به أذى من رأسه فقد يكون ذلك بسبب القمل والصئبان ، وقد يكون بسبب الصداع ، وقد يكون عند الخوف من حدوث مرض أو ألم ، وبالجملة فهذا الحكم عام في جميع محظورات الحج .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية