الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب قوله ومن دونهما جنتان

                                                                                                                                                                                                        4597 حدثنا عبد الله بن أبي الأسود حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمي حدثنا أبو عمران الجوني عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبر على وجهه في جنة عدن

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( سورة الرحمن ) كذا لهم ، زاد أبو ذر البسملة ، والأكثر عدوا ( الرحمن ) آية وقالوا هو خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ محذوف الخبر ، وقيل تمام الآية علم القرآن وهو الخبر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال مجاهد بحسبان كحسبان الرحى ) ثبت هذا لأبي ذر وحده ، وقد تقدم في بدء الخلق بأبسط منه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال غيره : وأقيموا الوزن يريد لسان الميزان ) سقط " وقال غيره : " لغير أبي ذر ، وهذا كلام الفراء بلفظه ، وقد أخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي المغيرة قال : " رأى ابن عباس رجلا يزن قد أرجح ، فقال : أقم اللسان ، كما قال الله تعالى : وأقيموا الوزن بالقسط . وأخرج ابن المنذر من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : وأقيموا الوزن بالقسط قال : اللسان .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 488 ] قوله : ( والعصف بقل الزرع إذا قطع منه شيء قبل أن يدرك فذلك العصف ، والريحان : رزقه ، والحب : الذي يؤكل منه ، والريحان : في كلام العرب الرزق ) هو كلام الفراء أيضا لكن ملخصا ، ولفظه : العصف فيما ذكروا : بقل الزرع ؛ لأن العرب تقول : خرجنا نعصف الزرع إذا قطعوا منه شيئا قبل أن يدرك ، والباقي مثله لكن قال : والريحان رزقه وهو الحب إلخ ، وزاد في آخره : قال : ويقولون خرجنا نطلب ريحان الله . وأخرج الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس قال : العصف : ورق الزرع الأخضر الذي قطعوا رءوسه فهو يسمى العصف إذا يبس . ولابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس : العصف أول ما يخرج الزرع بقلا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال بعضهم : العصف يريد المأكول من الحب ، والريحان : النضيج الذي لم يؤكل ) هو بقية كلام الفراء بلفظه . ولابن أبي حاتم من طريق الضحاك قال : العصف : البر والشعير ، ومن طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : الريحان : حين يستوي الزرع على سوقه ولم يسنبل .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال غيره : العصف ورق الحنطة ) كذا لأبي ذر ، وفي رواية غيره : وقال مجاهد العصف ورق الحنطة ، والريحان الرزق . وقد وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عنه مفرقا قال : العصف : ورق الحنطة ، والريحان : الرزق .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال الضحاك : العصف التبن ) وصله ابن المنذر من طريق الضحاك بن مزاحم أخرجه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مثله ، وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مثله .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال أبو مالك : العصف أول ما ينبت ، تسميه النبط هبورا ) وصله عبد بن حميد من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبي مالك بهذا ، وأبو مالك هو الغفاري كوفي تابعي ثقة ، قال أبو زرعة : لا يعرف اسمه ، وقال غيره : اسمه غزوان بمعجمتين ، وليس له في البخاري إلا هذا الموضع . والنبط بفتح النون والموحدة ثم طاء مهملة هم أهل الفلاحة من الأعاجم ؛ وكانت أماكنهم بسواد العراق والبطائح ، وأكثر ما يطلق على أهل الفلاحة ، ولهم فيها معارف اختصوا بها ، وقد جمع أحمد بن وحشية في " كتاب الفلاحة " من ذلك أشياء عجيبة . وقوله " هبورا " بفتح الهاء وضم الموحدة الخفيفة وسكون الواو بعدها راء هو دقاق الزرع بالنبطية ، وقد قال ابن عباس في قوله تعالى كعصف مأكول قال : هو الهبور .

                                                                                                                                                                                                        ( تنبيه ) : قرأ الجمهور " والريحان " بالضم عطفا على الحب ، وقرأ حمزة والكسائي بالخفض عطفا على العصف ، وذكر الفراء أن هذه الآية في مصاحف أهل الشام " والحب ذا العصف " بعد الذال المعجمة ألف ، قال : ولم أسمع أحدا قرأ بها ، وأثبت غيره أنها قراءة ابن عامر ، بل المنقول عن ابن عامر نصب الثلاثة : الحب وذا العصف والريحان ، فقيل عطف على الأرض لأن معنى وضعها : جعلها ، فالتقدير وجعل الحب إلخ أو نصبه بخلق مضمرة ، قال الفراء : ونظير ما وقع في هذا الموضع ما وقع في مصاحف أهل الكوفة " والجار ذا القربى والجار الجنب " قال : ولم يقرأ بها أيضا أحد انتهى . وكأنه نفى المشهور ، وإلا فقد قرئ بها أيضا في الشواذ .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( والمارج : اللهب الأصفر والأخصر الذي يعلو النار إذا أوقدت ) وصله الفريابي من طريق مجاهد بهذا الإسناد ، وسيأتي له تفسير آخر .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 489 ] قوله : ( وقال : بعضهم عن مجاهد رب المشرقين إلخ ) وصله الفريابي أيضا ، وأخرج ابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة ، وسعيد بن منصور من طريق أبي ظبيان كلاهما عن ابن عباس قال : للشمس مطلع في الشتاء ومغرب ، ومطلع في الصيف ومغرب . وأخرج عبد الرزاق من طريق عكرمة مثله وزاد قوله : ورب المشارق والمغارب لها في كل يوم مشرق ومغرب ، ولابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس قال : المشرقين مشرق الفجر ومشرق الشفق ، والمغربين مغرب الشمس ومغرب الشفق .

                                                                                                                                                                                                        قوله : لا يبغيان : لا يختلطان وصله الفريابي من طريق مجاهد ، وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : بينهما من البعد ما لا يبغي كل واحد منهما على صاحبه ، وتقدير قوله على هذا : يلتقيان ، أي أن يلتقيا ، وحذف " أن " سائغ ، وهو كقوله ومن آياته يريكم البرق ، وهذا يقوي قول من قال : إن المراد بالبحرين بحر فارس وبحر الروم لأن مسافة ما بينهما ممتدة ، والحلو - وهو بحر النيل أو الفرات مثلا - يصب في الملح ، فكيف يسوغ نفي اختلاطهما أو يقال بينهما بعد ؟ لكن قوله تعالى وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج يرد على هذا ، فلعل المراد بالبحرين في الموضعين مختلف . ويؤيده قول ابن عباس هنا : قوله تعالى في هذا الموضع يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان فإن اللؤلؤ يخرج من بحر فارس والمرجان يخرج من بحر الروم ، وأما النيل فلا يخرج منه لا هذا ولا هذا . وأجاب من قال : المراد من الآيتين متحد ، والبحران هنا العذب والملح بأن معنى قوله منهما أي من أحدهما كما في قوله تعالى على رجل من القريتين وحذف المضاف سائغ ، وقيل بل قوله " منهما " على حاله ، والمعنى أنهما يخرجان من الملح في الموضع الذي يصل إليه العذب ، وهو معلوم عند الغواصين ، فكأنهما لما التقيا وصارا كالشيء الواحد قيل يخرج منهما . وقد اختلف في المراد بالمرجان فقيل : هو المعروف بين الناس الآن ، وقيل : اللؤلؤ كبار الجوهر والمرجان صغاره ، وقيل بالعكس . وعلى هذا يكون المراد بحر فارس فإنه هو الذي يخرج منه اللؤلؤ ، والصدف يأوي إلى المكان الذي ينصب فيه الماء العذب كما تقدم ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( المنشآت : ما رفع قلعه من السفن ، فأما ما لم يرفع قلعه فليس بمنشآت ) وصله الفريابي من طريق مجاهد بلفظه ، لكن قال : " منشأة " بالإفراد ، والقلع بكسر القاف وسكون اللام ويجوز فتحها ، ومنشآت بفتح الشين المعجمة في قراءة الجمهور اسم مفعول ، وقرأ حمزة وعاصم في رواية لأبي بكر عنه بكسرها أي المنشأة هي للسير ، ونسبة ذلك إليها مجازية .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال مجاهد ( كالفخار ) كما يصنع الفخار ) وصله الفريابي من طريقه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( الشواظ لهب من نار ) تقدم في صفة النار من بدء الخلق وكذا تفسير النحاس .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( خاف مقام ربه يهم بالمعصية فيذكر الله عز وجل فيتركها ) وصله الفريابي وعبد الرزاق جميعا من طريق منصور عن مجاهد بلفظ : إذا هم بمعصية يذكر مقام الله عليه فيتركها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( مدهامتان : سوداوان من الري ) وصله الفريابي ، وقد تقدم في بدء الخلق .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( صلصال : طين خلط برمل فصلصل إلخ ) تقدم في أول بدء الخلق ، وسقط لأبي ذر هنا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فيهما فاكهة ونخل ورمان قال بعضهم : ليس الرمان والنخل بالفاكهة ، وأما العرب فإنها تعدهما [ ص: 490 ] فاكهة كقوله عز وجل : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى إلخ ) قال شيخنا ابن الملقن : البعض المذكور هو أبو حنيفة . وقال الكرماني قيل أراد به أبا حنيفة .

                                                                                                                                                                                                        قلت : بل نقل البخاري هذا الكلام من كلام الفراء ملخصا ولفظه : قوله تعالى : فيهما فاكهة ونخل ورمان قال بعض المفسرين : ليس الرمان ولا النخل من الفاكهة ، قال : وقد ذهبوا في ذلك مذهبا .

                                                                                                                                                                                                        قلت : فنسبه الفراء لبعض المفسرين وأشار إلى توجيهه ثم قال : ولكن العرب تجعل ذلك فاكهة ، وإنما ذكرا بعد الفاكهة كقوله تعالى : حافظوا على الصلوات والصلاة إلخ والحاصل أنه من عطف الخاص على العام كما في المثالين اللذين ذكرهما . واعترض بأن قوله هنا فاكهة نكرة في سياق الإثبات فلا عموم ، وأجيب بأنها سيقت في مقام الامتنان فتعم ، أو المراد بالعام هنا ما كان شاملا لما ذكر بعده . وقد وهم بعض من تكلم على البخاري فنسب البخاري للوهم ، وما علم أنه تبع في ذلك كلام إمام من أئمة اللسان العربي . وقد وقع لصاحب " الكشاف " نحو ما وقع للفراء وهو من أئمة الفن البلاغي فقال : فإن قلت لم عطف النخل والرمان على الفاكهة وهما منها ؟ قلت : اختصاصا وبيانا لفضلهما كأنهما - لما كان لهما من المزية - جنسان آخران كقوله : وجبريل وميكال بعد الملائكة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال غيره أفنان أغصان ، وجنى الجنتين دان ما يجتنى قريب ) سقط هذا لأبي ذر هنا ، وقد تقدم في صفة الجنة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال الحسن : فبأي آلاء : نعمه ) وصله الطبري من طريق سهل السراج عن الحسن .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال قتادة : ربكما تكذبان يعني الجن والإنس ) وصله ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال أبو الدرداء : كل يوم هو في شأن يغفر ذنبا ويكشف كربا ويرفع قوما ويضع آخرين ) وصله المصنف في " التاريخ " وابن حبان في " الصحيح " وابن ماجه وابن أبي عاصم والطبراني عن أبي الدرداء مرفوعا ، وأخرجه البيهقي في " الشعب " من طريق أم الدرداء عن أبي الدرداء موقوفا ، وللمرفوع شاهد آخر عن ابن عمر أخرجه البزار ، وآخر عن عبد الله بن منيب أخرجه الحسن بن سفيان والبزار وابن جرير والطبراني .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال ابن عباس : برزخ حاجز ، الأنام الخلق ، نضاختان فياضتان ) تقدم كله في بدء الخلق .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ذو الجلال : العظمة ) هو من كلام ابن عباس ، وسيأتي في التوحيد ، وقرأ الجمهور ذو الجلال الأولى بالواو صفة للوجه ، وفي قراءة ابن مسعود ذي الجلال بالياء صفة للرب ، وقرأ الجمهور الثانية كذلك إلا ابن عامر فقرأها أيضا بالواو وهي في مصحف الشام كذلك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال غيره مارج : خالص من النار ، يقال مرج الأمير رعيته إذا خلاهم يعدو بعضهم على بعض إلخ ) سقط قوله " مريج : مختلط " من رواية أبي ذر وقوله " مرج اختلط " في رواية غير أبي ذر " مرج البحرين اختلط البحران " ، وقد تقدم جميع ذلك في صفة النار من بدء الخلق .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( سنفرغ لكم : سنحاسبكم ، لا يشغله شيء عن شيء ) هو كلام أبي عبيدة أخرجه ابن المنذر من طريقه ، وأخرج من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : هو وعيد من الله لعباده وليس بالله شغل ، وهو معروف في كلام العرب يقال : لأتفرغن لك ، وما به شغل ، كأنه يقول لآخذنك على غرة .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 491 ] قوله : باب قوله ومن دونهما جنتان سقط باب قوله " لغير أبي ذر ، قال الترمذي الحكيم : المراد بالدون هنا القرب ، أي وقربهما جنتان أي : هما أدنى إلى العرش وأقرب ، وزعم أنهما أفضل من اللتين قبلهما . وقال غيره : معنى دونهما بقربهما ، وليس فيه تفضيل . وذهب الحليمي إلى أن الأوليين أفضل من اللتين بعدهما ، ويدل عليه تفاوت ما بين الفضة والذهب . وقد روى ابن مردويه من طريق حماد عن أبي عمران في هذا الحديث قال : من ذهب للسابقين ومن فضة للتابعين . وفي رواية ثابت عن أبي بكر : من ذهب للمقربين ومن فضة لأصحاب اليمين .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( العمي ) بفتح المهملة وتشديد الميم ، وأبو عمران الجوني بفتح الجيم وسكون الواو بعدها نون هو عبد الملك بن حبيب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن أبيه ) هو أبو موسى الأشعري .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( جنتان من فضة ) وفي رواية الحارث بن عبيد عن أبي عمران الجوني في أول هذا الحديث : جنان الفردوس أربع ثنتان من ذهب إلخ .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلخ ) يأتي البحث فيه في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                        وقوله في جنة عدن متعلق بمحذوف وهو في موضع الحال من القوم ، فكأنه قال : كائنين في جنة عدن .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية