الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب انتقال المنفرد إماما في النوافل

                                                                                                                                            1059 - ( عن أنس قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في رمضان فجئت فقمت خلفه ، وقام رجل فقام إلى جنبي ، ثم جاء آخر حتى كنا رهطا ، فلما أحس [ ص: 175 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم أننا خلفه تجوز في صلاته ، ثم قام فدخل منزله فصلى صلاة لم يصلها عندنا ، فلما أصبحنا قلنا : يا رسول الله أفطنت بنا الليلة ؟ قال : نعم ، فذلك الذي حملني على ما صنعت } رواه أحمد ومسلم ) .

                                                                                                                                            1060 - ( وعن بسر بن سعيد عن زيد بن ثابت ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرة ، قال : حسبت أنه قال : من حصير في رمضان فصلى فيها ليالي ، فصلى بصلاته ناس من أصحابه ، فلما علم بهم جعل يقعد فخرج إليهم فقال : قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم فصلوا أيها الناس في بيوتكم ، فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة } رواه البخاري )

                                                                                                                                            1061 - ( وعن عائشة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في حجرته وجدار الحجرة قصير فرأى الناس شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقام ناس يصلون بصلاته ، فأصبحوا فتحدثوا ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الليلة الثانية ، فقام ناس يصلون بصلاته } . رواه البخاري )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            قوله : ( فقمت خلفه ) فيه جواز قيام الرجل الواحد خلف الإمام . وسيأتي في أبواب : موقف الإمام والمأموم ما يدل على خلاف ذلك قوله : ( كنا رهطا ) قال في القاموس : الرهط : قوم الرجل وقبيلته ، ومن ثلاثة أو سبعة إلى عشرة أو ما دون العشرة وما فيهم امرأة ، ولا واحد له من لفظه ، الجمع أرهط وأرهاط وأراهيط قوله : ( فلما أحس رسول الله صلى الله عليه وسلم أننا خلفه تجوز في صلاته ) لعله فعل ذلك مخافة أن يكتب عليهم كما في سائر الأحاديث ، وليس في تجوزه صلى الله عليه وسلم ودخوله منزله ما يدل على عدم جواز ما فعلوه ; لأنه لو كان غير جائز لما قررهم على ذلك بعد علمه به وإعلامهم له قوله : ( اتخذ حجرة ) أكثر الروايات بالراء وللكشميهني بالزاي .

                                                                                                                                            قوله : ( جعل يقعد ) أي يصلي من قعود لئلا يراه الناس فيأتموا به قوله : ( من صنيعكم ) بفتح الصاد وإثبات الياء وللأكثر بضم الصاد وسكون النون وليس المراد صلاتهم فقط بل كونهم رفعوا أصواتهم وصاحوا به ليخرج إليهم وحصب بعضهم الباب لظنهم أنه نام كما ذكر ذلك البخاري في الاعتصام من صحيحه ، وزاد فيه " حتى خشيت أن يكتب عليكم ، ولو كتب عليكم ما قمتم به " قوله : ( فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته ) المراد بالصلاة الجنس الشامل لكل صلاة ، [ ص: 176 ] فلا يخرج عن ذلك إلا المكتوبة لاستثنائها وما يتعلق بالمسجد كتحية وهل تدخل في ذلك ما وجب لعارض كالمنذورة ؟ فيه خلاف .

                                                                                                                                            والمراد بالمرء : جنس الرجل ، فلا يدخل في ذلك النساء لما تقدم من أن صلاتهن في بيوتهن المكتوبة وغيرها أفضل من صلاتهن في المساجد ، قال النووي : إنما حث على النافلة في البيت لكونه أبعد من الرياء وأخفى ، وليتبرك البيت بذلك وتنزل فيه الرحمة ، وعلى هذا يمكن أن يخرج قوله : " في بيته " غيره ولو أمن فيه من الرياء . قوله : ( إلا المكتوبة ) المراد بها الصلوات الخمس ، قيل : ويدخل في ذلك ما وجب بعارض كالمنذورة قوله : ( في حجرته ) ظاهره أن المراد حجرة بيته ويدل عليه ذكر جدار الحجرة .

                                                                                                                                            وأوضح منه رواية حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عند أبي نعيم بلفظ : { كان يصلي في حجرة من حجر أزواجه صلى الله عليه وسلم } ويحتمل أن تكون الحجرة التي احتجرها في المسجد بالحصير كما في بعض الروايات ، وكما تقدم في حديث زيد بن ثابت . ولأبي داود ومحمد بن نصر من وجهين آخرين عن أبي سلمة عن عائشة أنها هي التي نصبت له الحصير على باب بيتها .

                                                                                                                                            قال في الفتح : فإما أن يحمل على التعدد أو على المجاز في الجدار وفي نسبة الحجرة إليها . والأحاديث المذكورة تدل على ما بوب له المصنف رحمه اللهمن جواز انتقال المنفرد إماما في النوافل وكذلك في غيرها لعدم الفارق . وقد قدمنا الخلاف في ذلك في باب انعقاد الجماعة باثنين . وقد استدل البخاري في صحيحه بحديث عائشة .

                                                                                                                                            المذكور على جواز أن يكون بين الإمام وبين القوم المؤتمين به حائط أو سترة . .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية