الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب قوله ويؤثرون على أنفسهم الآية الخصاصة الفاقة المفلحون الفائزون بالخلود والفلاح البقاء حي على الفلاح عجل وقال الحسن حاجة حسدا

                                                                                                                                                                                                        4607 حدثني يعقوب بن إبراهيم بن كثير حدثنا أبو أسامة حدثنا فضيل بن غزوان حدثنا أبو حازم الأشجعي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أصابني الجهد فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا رجل يضيفه هذه الليلة يرحمه الله فقام رجل من الأنصار فقال أنا يا رسول الله فذهب إلى أهله فقال لامرأته ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخريه شيئا قالت والله ما عندي إلا قوت الصبية قال فإذا أراد الصبية العشاء فنوميهم وتعالي فأطفئي السراج ونطوي بطوننا الليلة ففعلت ثم غدا الرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لقد عجب الله عز وجل أو ضحك من فلان وفلانة فأنزل الله عز وجل ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة [ ص: 500 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 500 ] قوله : ( باب قوله : ويؤثرون على أنفسهم الآية . الخصاصة الفاقة ) ولغير أبي ذر " الفاقة " وهو قول مقاتل بن حيان أخرجه ابن أبي حاتم من طريقه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( المفلحون الفائزون بالخلود والفلاح البقاء ) هو قول الفراء ، قال لبيد :


                                                                                                                                                                                                        نحل بلادا كلها حل قبلنا ونرجو فلاحا بعد عاد وحمير

                                                                                                                                                                                                        وهو أيضا بمعنى إدراك الطلب ، قال لبيد أيضا :


                                                                                                                                                                                                        ولقد أفلح من كان عقل

                                                                                                                                                                                                        أي : أدرك ما طلب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حي على الفلاح : عجل ) هو تفسير حي ، أي معنى " حي على الفلاح " أي : عجل إلى الفلاح قال ابن التين : لم يذكره أحد من أهل اللغة ، وإنما قالوا معناه هلم وأقبل .

                                                                                                                                                                                                        قلت : وهو كما قال ، لكن فيه إشعار بطلب الإعجال ، فالمعنى أقبل مسرعا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال الحسن حاجة : حسدا ) وصله عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عنه بهذا ، ورويناه في الجزء الثامن من " أمالي المحاملي " بعلو من طريق أبي رجاء عن الحسن في قوله : ولا يجدون في صدورهم حاجة قال : الحسد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن كثير ) هو الدورقي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أتى رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) هذا الرجل هو أبو هريرة ، وقع مفسرا في رواية الطبراني ، وقد نسبته في المناقب إلى تخريج أبي البختري الطائي في صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو البختري لا يوثق به .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ألا رجل يضيفه هذه الليلة يرحمه الله ) في رواية الكشميهني " يضيف هذا رحمة " بالتنوين .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقام رجل من الأنصار ) تقدم شرح هذا الحديث في مناقب الأنصار أنه أبو طلحة ، وتردد الخطيب هل هو زيد بن سهل المشهور أو صحابي آخر يكنى أبا طلحة ، وتقدم أيضا قول من قال : إنه ثابت بن قيس . ولكن أردت التنبيه هنا على شيء وقع للقرطبي المفسر ولمحمد بن علي بن عسكر في ذيله على تعريف السهيلي [ ص: 501 ] فإنهما نقلا عن النحاس والمهدوي أن هذه الآية نزلت في أبي المتوكل ، زاد ابن عسكر : الناجي ، وأن الضيف ثابت بن قيس . وقيل إن فاعلها ثابت بن قيس حكاه يحيى بن سلام انتهى ، وهو غلط بين ، فإن أبا المتوكل الناجي تابعي مشهور ، وليس له في القصة ذكر ، إلا أنه رواها مرسلة أخرجها من طريق إسماعيل القاضي كما تقدم هناك . وكذا ابن أبي الدنيا في كتاب " قرى الضيف " وابن المنذر في تفسير هذه السورة كلهم من طريق إسماعيل بن مسلم عن أبي المتوكل " أن رجلا من المسلمين مكث ثلاثة أيام لا يجد شيئا يفطر عليه ، حتى فطن له رجل من الأنصار يقال له ثابت بن قيس " الحديث . وقد تبع ابن عسكر جماعة من الشارحين ساكتين عن وهمه ، فلهذا نبهت عليه ، وتفطن شيخنا ابن الملقن لقول ابن عسكر إنه أبو المتوكل الناجي فقال : هذا وهم ، لأن أبا المتوكل الناجي تابعي إجماعا انتهى . فكأنه جوز أنه صحابي يكنى أبا المتوكل وليس كذلك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ونطوي بطوننا الليلة ) في حديث أنس عند ابن أبي الدنيا " فجعل يتلمظ وتتلمظ هي حتى رأى الضيف أنهما يأكلان " .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( ثم غدا الرجل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) في حديث أنس " فصلى معه الصبح " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لقد عجب الله عز وجل ، أو ضحك ) كذا هنا بالشك ، وذكره مسلم من طريق جرير عن فضيل بن غزوان بلفظ " عجب " بغير شك ، وعند ابن أبي الدنيا في حديث أنس " ضحك " بغير شك . وقال الخطابي : إطلاق العجب على الله محال ومعناه الرضا ، فكأنه قال : إن ذلك الصنيع حل من الرضا عند الله حلول العجب عندكم ، قال : وقد يكون المراد بالعجب هنا أن الله يعجب ملائكته من صنيعهما لندور ما وقع منهما في العادة . قال : وقال أبو عبد الله : معنى الضحك هنا الرحمة .

                                                                                                                                                                                                        قلت : ولم أر ذلك في النسخ التي وقعت لنا من البخاري ، قال الخطابي : وتأويل الضحك بالرضا أقرب من تأويله بالرحمة ، لأن الضحك من الكرام يدل على الرضا فإنهم يوصفون بالبشر عند السؤال .

                                                                                                                                                                                                        قلت : الرضا من الله يستلزم الرحمة وهو لازمه ، والله أعلم . وقد تقدم سائر شرح هذا الحديث في مناقب الأنصار .

                                                                                                                                                                                                        60 - سورة الممتحنة وقال مجاهد : لا تجعلنا فتنة : لا تعذبنا بأيديهم . فيقولون : لو كان هؤلاء على الحق ما أصابهم هذا . بعصم الكوافر : أمر أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بفراق نسائهم . كن كوافر بمكة



                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية