الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ، ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن من اهتدى فعمل بما يرضي الله جل وعلا ، أن اهتداءه ذلك إنما هو لنفسه ، لأنه هو الذي ترجع إليه فائدة ذلك الاهتداء ، وثمرته في الدنيا والآخرة ، وأن من ضل عن طريق الصواب فعمل بما يسخط ربه جل وعلا ، أن ضلاله ذلك إنما هو على نفسه ، لأنه هو الذي يجني ثمرة عواقبه السيئة الوخيمة ، فيخلد به في النار .

                                                                                                                                                                                                                                      وبين هذا المعنى في مواضع كثيرة ، كقوله : من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها الآية [ 41 \ 46 ] ، وقوله : من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون [ 30 \ 44 ] ، وقوله : قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ [ 6 \ 104 ] ، وقوله : فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل [ 10 \ 108 ] ، [ ص: 64 ] والآيات بمثل هذا كثيرة جدا ، وقد قدمنا طرفا منها في سورة " النحل " .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ولا تزر وازرة وزر أخرى .

                                                                                                                                                                                                                                      ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أنه لا تحمل نفس ذنب أخرى ، بل لا تحمل نفس إلا ذنبها .

                                                                                                                                                                                                                                      فقوله : ولا تزر [ 17 \ 15 ] ، أي لا تحمل ، من وزر يزر إذا حمل ، ومنه سمي وزير السلطان ، لأنه يحمل أعباء تدبير شئون الدولة ، والوزر : الإثم ، يقال : وزر يزر وزرا ، إذا أثم . والوزر أيضا : الثقل المثقل ، أي : لا تحمل نفس وازرة ، أي : آثمة وزر نفس أخرى . أي إثمها ، أو حملها الثقيل ، بل لا تحمل إلا وزر نفسها .

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا المعنى جاء في آيات أخر ; كقوله : ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى [ 35 \ 18 ] ، وقوله : ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم الآية [ 6 \ 164 ] ، وقوله : تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ، إلى غير ذلك من الآيات .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد قدمنا في سورة " النحل " بإيضاح : أن هذه الآيات لا يعارضها قوله تعالى : وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم الآية [ 29 \ 13 ] ، ولا قوله : ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم الآية [ 16 \ 25 ] ; لأن المراد بذلك أنهم حملوا أوزار ضلالهم في أنفسهم ، وأوزار إضلالهم غيرهم ; لأن من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها ، لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا ، كما تقدم مستوفى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية