الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            فصل في صفة الكفارة

                                                                                                                            وهي مخيرة ابتداء مرتبة انتهاء كما يعلم مما يأتي ( يتخير ) المكفر الحر الرشيد ولو كافرا ( في كفارة اليمين ) ( بين عتق كالظهار ) أي إعتاق عن كفارته وهو إعتاق رقبة مؤمنة بلا عيب يخل بالعمل والكسب كما مر ولو نحو غائب علمت حياته أو بانت كما مر ، وهو أفضلها وإن كان زمن غلاء خلافا لابن عبد السلام ( وإطعام عشرة مساكين كل مسكين مد حب ) أو غيره مما يجزي في الفطرة فيعتبر ( من غالب قوت بلده ) أي المكفر ، فلو أذن الأجنبي [ ص: 183 ] في أن يكفر عنه اعتبرت بلد المأذون له لا الآذن فيما يظهر ، ولا ينافيه أن قياس ما في الفطرة اعتبار بلد المكفر عنه لأن تلك طهارة للبدن فاعتبر بلده ولا كذلك هذا .

                                                                                                                            هكذا قيل .

                                                                                                                            والأوجه اعتبار بلد الآذن كالفطرة ، وأفهم كلامه عدم جواز صرف أقل من مد لكل واحد ولا لدون عشرة ولو في عشرة أيام ( أو كسوتهم بما يسمى كسوة ) مما يعتاد لبسه بأن يعطيهم ذلك على جهة التمليك وإن فاوت بينهم في الكسوة ( كقميص ) ولو بلا كم ( أو عمامة ) وإن قلت أخذا من أجزاء منديل اليد ( أو إزار ) أو مقنعة أو رداء أو منديل يحمل في يد أو كم لقوله تعالى { فكفارته إطعام عشرة مساكين } الآية ( لا ) ما لا يسمى كسوة ولا ما يعتاد كالجلود ، فإن أعتيد أجزأت فمن الأول نحو ( خف وقفازين ) ودرع من نحو حديد ونعل ومداس وجورب وقلنسوة وقبع وطاقية وعرقية ، وقول الشيخ في شرح منهجه بإجزائها محمول على شيء آخر يجعل فوق رأس النساء ، يقال له عرقية أو على ما يجعل على الدابة تحت السرج ونحوه ( ومنطقة ) وتكة وفصادية وخاتم وتبان لا يصل للركبة وبساط وهميان وثوب طويل أعطاه للعشرة قبل تقطيعه بينهم لأنه ثوب واحد ، وبه فارق ما لو وضع لهم عشرة أمداد وقال ملكتكم هذا بالسوية أو أطلق لأنها أمداد مجتمعة ، وأفهم التخيير امتناع التبعيض كأن يطعم خمسة ويكسو خمسة ( ولا يشترط ) كونه مخيطا ولا ساترا للعورة ولا ( صلاحيته للمدفوع إليه فيجوز سراويل ) ونحو قميص ( صغير ) أي دفعه ( لكبير لا يصلح له وقطن وكتان وحرير ) وصوف ونحوها ( لامرأة ورجل ) لوقوع اسم الكسوة على الكل ولو متنجسا ، لكن يلزمه إعلامهم به لئلا يصلوا فيه .

                                                                                                                            وقضيته أن كل من أعطى غيره ملكا أو عارية مثلا ثوبا مثلا به نجس خفي غير معفو عنه بالنسبة لاعتقاد الآخذ عليه إعلامه به حذرا من أن يوقعه في صلاة فاسدة ، ويؤيده قولهم : من رأى مصليا به نجس غير معفو عنه : أي عنده لزمه إعلامه به ، وفارق التبان السراويل الصغير بأن التبان لا يصلح ولا يعد ساتر عورة صغير فضلا عن غيره ، فإن فرض أنه يعد لستر عورة صغير فهو السراويل الصغير ( ولبيس ) وإن كثر لبسه و ( لم تذهب ) عرفا ( قوته ) باللبس ، بخلاف ما ذهبت قوته كالمهلهل النسج الذي لا يقوى على الاستعمال ولو جديدا ومرقع ومنسوج من جلد ميتة وإن كان معتادا كما لا يخفى ( فإن عجز ) بالطريق السابق في كفارة الظهار ( عن ) كل من ( الثلاثة ) المذكورة ( لزمه صوم ثلاثة أيام ) للآية ( ولا يجب تتابعها في الأظهر ) لإطلاق الدليل ، [ ص: 184 ] والثاني يجب لقراءة ابن مسعود وأبي بن كعب متتابعات والقراءة الشاذة كخبر الآحاد في وجوب العمل بها ، وأجاب الأول بأنها نسخت حكما وتلاوة ( وإن غاب ماله انتظره ولم يصم ) لأنه واجد وإنما أبيح الصوم لمن لم يجد بخلاف المتمتع إذا أعسر بالدم بمكة فإنه يجزيه الصوم لأن القدرة اعتبرت بمكة لأنها محل نسكه الموجب للدم فلا ينظر إلى غيرها ، ولا كذلك الكفارات تعتبر فيها مطلقا ، أي وإن غاب ماله فوق مسافة القصر خلافا لبعض المتأخرين لوجوبها على التراخي أصالة .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            [ ص: 182 ] فصل ) في صفة الكفارة

                                                                                                                            ( قوله : مرتبة انتهاء ) أي بمعنى أنه لا ينتقل للصوم إلا بعد العجز عن الثلاثة ، فإن قدر على الثلاثة تخير بينها أو على اثنين تخير بينهما أو على خصلة منها تعينت ، فإن عجز عن جميعها صام ( قوله : يتخير ) قال العلامة الشيخ خالد في شرح الأزهرية : ولا يجوز الجمع بين الجميع على اعتقاد أن الجميع هو الواجب في الكفارة انتهى .

                                                                                                                            وكتب عليه الشنواني قوله ولا يجوز الجمع إلخ فيه نظر ، وما المانع من جواز الجمع .

                                                                                                                            وغاية الأمر أنه إذا جمع بينها مع الاعتقاد المذكور أو عدمه وقع واحد منها كفارة فقط .

                                                                                                                            قال الإسنوي في التمهيد : لو أتى بخصال الكفارة كلها أثيب على كل واحد منها ، لكن ثواب الواجب أكثر من ثواب التطوع ، ولا يحصل إلا على الواجب فقط وهو أعلاها إن تفاوتت ، لأنه لو اقتصر عليه لحصل له ذلك فإضافة غيره لا تنقصه ، وإن تساوت فعل أحدها ، وإن ترك الجمع عوقب على أقلها لأنه لو اقتصر عليه لأجزأ ، ذكره ابن التلمساني في شرح المعالم وهو حسن انتهى .

                                                                                                                            أقول : وما ذكره من وقوع واحدة منها كفارة مسلم ، وليس هو محل الكلام فيما لو أخرجها مع اعتقاد أن الجميع كفارة واجبة ، وهو حرام لاعتقاد ما ليس واجبا كما لو صلى زيادة على الرواتب مع اعتقاد أنها مطلوبة للشارع ( قوله : الحر ) قيد به أخذا من قول المصنف الآتي ولا يكفر عبد بمال ( قوله : الرشيد ) لم يذكر المصنف ما يؤخذ منه هذا القيد ، لكن ذكره الشارح في قوله الآتي ومثله : أي العبد في التكفير به : أي الصوم محجور سفه أو فلس ، وفيه إشارة إلى أن السفيه في معنى العبد ، وكتب أيضا قوله الرشيد غير محجور عليه بفلس أخذا مما يأتي ( قوله : أو بانت كما مر ) أي بأن أعتقه على ظن موته فبان حيا فيجزي اعتبارا بما في نفس الأمر ، وقياسه أنه لو دفع في الكفارة مالا يظنه ملك غيره فبان ملكه أو دفع لطائفة يظنها غير مستحقة للكفارة فبان خلافه أجزأه ذلك ( قوله : وإطعام عشرة مساكين ) ولو كان عليه كفارات جاز إعطاء ما وجب فيها العشرة مساكين فيدفع لكل واحد أمددا بعددها ( قوله : أي المكفر ) أي المخرج للكفارة وإن كان غير الحالف أخذا من قوله الآتي ، والأوجه [ ص: 183 ] اعتبار بلد الآذن فإن الآذن هو المكفر عنه ( قوله كذا قيل إلخ ) كذا وجدت هذه الزيادة بخط المؤلف على هامش نسخة ( قوله : وإن قلت ) أي كذراع مثلا ( قوله : أو مقنعة ) أي طرحة ( قوله : فمن الأول ) أي ما لا يسمى كسوة ( قوله : وتبان ) اسم للباس لا يصل إلخ ، وعبارة المختار : والتبان بالضم والتشديد سراويل صغير مقدار شبر يستر العورة المغلظة وقد يكون للملاحين ( قوله : وهميان ) اسم لكيس الدراهم ( قوله وقضيته أن كل من أعطى غيره إلخ ) معتمد ( قوله : الذي لا يقوى على الاستعمال ) أي قياسا على الحب العتيق انتهى حج ( قوله ومرقع ) ظاهره وإن كان جديدا وحدث فيه ما يقتضي ترقيعه ( قوله : بالطريق السابق ) أي بأن لم يملك زيادة على كفاية العمر الغالب ما يخرجه في الكفارة .

                                                                                                                            وعبارتها ثم ويشترط كون ذلك فاضلا عن كفاية العمر الغالب على الأصح .

                                                                                                                            وما وقع في [ ص: 184 ] الروضة هنا وتبعه الشارح من اعتبار سنة مبني على المرجوح المار في قسم الصدقات ( قوله لمن لم يجد ) أي بأن كان ماله غائبا



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 182 ] فصل ) في صفة الكفارة [ ص: 183 ] قوله : ولا لدون عشرة ) صوابه وعدم جواز صرفها لدون عشرة ( قوله : بأن يعطيهم ذلك ) يعني الطعام والكسوة ( قوله : غير معفو عنه ) قضيته أنه لا يجب عليه إعلامه فيما لو كان معفوا عنه وقد يتوقف فيه لأنه ربما ضمخه بما يسلب العفو ( قوله : لا يعد ساتر عورة صغير إلخ ) انظره مع قوله المار ولا ساترا للعورة ( قوله : ولم تذهب ) الواو التي زادها الشارح للحال كما لا يخفى ( قوله : كالمهلهل ) الكاف فيه للتنظير ( قوله : ومرقع ) معطوف على ما من [ ص: 184 ] قوله ما ذهبت ( قوله : وأجاب الأول بأنها نسخت إلخ ) وأجاب الأذرعي بأن الشاذ إنما يكون كالخبر إذا ثبت قرآنا ولم يوجد ( قوله : ولا كذلك الكفارات ) عبارة القوت : فإن مكان الدم مكة فاعتبر يساره بها ومكان الكفارة مطلق فاعتبر يساره مطلقا ( قوله : أصالة ) أي وإلا فقد يجب الفور لعارض .




                                                                                                                            الخدمات العلمية