الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 81 ] 88 - باب بيان مشكل ما روي عنه عليه السلام من نهيه عن كسب الإماء

618 - حدثنا بكار ، حدثنا أبو عاصم ، حدثنا شعبة ، وحدثنا إبراهيم بن محمد بن يونس ، حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا شعبة .

وحدثنا ابن مرزوق ، حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا شعبة ، عن محمد بن جحادة ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال : نهى النبي عليه السلام عن كسب الإماء .

619 - وحدثنا ابن خزيمة وإبراهيم بن أبي داود وحسين بن نصر قالوا : حدثنا علي بن الجعد ، حدثني شعبة ، عن محمد بن [ ص: 82 ] جحادة ... ثم ذكروا بإسناده مثله .

فقال قائل : وكيف يجوز لكم قبول هذا عنه عليه السلام وكتاب الله تعالى وسنة رسوله يدفعانه ، قال الله تعالى : والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ولا اختلاف بين أهل العلم جميعا أن الملتمس من المكاتبين بالكتابات اللاتي يعقد عليهم هو كسبهم ، وأن الإماء منهم كالذكور ، وكوتبت بريرة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على المال الذي كوتبت عليه ، ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك فلم ينكره . وفي ذلك دفع لما ادعيتم من الحديث الذي رويتم .

فكان من حجتنا عليه في ذلك بتوفيق الله : أن الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي روينا هو خلاف الذي أباح الله تعالى في كتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم في سنته من مكاتبات الإماء ، وذلك أن الله تعالى إنما أباح مكاتبة من علم مكاتبه فيه خيرا بقوله : إن علمتم فيهم خيرا فقال قوم : الخير هو اكتساب المال ، وقال قوم : هو الصلاح ، وكل واحد من التأويلين يصدق الآخر ، فدل ذلك أنه إنما أباح مكاتبة من يحمد كسبه لا من يذم كسبه ، والذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي روينا قد عقلنا بنهيه إيانا عنه أنه من الأشياء المنكرات ؛ [ ص: 83 ] لأن صفته التي وصفه الله بها الأمر بالمعروف والنهي ، عن المنكر ومن ذلك قول الله تعالى : الذين يتبعون الرسول النبي الأمي إلى قوله : وينهاهم عن المنكر .

فعقلنا بذلك بنهيه عن كسب من نهي عن كسبه في الحديث الذي روينا أنه الكسب المذموم لا الكسب المحمود .

فقال : وهل يجوز أن يضاف النهي إلى كل الأكساب ، وإنما المراد به خاصها منه ؟ فكان جوابنا في ذلك : أن الأشياء إذا كثرت واتسعت أعدادها جاز أن يضاف إلى كلها ما يراد به بعضها دون بقيتها ، ومن ذلك قول الله لنبيه في كتابه : وكذب به قومك ولم يرد به كل قومه ، وإنما أراد منهم المكذبين له في ذلك لا المصدقين له فيه ، وقوله له : وإنه لذكر لك ولقومك فلم يرد بذلك قومه المكذبين له على ذلك وإنما أراد به قومه المصدقين له عليه .

ومثل ذلك ما كان منه في قنوته في صلاة الصبح من قوله فيه : واشدد اللهم وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف .

[ ص: 84 ]

620 - حدثناه المزني ، أخبرنا الشافعي ، حدثنا ابن عيينة ، عن الزهري ، عن سعيد ، عن أبي هريرة .

621 - وحدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، عن سعيد وأبي سلمة أنهما سمعا أبا هريرة يقول ذلك أيضا .

[ ص: 85 ] فلم يرد بقوله : واشدد اللهم وطأتك على مضر ، كل مضر وكيف يكون ذلك وهو من مضر ، وخيار من خلفه في صلاته تلك من مضر الذين لا أمثال لهم ، ولكن كان قوله على مضر يريد به مضر المخالفة عليه التي من أجل خلافها عليه كان قنوته ذلك دون من سواها من مضر .

ومثل ذلك نهيه عليه السلام عن كسب الإماء ، هن الإماء المذموم أكسابهن ، لا الإماء المحمودة أكسابهن .

وقد بين ذلك في حديث رواه عنه أبو هريرة .

622 - كما حدثنا يونس ، حدثنا ابن وهب ، حدثني مسلم بن خالد ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسب الأمة إلا أن يكون لها عمل واصب أو كسب يعرف .

فدل ذلك أن الكسب الذي دخل في نهيه في الحديث الأول [ ص: 86 ] هو النهي الذي نهى عنه في هذا الحديث .

وكذلك كان من عثمان بن عفان في خطبته على الناس .

كما حدثنا يونس أخبرنا ابن وهب أن مالكا ، حدثه .

وحدثنا ابن مرزوق ، حدثنا أبو عامر ، حدثنا مالك ، عن عمه أبي سهيل بن مالك ، عن أبيه أنه سمع عثمان يخطب وهو يقول : لا تكلفوا الأمة غير ذات الصنعة الكسب ؛ فإنكم متى كلفتموها ذلك كسبت بفرجها ، ولا تكلفوا الصغير الكسب ؛ فإنه إن لم يجد يسرق ، وعفوا إذ أعفكم الله عز وجل ، وعليكم من المطاعم بما طاب .

وكما حدثنا يوسف بن يزيد ، حدثنا سعيد بن منصور ، حدثنا عبد العزيز الدراوردي ، عن أبي سهيل ، عن أبيه قال : سمعت عثمان يخطب ... ثم ذكر مثله .

وكانت خطبته هذه على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين قد سمعوا منه نهيه ، عن كسب الإماء فلم يردوا ذلك عليه ولم يخالفوه فيه ؛ فدل ذلك على متابعتهم إياه عليه ، وعلى أن ما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم بنهيه عن كسب الإماء إنما هو المذموم منها لا المحمود منها .

التالي السابق


الخدمات العلمية