الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 203 ] 890 - باب بيان مشكل مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله لأبي بكرة لما ركع دون الصف ، وقد حفزه النفس : زادك الله حرصا ، ولا تعد

5575 - حدثنا بكار بن قتيبة ، حدثنا أبو عمر الضرير ، أخبرنا حماد بن سلمة ، أن زياد الأعلم أخبرهم ، عن الحسن ، عن أبي بكرة ، قال : جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم راكعا ، وقد حفزني النفس ، فركعت دون الصف ، ثم مشيت إلى الصف ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة ، قال : أيكم الذي ركع دون الصف ؟ قال أبو بكرة : قلت أنا . قال : زادك الله حرصا ولا تعد .

[ ص: 204 ] [ ص: 205 ]

5576 - وحدثنا الحسين بن الحكم الحبري ، حدثنا عفان بن مسلم ، حدثنا حماد بن سلمة ، ثم ذكر بإسناده مثله .

فتأملنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكرة : لا تعد ، فوجدنا بعض الناس قد حمله على أن لا يعود إلى السعي إلى الصلاة الذي كان منه حتى حفزه النفس . ووجدنا بعضهم قد حمله على نهيه إياه أن يركع دون الصف حتى يأخذ مقامه من الصف . ووجدنا مما قد روى هذا المعنى بعينه .

5577 - مما قد حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا المقدمي ، حدثني عمر بن علي ، حدثنا ابن عجلان ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أتى أحدكم الصلاة ، فلا يركع دون الصف حتى يأخذ مكانه من الصف .

[ ص: 206 ] وكان المعنيان جميعا مما يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أرادهما جميعا بقوله لأبي بكرة : ولا تعد ، والله أعلم بمراد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في ذلك .

فقال قائل : أفتكرهون الركوع دون الصف ؟ وقد روي عن زيد بن ثابت أنه كان يفعل ذلك ، وذكر .

ما قد حدثنا يونس ، حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن أبي أمامة بن سهل ، قال : رأيت زيد بن ثابت دخل المسجد ، والناس ركوع ، حتى إذا أمكنه أن يصل الصف وهو راكع فركع ، ثم دب وهو راكع حتى وصل الصف .

وما قد حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب ، حدثني مالك ، وابن أبي [ ص: 207 ] ذئب ، عن ابن شهاب ، ثم ذكر بإسناده مثله .

وما قد حدثنا ابن أبي داود ، حدثنا سعيد بن أبي مريم ، أخبرنا ابن أبي الزناد ، أخبرني أبي ، عن خارجة ، أن زيد بن ثابت كان يركع على عتبة المسجد ووجهه إلى القبلة ، ثم يمشي معترضا على شقه الأيمن ، ثم يعتد بها إن وصل إلى الصف أو لم يصل .

قلنا له : نحن نكره الركوع دون الصف للواحد ولا نكرهه للجماعة ، لأن الواحد يكون بذلك كالمصلي وحده في صف ، وذلك مما قد قيل فيه ما قيل من فساد الصلاة معه ومن جوازها على الكراهة لذلك ، وهكذا كان محمد بن الحسن يقول في ذلك ، مما لم يحك فيه خلافا بينه وبين أحد من أصحابه .

وكما حدثنا محمد بن العباس ، عن علي بن معبد ، عن محمد بن الحسن رحمه الله .

وقد روي عن عبد الله بن مسعود ركوعه دون الصف أيضا مع غيره .

[ ص: 208 ]

كما حدثنا محمد بن عمرو بن يونس ، حدثنا يحيى بن عيسى ، عن سفيان ، عن منصور ، عن زيد بن وهب ، قال : دخلت المسجد أنا وابن مسعود ، فأدركنا الإمام وهو راكع فركعنا ، ثم مشينا حتى استوينا في الصف ، فلما قضى الإمام الصلاة ، قمت لأقضي ، فقال عبد الله : قد أدركت الصلاة .

وكما حدثنا فهد ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا بشير بن سلمان ، حدثنا سيار أبو الحكم ، عن طارق ، قال : كنا مع ابن مسعود جلوسا ، فجاء آذنه ، فقال : قد قامت الصلاة ، فقام وقمنا ، ودخلنا المسجد ، فرأى الناس ركوعا في مقدم المسجد ، فكبر وركع ومشى وفعلنا مثلما فعل .

فكان الذي فيما روينا عن عبد الله : أنهم قد كانوا جماعة ، وقد يحتمل أن يكون زيد بن ثابت في فعله ما قد فعل مما رويناه عنه في [ ص: 209 ] هذا الباب قد كان مع غيره ممن يريد ما يريد ، وكانوا بذلك جماعة ، والله أعلم بحقيقة الأمر كان في ذلك ، غير أنه لا يجب أن يحمل ما كان منه على خلاف ما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة دون الصف ، وهذا أحسن ما وقفنا عليه من تأويل قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكرة لما كان منه ما قد روينا عنه في حديثه الذي رويناه عنه في هذا الباب ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية