الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وجب

                                                          وجب : وجب الشيء يجب وجوبا أي لزم . وأوجبه هو ، وأوجبه الله ، واستوجبه أي استحقه . وفي الحديث : غسل الجمعة واجب على كل محتلم . قال ابن الأثير : قال الخطابي : معناه وجوب الاختيار والاستحباب ، دون وجوب الفرض واللزوم ; وإنما شبهه بالواجب تأكيدا كما يقول الرجل لصاحبه : حقك علي واجب ، وكان الحسن يراه لازما ، وحكى ذلك عن مالك . يقال : وجب الشيء يجب وجوبا إذا ثبت ، ولزم . والواجب والفرض عند الشافعي سواء وهو كل ما يعاقب على تركه ; وفرق بينهما أبو حنيفة ، فالفرض عنده آكد من الواجب . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - : أنه أوجب نجيبا أي أهداه في حج أو عمرة ، كأنه ألزم نفسه به . والنجيب : من خيار الإبل . ووجب البيع يجب جبة ، وأوجبت البيع فوجب . وقال اللحياني : وجب البيع جبة ووجوبا ، وقد أوجب لك البيع وأوجبه هو إيجابا ; كل ذلك عن اللحياني . وأوجبه البيع مواجبة ، ووجابا ، عنه أيضا . أبو عمرو : الوجيبة أن يوجب البيع ، ثم يأخذه أولا فأولا ; وقيل : على أن يأخذ منه بعضا في كل يوم ، فإذا فرغ قيل : استوفى وجيبته ; وفي الصحاح : فإذا فرغت قيل : قد استوفيت وجيبتك . وفي الحديث : إذا كان البيع عن خيار فقد وجب أي تم ونفذ . يقال : وجب البيع يجب وجوبا وأوجبه إيجابا أي لزم وألزمه ; يعني إذا قال بعد العقد : اختر رد البيع أو إنفاذه فاختار الإنفاذ ، لزم وإن لم يفترقا . واستوجب الشيء : استحقه . والموجبة : الكبيرة من الذنوب التي يستوجب بها العذاب ; وقيل : إن الموجبة تكون من الحسنات والسيئات . وفي الحديث : اللهم إني أسألك موجبات رحمتك . وأوجب الرجل : أتى بموجبة من الحسنات أو السيئات . وأوجب الرجل إذا عمل عملا يوجب له الجنة أو النار . وفي الحديث : من فعل كذا وكذا ، فقد أوجب أي وجبت له الجنة أو النار . وفي الحديث : أوجب طلحة أي عمل عملا أوجب له الجنة . وفي حديث معاذ : أوجب ذو الثلاثة والاثنين أي من قدم ثلاثة من الولد ، أو اثنين ، وجبت له الجنة . وفي حديث طلحة : كلمة سمعتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موجبة لم أسأله عنها ، فقال عمر : أنا أعلم ما هي : لا إله إلا الله ، أي كلمة أوجبت لقائلها الجنة ، وجمعها موجبات . وفي حديث النخعي : كانوا يرون المشي إلى المسجد في الليلة المظلمة ذات المطر والريح أنها موجبة ، والموجبات الكبائر من الذنوب التي أوجب الله بها النار . وفي الحديث : أن قوما أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : يا رسول الله ، إن صاحبا لنا أوجب أي ركب خطيئة استوجب بها النار ، فقال : مروه فليعتق رقبة . وفي الحديث : أنه مر برجلين يتبايعان شاة ، فقال أحدهما : والله ، لا أزيد على كذا ، وقال الآخر : والله ، لا أنقص من كذا ، فقال : قد أوجب أحدهما ، أي حنث وأوجب الإثم والكفارة على نفسه . ووجب الرجل وجوبا : مات ; قال قيس بن الخطيم يصف حربا وقعت بين الأوس والخزرج في يوم بعاث ، وأن مقدم بني عوف وأميرهم لج في المحاربة ، ونهى بني عوف عن السلم ، حتى كان أول قتيل :


                                                          ويوم بعاث أسلمتنا سيوفنا إلى نسب في حزم غسان ثاقب     أطاعت بنو عوف أميرا نهاهم
                                                          عن السلم حتى كان أول واجب



                                                          أي أول ميت ; وقال هدبة بن خشرم :


                                                          فقلت له لا تبك عينك إنه     بكفي ما لاقيت إذ حان موجبي



                                                          أي موتي . أراد بالموجب موته . يقال : وجب إذا مات موجبا . وفي الحديث : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء يعود عبد الله بن ثابت ، فوجده قد غلب ، فاسترجع ، وقال : غلبنا عليك يا أبا الربيع ، فصاح النساء وبكين ، فجعل ابن عتيك يسكتهن ; فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : دعهن ، فإذا وجب فلا تبكين باكية ، فقال : ما الوجوب ؟ قال : إذا مات . وفي حديث أبي بكر - رضي الله عنه - : فإذا وجب ونضب عمره . وأصل الوجوب : السقوط والوقوع . ووجب الميت إذا سقط ومات . ويقال للقتيل : واجب . وأنشد :


                                                          حتى كان أول واجب



                                                          والوجبة : السقطة مع الهدة . ووجب وجبة : سقط إلى الأرض ; ليست الفعلة فيه للمرة الواحدة ، إنما هو مصدر كالوجوب . ووجبت الشمس وجبا ، ووجوبا : غابت والأول عن ثعلب . وفي حديث سعيد : لولا أصوات السافرة لسمعتم وجبة الشمس أي سقوطها مع المغيب . وفي حديث صلة : فإذا بوجبة ، وهي صوت السقوط . ووجبت عينه : غارت ، على المثل : ووجب الحائط يجب وجبا ووجبة : سقط . وقال اللحياني : وجب البيت ، وكل شيء : سقط وجبا ووجبة . وفي المثل : بجنبه فلتكن الوجبة ، وقوله تعالى : فإذا وجبت جنوبها ; قيل معناه سقطت جنوبها إلى الأرض ; وقيل : خرجت أنفسها ، فسقطت هي ، فكلوا منها ; ومنه قولهم : خرج القوم إلى مواجبهم أي مصارعهم . وفي حديث الضحية : فلما وجبت جنوبها أي سقطت إلى الأرض ; لأن المستحب أن تنحر الإبل قياما معقلة . ووجبت به الأرض توجيبا أي ضربتها به . والوجبة : صوت الشيء يسقط فيسمع له كالهدة ، ووجبت الإبل ووجبت إذا لم تكد تقوم عن مباركها كأن ذلك من السقوط . ويقال للبعير إذا [ ص: 155 ] برك وضرب بنفسه الأرض : قد وجب توجيبا . ووجبت الإبل إذا أعيت . ووجب القلب يجب وجبا ووجيبا ووجوبا ووجبانا : خفق واضطرب . وقال ثعلب : وجب القلب وجيبا فقط . وأوجب الله قلبه ; عن اللحياني وحده . وفي حديث علي : سمعت لها وجبة قلبه أي خفقانه . وفي حديث أبي عبيدة ومعاذ : إنا نحذرك يوما تجب فيه القلوب . والوجب : الخطر ، وهو السبق الذي يناضل عليه ; عن اللحياني . وقد وجب الوجب وجبا ، وأوجب عليه : غلبه على الوجب . ابن الأعرابي : الوجب والقرع الذي يوضع في النضال والرهان ، فمن سبق أخذه . وفي حديث عبد الله بن غالب : أنه كان إذا سجد ، تواجب الفتيان فيضعون على ظهره شيئا ، ويذهب أحدهم إلى الكلاء ، ويجيء وهو ساجد . تواجبوا أي تراهنوا ، فكأن بعضهم أوجب على بعض شيئا ، والكلاء ، بالمد والتشديد : مربط السفن بالبصرة ، وهو بعيد منها . والوجبة : الأكلة في اليوم والليلة . قال ثعلب : الوجبة أكلة في اليوم إلى مثلها من الغد ; يقال : هو يأكل الوجبة . وقال اللحياني : هو يأكل وجبة ; كل ذلك مصدر ; لأنه ضرب من الأكل . وقد وجب لنفسه توجيبا ، وقد وجب نفسه توجيبا إذا عودها ذلك . وقال ثعلب : وجب الرجل ، بالتخفيف : أكل أكلة في اليوم ، ووجب أهله : فعل بهم ذلك . وقال اللحياني : وجب فلان نفسه وعياله وفرسه أي عودهم أكلة واحدة في النهار . وأوجب هو إذا كان يأكل مرة . التهذيب : فلان يأكل كل يوم وجبة أي أكلة واحدة . أبو زيد : وجب فلان عياله توجيبا إذا جعل قوتهم كل يوم وجبة ، أي أكلة واحدة . والموجب : الذي يأكل في اليوم والليلة مرة . يقال : فلان يأكل وجبة . وفي الحديث : كنت آكل الوجبة وأنجو الوقعة ; الوجبة : الأكلة في اليوم والليلة مرة واحدة . وفي حديث الحسن في كفارة اليمين : يطعم عشرة مساكين وجبة واحدة . وفي حديث خالد بن معد : إن من أجاب وجبة ختان غفر له . ووجب الناقة ، لم يحلبها في اليوم والليلة إلا مرة . والوجب : الجبان ; قال الأخطل :


                                                          غموس الدجى ينشق عن متضرم     طلوب الأعادي لا سئوم ولا وجب



                                                          قال ابن بري : صواب إنشاده ، ولا وجب ، بالخفض ; وقبله :


                                                          إليك أمير المؤمنين رحلتها     على الطائر الميمون والمنزل الرحب
                                                          إلى مؤمن تجلو صفائح وجهه     بلابل تغشى من هموم ومن كرب



                                                          قوله : غموس الدجى أي لا يعرس أبدا حتى يصبح ، وإنما يريد أنه ماض في أموره ، غير وان . وفي ينشق : ضمير الدجى . والمتضرم : المتلهب غيظا ; والمضمر في متضرم يعود على الممدوح ; والسئوم : الكال الذي أصابته السآمة ; وقال الأخطل أيضا :


                                                          أخو الحرب ضراها وليس بناكل     جبان ولا وجب الجنان ثقيل



                                                          وأنشد يعقوب :


                                                          قال لها الوجب اللئيم الخبره     أما علمت أنني من أسره
                                                          لا يطعم الجادي لديهم تمره



                                                          تقول منه : وجب الرجل ، بالضم ، وجوبة . والوجابة : كالوجب ; عن ابن الأعرابي ; وأنشد :


                                                          ولست بدميجة في الفراش     ووجابة يحتمي أن يجيبا
                                                          ولا ذي قلازم عند الحياض     إذا ما الشريب أراب الشريبا



                                                          قال : وجابة فرق . ودميجة : يندمج في الفراش ; وأنشد ابن الأعرابي لرؤبة :


                                                          فجاء عود خندفي قشعمه     موجب عاري الضلوع جرضمه



                                                          وكذلك الوجاب ; أنشد ثعلب :


                                                          أو أقدموا يوما فأنت وجاب



                                                          والوجب : الأحمق ، عن الزجاجي . والوجب : سقاء عظيم من جلد تيس وافر ; وجمعه وجاب ، حكاه أبو حنيفة . ابن سيده : والموجب من الدواب الذي يفزع من كل شيء ; قال أبو منصور : ولا أعرفه . وفي نوادر الأعراب : وجبته عن كذا ووكبته إذا رددته عنه حتى طال وجوبه ووكوبه عنه . وموجب : من أسماء المحرم ، عادية .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية