الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا وأولات الأحمال واحدها ذات حمل

                                                                                                                                                                                                        4626 حدثنا سعد بن حفص حدثنا شيبان عن يحيى قال أخبرني أبو سلمة قال جاء رجل إلى ابن عباس وأبو هريرة جالس عنده فقال أفتني في امرأة ولدت بعد زوجها بأربعين ليلة فقال ابن عباس آخر الأجلين قلت أنا وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن قال أبو هريرة أنا مع ابن أخي يعني أبا سلمة فأرسل ابن عباس غلامه كريبا إلى أم سلمة يسألها فقالت قتل زوج سبيعة الأسلمية وهي حبلى فوضعت بعد موته بأربعين ليلة فخطبت فأنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو السنابل فيمن خطبها وقال سليمان بن حرب وأبو النعمان حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد قال كنت في حلقة فيها عبد الرحمن بن أبي ليلى وكان أصحابه يعظمونه فذكروا له فذكر آخر الأجلين فحدثت بحديث سبيعة بنت الحارث عن عبد الله بن عتبة قال فضمز لي بعض أصحابه قال محمد ففطنت له فقلت إني إذا لجريء إن كذبت على عبد الله بن عتبة وهو في ناحية الكوفة فاستحيا وقال لكن عمه لم يقل ذاك فلقيت أبا عطية مالك بن عامر فسألته فذهب يحدثني حديث سبيعة فقلت هل سمعت عن عبد الله فيها شيئا فقال كنا عند عبد الله فقال أتجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون عليها الرخصة لنزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن [ ص: 522 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 522 ] قوله : ( وأولات : واحدها ذات حمل ) هو قول أبي عبيدة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( جاء رجل إلى ابن عباس ) لم أقف على اسمه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( آخر الأجلين ) أي يتربصن أربعة أشهر وعشرا ولو وضعت قبل ذلك ، فإن مضت ولم تضع تتربص إلى أن تضع . وقد قال بقول ابن عباس هذا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، ونقل عن سحنون أيضا ، ووقع عند الإسماعيلي : قيل لابن عباس في امرأة وضعت بعد وفاة زوجها بعشرين ليلة أيصلح أن تتزوج ؟ قال : لا ، إلى آخر الأجلين . قال أبو سلمة : فقلت قال الله وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن قال : إنما ذاك في الطلاق . وهذا السياق أوضح لمقصود الترجمة ، لكن البخاري على عادته في إيثار الأخفى على الأجلى ، وقد أخرج الطبري وابن أبي حاتم بطرق متعددة إلى أبي بن كعب أنه " قال : للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن المطلقة ثلاثا أو المتوفى عنها زوجها ؟ قال : هي للمطلقة ثلاثا أو المتوفى عنها " وهذا المرفوع وإن كان لا يخلو شيء من أسانيده عن مقال لكن كثرة طرقه تشعر بأن له أصلا ، ويعضده قصة سبيعة المذكورة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال أبو هريرة : أنا مع ابن أخي ، يعني أبا سلمة ) أي وافقه فيما قال .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فأرسل كريبا ) هذا السياق ظاهره أن أبا سلمة تلقى ذلك عن كريب عن أم سلمة ، وهو المحفوظ . وذكر الحميدي في الجمع أن أبا مسعود ذكره في " الأطراف " في ترجمة أبي سلمة عن عائشة ، قال الحميدي : وفيه نظر ، لأن الذي عندنا من البخاري " فأرسل ابن عباس غلامه كريبا فسألها " لم يذكر لها اسما . كذا قال . والذي وقع لنا ووقفت عليه من جميع الروايات في البخاري في هذا الموضع " فأرسل ابن عباس غلامه كريبا إلى أم سلمة " وكذا عند الإسماعيلي من وجه آخر عن يحيى بن أبي كثير ، وقد ساقه مسلم من وجه آخر فأخرجه من طريق سليمان بن يسار " أن أبا سلمة بن عبد الرحمن وابن عباس اجتمعا عند أبي هريرة وهما يذكران المرأة تنفس بعد وفاة زوجها بليالي ، فقال ابن عباس : عدتها آخر الأجلين ، فقال أبو سلمة : قد حلت ، فجعلا يتنازعان ، فقال أبو هريرة : أنا مع ابن أخي ، فبعثوا كريبا مولى ابن عباس إلى أم سلمة يسألها عن ذلك " فهذه القصة معروفة لأم سلمة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقالت قتل زوج سبيعة ) كذا هنا ، وفي غير هذه الرواية أنه مات ، وهو المشهور . واستغنت أم سلمة بسياق قصة سبيعة عن الجواب بلا أو نعم ، لكنه اقتضى تصويب قول أبي سلمة ، وسيأتي الكلام على شرح قصة سبيعة في كتاب العدد إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال سليمان بن حرب وأبو النعمان ) وهو محمد بن الفضل المعروف بعارم كلاهما من شيوخ البخاري ، لكن ذكره الحميدي وغيره في التعليق ، وأغفله المزي في " الأطراف " مع ثبوته هنا في جميع النسخ ، وقد وصله الطبراني في " المعجم الكبير " عن علي بن عبد العزيز عن أبي النعمان بلفظه ، ووصله البيهقي من طريق يعقوب بن سفيان عن سليمان بن حرب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن محمد ) هو ابن سيرين .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 523 ] قوله : ( كنت في حلقة فيها عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وكان أصحابه يعظمونه ) تقدم في تفسير البقرة من طريق عبد الله بن عون عن ابن سيرين بلفظ " جلست إلى مجلس من الأنصار فيه عظيم من الأنصار " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فذكروا له ، فذكر آخر الأجلين ) أي ذكروا له الحامل تضع بعد وفاة زوجها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فحدثت بحديث سبيعة بنت الحارث عن عبد الله بن عتبة ) أي ابن مسعود ، وساق الإسماعيلي من وجه آخر عن حماد بن زيد بهذا الإسناد قصة سبيعة بتمامها ، وكذا صنع أبو نعيم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فضمز ) بضاد معجمة وميم ثقيلة وزاي ، قال ابن التين : كذا في أكثر النسخ ، ومعناه أشار إليه أن اسكت ، ضمز الرجل إذا عض على شفتيه . ونقل عن أبي عبد الملك أنها بالراء المهملة أي انقبض . وقال عياض : وقع عند الكشميهني كذلك ، وعند غيره من شيوخ أبي ذر وكذا عند القابسي بنون بدل الزاي ، وليس له معنى معروف في كلام العرب . قال : ورواية الكشميهني أصوب ، يقال ضمزني أسكتني ، وبقية الكلام يدل عليه . قال : وفي رواية ابن السكن " فغمض لي " أي أشار بتغميض عينيه أن اسكت .

                                                                                                                                                                                                        قلت : الذي يفهم من سياق الكلام أنه أنكر عليه مقالته من غير أن يوجهه بذلك ، بدليل قوله " ففطنت له " وقوله " فاستحيا " فلعلها فغمز بغين معجمة بدل الضاد ، أو فغمص بصاد مهملة في آخره أي عابه ، ولعل الرواية المنسوبة لابن السكن كذلك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إني إذا لجريء ) في رواية هشام عن ابن سيرين عن عبد بن حميد " إني لحريص على الكذب " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إن كذبت على عبد الله بن عتبة وهو في ناحية الكوفة ) هذا يشعر بأن هذه القصة وقعت له وعبد الله بن عتبة حي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فاستحيا ) أي مما وقع منه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لكن عمه ) يعني عبد الله بن مسعود ( لم يقل ذاك ) كذا نقل عبد الرحمن بن أبي ليلى عنه ، والمشهور عن ابن مسعود أنه كان يقول خلاف ما نقله ابن أبي ليلى ، فلعله كان يقول ذلك ثم رجع ، أو وهم الناقل عنه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فلقيت أبا عطية مالك بن عامر ) في رواية ابن عوف " مالك بن عامر أو مالك بن عوف " بالشك ، والمحفوظ مالك بن عامر ، وهو مشهور بكنيته أكثر من اسمه ، والقائل هو ابن سيرين كأنه استغرب ما نقله ابن أبي ليلى عن ابن مسعود فاستثبت فيه من غيره ، ووقع في رواية هشام عن ابن سيرين " فلم أدر ما قول ابن مسعود في ذلك فسكت ، فلما قمت لقيت أبا عطية " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فذهب يحدثني حديث سبيعة ) أي بمثل ما حدث به عبد الله بن عتبة عنها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( هل سمعت ) أراد استخراج ما عنده في ذلك عن ابن مسعود لما وقع عنده من التوقف فيما أخبره به ابن أبي ليلى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقال : كنا عند عبد الله ) ابن مسعود ( فقال : أتجعلون عليها ) في رواية أبي نعيم من طريق الحارث بن عمير عن أيوب " فقال أبو عطية ذكر ذلك عند ابن مسعود فقال : أرأيتم لو مضت أربعة أشهر وعشر ولم تضع حملها كانت قد حلت ؟ قالوا : لا . قال : فتجعلون عليها التغليظ " الحديث .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ولا تجعلون عليها الرخصة ) في رواية الحارث بن عمير " ولا تجعلون لها " وهي أوجه ، وتحمل الأولى على المشاكلة أي من الأخذ بما دلت عليه آية سورة الطلاق .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 524 ] قوله : ( لنزلت ) هو تأكيد لقسم محذوف ، ووقع في رواية الحارث بن عمير بيانه ولفظه فوالله لقد نزلت .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( سورة النساء القصرى بعد الطولى ) أي سورة الطلاق بعد سورة البقرة ، والمراد بعض كل ، فمن البقرة قوله : والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ومن الطلاق قوله وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ومراد ابن مسعود إن كان هناك نسخ فالمتأخر هو الناسخ ، وإلا فالتحقيق أن لا نسخ هناك بل عموم آية البقرة مخصوص بآية الطلاق . وقد أخرج أبو داود وابن أبي حاتم من طريق مسروق قال : بلغ ابن مسعود أن عليا يقول تعتد آخر الأجلين ، فقال : من شاء لاعنته أن التي في النساء القصرى أنزلت بعد سورة البقرة ، ثم قرأ وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن وعرف بهذا مراده بسورة النساء القصرى ، وفيه جواز وصف السورة بذلك . وحكى ابن التين عن الداودي قال : لا أرى قوله " القصرى " محفوظا ولا يقال في سور القرآن قصرى ولا صغرى انتهى . وهو رد للأخبار الثابتة بلا مستند ، والقصر والطول أمر نسبي ، وقد تقدم في صفة الصلاة قول زيد بن ثابت " طولى الطوليين " وأنه أراد بذلك سورة الأعراف .

                                                                                                                                                                                                        66 - سورة التحريم بسم الله الرحمن الرحيم



                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية