الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا

قوله عز وجل: إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا اعتراض مؤكد للمعنى، مذكر بأفضال الله تعالى، منبه على حسن جزائه، بين قوله تعالى: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقوله: أولئك لهم جنات ، فقوله تعالى: أولئك لهم جنات عدن ابتداء وخبر، جملة هي خبر "إن" الأولى، ونحو هذا من الاعتراض قول الشاعر:


إن الخليفة -إن الله ألبسه ... سربال ملك -به ترجى الخواتيم



[ ص: 603 ] قال الزجاج : ويجوز أن يكون خبر "إن" في قوله: إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ; لأن المحسنين هم المؤمنون، فكأن المعنى: لا نضيع أجرهم.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله:

ومذهب سيبويه أن الخبر في قوله تعالى: لا نضيع على حذف العائد، تقديره: من أحسن عملا منهم.

و"العدن": الإقامة، ومنه المعدن; لأن حجره مقيم فيه ثابت، وقوله تعالى: من تحتهم يريد: من تحت غرفهم ومبانيهم. وقرأ الجمهور: "من أساور"، وروى أبان عن عاصم : "من أسورة" بغير ألف وبزيادة هاء، وواحده الأساور: إسوار وحذفت الياء من الجمع; لأن الباب: أساوير، وهي ما كان في الذراع من الحلي، وقيل: أساور جمع أسورة، وأسورة جمع سوار، وإنما الإسوار بالفارسية القائد ونحوه.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله:

ويقال في حلي الذراع: إسوار، ذكره أبو عبيدة معمر، ومنه قول الشاعر:


والله لولا فتية صغار ...     كأنما وجوههم أقمار




تضمهم من العتيك دار ...     أخاف أن يصيبهم إقتار




أو لاطم ليس له إسوار ...     لما رآني ملك جبار



ببابه ما وضح النهار

[ ص: 604 ] أنشده أبو بكر بن الأنباري حاشية في كتاب أبي عبيدة.

و "السندس": رقيق الديباج، و "الإستبرق": ما غلظ منه، وقال بعض المفسرين: هي لفظة أعجمية عربت، وأصلها: استبره، وقال بعضهم بل هو الفعل العربي سمي به، فهو إستبرق، من البريق، فغير حين سمي به بقطع الألف، ويقوي هذا القول أن ابن محيصن قرأ: "من سندس وإستبرق"، فجاء موصول الهمزة حيث وقع، ولا يجره بل بفتح القاف، ذكره الأسواري، وذكره أبو الفتح وقال: هذا سهو أو كالسهو.

و"الأرائك": جمع أريكة، وهو السرير في الحجال، والضمير في قوله: "وحسنت" للجنات، وحكى النقاش عن أبي عمران الجوني أنه قال: الإستبرق: الحرير المنسوج بالذهب، وحكى مكي والزهراوي وغيرهما حديثا مضمنه أن قوله تعالى: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات الآية نزلت في أبي بكر ، وعمر، وعثمان، وعلي رضي الله تعالى عنهم، سأل أعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الآية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي: "أعلم قومك أنها نزلت في هؤلاء الأربعة" وهم حضور.

التالي السابق


الخدمات العلمية